اقتصاد الحوثة المنهار والعملة المزورة!

أولًا أعرف أن هذا المقال التحليلي طويل نسبيًا، ولكنه كان لزامًا علي أن أجيب على عشرات الأسئلة التي داهمني بورودها من مختلف الأفراد والجهات والمهتمين ببواطن الأمور الاقتصادية والمالية والنقدية، وبه ثانيًا علميًا أفضح وبالأرقام ما يجري بالاقتصاد اليمني ككل من واقع وتحولات صعبًا كان استيعابها، وبلغة مبسطة قدر الإمكان، وأستهلها بأنه منذ مغادرة محافظ البنك المركزي محمد بن همام، في الربع الأخير من عام 2016م، بدأت المليشيات بالتركير والعمل على تمكين نفسها من تقوية مركزها المالي، وبكل السبل، مهما كانت عدوانية، ولا يهمها شرعيتها ووسائلها، بخطوتين؛ الأولى الاستيلاء على البنك المركزي، والاستحواذ على كل ما في خزائنه بنهب أمواله وأموال البنوك التجارية والمودعين، والسيطرة على الاحتياطي النقدي وعلى العملات الوطنية، ومنها التالفة الجاهزة للإعدام والحرق.
أما الخطوة الثانية فهي النظر إلى كيفية التحكم بالعملات الأجنبية المتواجدة في السوق، وفي معية المواطنين، وهي نتيجة لتدفق تحويلات المغتربين، والتي تراجعت ما بين 4 و4.5 بليون دولار سنويًا، إضافة إلى مدخرات أهالي المغتربين منها، والتي تراكمت تفوق تلك المبالغ السنوية. مشكلة بذلك لجنة المدفوعات، وتعنى بتمويل التجارة كأول ردود الأفعال المصاحبة للتحكم بالريال، والعمل على تخزينه خارج إطار المؤسسات المصرفية، حيث قامت هذه اللجنة المجرمة بتبديد نحو 5 بلايين دولار من احتياطات البنك المركزي، واستنزافها خلال عام واحد فقط امتد من 2015 إلى عام 2016م.
توالد العملة الحوثية وتدمير الاقتصاد
بلغ عرض النقود أو النقود المتداولة في السوق في أواخر العام 2016، نحو ترليون وسبعمائة بليون ريال، منها 12 بليونًا مغطاة ومتلفة تم إسقاطها أو إلغاؤها من حسابات البنك المركزي ودورة النقود بالسوق، أي تنقل الريال نفسه من يد إلى أخرى خلال عام واحد، والتي وصلت إلى تسع تنقلات أو أكثر، وهي سرعة كبيرة نسبيًا في تداوله مقارنة مع المعروض من النقود، والبالغة تريليون وسبعمائة بليون ريال، ليطالعنا بنك الحوثة بصنعاء بمفاجأة إعلانه خلال الأسبوع الماضي بأنه سوف يقوم بإعدام وإحراق ما يساوي بليوني ريال من العملة التالفة، والتي إن عادت للتداول بالسوق، فإنها سوف تخلق نقودًا أخرى تساوي 18 بليون ريال إضافية في السوق أو أكثر بناء على سرعة تداول النقود، وقس على ذلك بقية النقود التي كانت في حكم التالف، وأعيدت إلى الأسواق، وذلك يشرح بجلاء تهورهم في ضرب ونهب الاقتصاد الوطني... والجميع يعرف كيف يسلك هذا البنك الحوثي ويتعامل ويدير العملة الوطنية بدون ضوابط سوى القوة والمداهمات للمؤسسات المالية وابتزازها بغرض الإثراء غير المشروع لأفراد السلالة، بخاصة بعد تولي قيادة البنك من قبل عناصر سلالية لا خبرة ولا مؤهلات لهم إلا في الولاء لسيد كهفهم الذي جند أتباعه أول الأمر للقيام بحملته المشبوهة الداعية إلى التبرع للبنك المركزي ولو بـ50 ريالًا كحد أدنى، مستهدفًا بذلك حسب مزاعمه دعم خزينة الحوثة، وقد استطاعت تلك الحملة التحريضية جمع نحو 10 بلايين ريال، كونها طافت ولأكثر من شهرين كل مدن احتلتها، وكان التركيز أكبر على كل القرى الخاضعة لسلطة الحوثة، وبخاصة في المحافظات الشمالية.
الضرائب والإتاوات والجبايات
فرض الحوثة بعد السيطرة قبضتهم على معظم مرافق الدولة الضريبية والجمعية والإيرادية، ولم يلتزموا بالقوانين والإجراءات القانونية السائدة والمتعارف عليها، وعملوا على استغلالها أقصى استغلال غير آبهين بتغير أحوال الناس والتجار، ولم يتوقف الأمر هنا، بل ذهب الحوثة إلى أبعد من ذلك بفرض الضرائب الجائرة على التجار صغارًا وكبارًا، ووصلت إلى بائعي البسطات والباعة المتجولين، ومصادرة من لا يدفع دون مراعاة للاغنياء والفقراء على حد السواء. كما أخذ المشرفون على عاتقهم مهمة تنفيذ أوامر جمع الإتاوات بصورة يومية من صغار المزارعين، وبأثر رجعي، وذهب الحوثة إلى تحصيل الزكاة بالقوة والقيام بالجبايات غير القانونية عسفًا في مختلف النقاط العسكرية التي اصطنعوها، وذلك لتمويل أنشطتهم من جهة، ومنها لتمويل مناسباتهم السلالية غير الشرعية من جهة أخرى، حيث عمدت هذه الجماعة الموتورة إلى ابتداع أنواع مختلفة من أوعية الجبايات دون وازع أو ضمير، فهدفها الأوحد هو جني وحصاد الأموال لتعظيم العوائد، ولا تدفع المرتبات، ولا تقدم خدمات أيضًا في نفس الوقت، ولكنها تصر على أخذ الضرائب بصورة قهرية تعسفية على أية خدمات خاصة مهما كانت ولو إنسانية كمعونات أو إغاثية لوضع العراقيل أمامها ونهبها ببجاحة وصلف لم يشهد من قبل بغية إرضاء سيدها.
عوائد النفط والغاز
يركز الحوثة على النفط والغاز كونهما سلعًا استراتيجية ضرورية لا غنى عنها للتحكم باستيراد النفط والغاز كأكبر مصدر للدخل بعد السطو على منابع النفط، وذلك من خلال خلق أزمات انعدام الوقود في سبيل رفع أسعار المشتقات النفطية ونهب فوارق أسعار النفط والغاز من جهة أخرى، والتي بلغت إيراداتها في العام 2023م، 98 بليون ريال، أما الضرائب التي فرضت على أنشطة التجار وعلى بضائعهم المستوردة، فقد بلغت 123 بليون ريال في نفس العام.. والجدير بالذكر أن الرقم المتحصل من ضرائب الوقود جاء بناء على خلفية اتفاق السماح للحوثة باستيرادها مباشرة لضرورتها، ولكيلا يتكرر حدوثها في المناطق التي شهدت أزمات الطوابير بحثًا عن الوقود والغاز لندرتهما المبيتة، مما يؤدي إلى معاناة المواطنين وظهور السوق السوداء، علمًا أن الحوثة يقومون باحتكارها رغم وفرتها للاستفادة من هوامشها الربحية العالية، لهذا كانوا يحجمون عن توزيعها لخلق الأزمات ولتغذية قيام السوق السوداء التي راج سوقها. والحقيقة أنها إحدى سبل التحايل التي عمد الحوثة إلى سلوكها لكسب المزيد من الأموال، مستغلين بذلك حاجة السكان وجني الأرباح برفع أسعارها بغية نهب وتفريغ جيوب المواطنين من مدخراتهم للحيلولة دون إنفاقها استهلاكيًا على موادهم الغذائية ذات الأولوية.

الموارد المالية وتمويل الإرهاب الحوثي
وكل ذلك جرى ويجري تحت ذريعة تمويل الجبهات، مما أدى إلى تراكم الأموال مكتنزة في خزائن وبدرومات خاصة بالجماعة، وليس بالبنك المركزي، علاوة على ذلك فرضت مزيدًا من الضرائب على السلع المستوردة، ورفع تعريفات ورسوم الخدمات المتاحة مثل الكهرباء والمياه المتولدة من المحطات الخاصة، وكذا الاستيلاء على أموال المودعين في البنوك الحكومية أو التجارية، وتقييد أي سحوبات من البنوك التجارية أو نصف الحكومية سواء بالعملة المحلية أو بالدولار، مما أدى إلى إفلاس بعضها وتدني مستوى أداء أنشطتها التسليفية أو التمويلية وانحسار ثقة العملاء ببنوكهم وخسارة أموالهم مع فوائدها وحرمانهم من أرباحها الدورية، إلا أن الطامة الكبرى هي الاستيلاء على البنك المركزي بصنعاء بما فيه من أموال وذهب وسندات وأصول.
ضخ العملات التالفة للسوق
ولم يأبه الحوثة بأن هناك أموالًا تقدر بـ13 بليون ريال كانت في طريقها إلى الإعدام والحرق، وقد أسقطت من مبلغ كمية عرض النقود المتداول في السوق من حسابات البنك، وحلت محلها عملة جديدة، إلا أنها وبحلول عام 2017 قامت السلطات الحوثية بإعادة الـ13 بليون ريال القذرة والتالفة إلى الأسواق، في عملية نهب مفضوحة ومقصودة دفعت كمرتبات ونفقات على الرغم من منظرها وحالتها المكروبية الرثة المثقلة بالأوساخ، والتي أصبحت تقيم بالكتلة الوزنية بالكيلو وليس بعددها الكمي.

طباعة وإصدار العملة المزورة
في العام 2023 وصلت ميناء الصليف ثلاث حاويات من العملة الحوثية التي تمت طباعتها دون حق في إندونيسيا بأوراق هشة لا تخضع لمعايير مواصفات العملة، وأرسلت إلى إيران أولًا ومن ثم إلى ميناء الصليف، وتحتوي تلك الصناديق على 30 بليون ريال من العملات الورقية تم إصدارها دون غطاء من العملات الصعبة، ودون ما يقابلها من السلع والخدمات التي تنتج بالداخل أو تصدر للخارج وستؤول متوالدة إلى أن تبلغ 300 بليون دولار بعد غسلها تبييضًا عبر الشبكة البنكية التجارية، وتؤدي حتمًا إلى التضخم المكبوت بفعل قبضة الحوثة الحديدية على السوق، وهي فئات مختلفة لـ200 و1000 ريال ذات مواصفات هزيلة وأوراق لا تصلح كعملة.. وكان قد تم في إيران صك عملات معدنية من فئة الـ50 ريال و100 ريال، بما قيمته 4 بلايين ريال، وكان هذا الإصدار مفاجئًا باعتباره سابقة خطيرة تهدف إلى سرقة ما لدى الأفراد من أموال ومنقولات وثروة بحيث يتاح للحوثة التلاعب وفتح شهيتهم للاستيلاء على أموال المغتربين والمواطنين عبر إتاحة هذه الإصدارات الورقية والمعدنية لهم لشراء العملة الصعبة من الأسواق والاستيراد عن طريق التهريب وتملك بعض الأصول والمصانع المتوسطة والصغيرة خارج الأراضي اليمنية، كما تمكنهم داخليًا من تملك الأصول والعقارات والأراضي والمعدات المتاحة بالبلد دون أي عناء أو مقابل، وتحقيق أهداف قيادات الحوثة للإثراء غير المشروع.

التحكم الجبري بسعر الصرف
والأكثر من ذلك التحكم بأسعار الصرف، وعدم الالتزام باقتصاديات السوق القائم على تفاعل العرض والطلب، والاستيلاء على موارد البلد التي وصلت في العام 2023 إلى تريليون ومائتي بليون ريال من كل المصادر، بكل السبل، والاستيلاء على تحويلات المغتربين وتحويلها إلى أرصدة سلالية لتمويل أعمال احتلالهم ومرتبات مرتزقتهم، والتسليح عبر التهريب، ويخزن الحوثة نحو 12 مليار دولار نتيجة تثبيتهم القسري لسعر الصرف، بل وتحديده، وذلك الإثراء الفاحش للسلالة يأتي على حساب تحويلات المغتربين، حيث يشترون الدولار بثمن لا يعكس قوته الشرائية، مما يعطي انطباعًا زائفًا بثبات العملة، وبقدرتهم على تسيير الاقتصاد على الرغم من قصور عرض النقود، ناهيك عن عدم دفعهم لرواتب الموظفين لسنين وأشهر، في الوقت الذي تنعم عصابة الحوثة على مناسباتها الدينية السلالية بكل الامتيازات والنفقات الباذخة.
النقود ليس في عددها ولكن في قدرتها الشرائية
يتداول البعض أن هناك فارقًا كبيرًا بين أسعار الصرف تحت سلطة الحوثة مقارنة بالمحافظات المحررة، وبهذا يمكن القول -للتوضيح ليس إلا- إن 100 دولار تساوي 53 ألف ريال في مناطق الحوثة، بينما كان الدولار يساوي 2750 ريالًا، ويساوي اليوم 1400 ريال، أي اكتسبت ضعف قوتها في المناطق المحررة، هذا وضع مسلم فيه، ولكن علينا أن نقيس ذلك فعلًا بما كانت عليه قبل الإجراءات الأخيرة بعدد السلع التي يمكن شراؤها في كل منهما، فنجد أن عدد السلع وأصنافها الممكن شراؤها في المناطق المحررة أكبر بكثير، وهي نفس المائة دولار، وقد أجريت بعض الدراسات الميدانية على ذلك لمختلف السلع الشبيهة، وستكون أكبر بكثير إذا ما تمت الرقابة الدقيقة على الأسعار وسعر الصرف والقضاء على المتطفلين من تجار العملة الذين يعملون خارج إطار السوق الرسمية.
القوة الشرائية وسعر الصرف
والحقيقة التي يجهلها البعض أن الريال اليمني وهو في وضعه التضخمي في المناطق المحررة، كان أقوى من ريال الحوثة الذي استفاد من تحويلات المغتربين نظرًا للكثافة السكانية المهاجرة، والتي استحوذ على 72% من تحويلات المغتربين، بينما المغتربون في المناطق المحررة لم تشكل تحويلاتهم إلا 28% نظرًا لقلة عدد المغتربين من المناطقط المحررة، ومع ذلك أيضًا يمكننا الاستدلال بالقول بأن سلة السلع التي يمكن شراؤها بمبلغ الـ100الدولار في المناطق المحررة، والتي كانت تساوي 275.000 ريال، كانت تعطيك من السلع والخدمات ضعف السلع مما هو حاصل لنفس السلع ولنفس المبلغ الـ100 دولار في أسواق الحوثة، والتي تساوي 53.000 ريال. فالنقود بوظيفتها كأداة تبادل لا تحسب بعددها، ولكنها تحسب بوزنها النسبي وقوتها الشرائية والمعتمدة على قدرة المستهلكين الدفعية ودخولهم، لهذا نجد أصحاب الدخول المتوسطة أو المتدنية، وهم الغالبية، هم الأكثر تضررًا من تضخم العملة وارتفاع الأسعار.
إن ما يقوم به البنك المركزي من خطوات حثيثة لتصحيح الاختلالات الهيكلية للعملة وأسعار صرفها، والقيام بالمعالجات المدروسة المزمنة، جدير بتقليل الفارق بين أسعار الصرف وتحسن العملة الوطنية وتقوية مركز الريال التبادلي وقوته الشرائية، لا سيما وأن السلع والخدمات في عدن والمناطق المحررة مثلًا، لا تفرض عليها ضرائب جائرة بنقاط مصطنعة داخل مناطقها، وهذا ما يساعد على تخفيض أسعار السلع والخدمات النسبية تدريجيًا لكي يتم التكيف بين التحسن في أسعار الصرف وانخفاض الأسعار للسلع وعناصر إنتاجها ليلي ذلك زيادة متناسبة في الأجور والدخول.
وما نشهده الآن بعد عدة أيام من ارتفاع سعر صرف الريال والانخفاض المتوازي للأسعار، فإن الشعور للمواطنين في المناطق المحررة قد اختلف، لا سيما وقد وجدوا أنهم وبعد هبوط الأسعار قد ارتفعت قوة ريالاتهم الشرائية، وأصبحوا يستهلكون سلعًا أكثر من ذي قبل، بل يحققون إشباعًا أكبر، ومازال سعر صرف الريال في تحسن، وسيصل إلى ما بين 115 و125 ريالًا للريال السعودي في الأجل القصير، وهناك سياسات نقدية ومالية تعزز القوة الشرائية سوف تشتد، وبها وتيرة إصلاح النظام الاقتصادي، وأيضًا هناك خطوات قادمة مدعومة دوليًا ستصيب لا شك اقتصاد وريالات الحوثة المزورة ودولاراتهم المكنوزة في مقتل.
فيرفاكس فرجينيا