لا يمكن هزيمة الحوثي دون ثورة داخل معسكر الشرعية
منذ اندلاع الحرب، ظلّ الخطاب العام يتمحور حول مواجهة جماعة الحوثي السلالية، التي تسعى بكل وضوح إلى إعادة عجلة التاريخ اليمني إلى الوراء، واستعادة نظام إمامي كهنوتي دُفن بثورة شعبية عظيمة، دفع فيها اليمنيون دماءهم لتثبيت أسس الجمهورية.
لكن بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب، تبدو الحقيقة مختلفة عمّا يُقال في المنابر. فالمعركة مع الحوثي ليست فقط مع فكرة انقلابية، بل مع مشروع متكامل يحاول أن يعيد تشكيل الوعي والهوية الوطنية على أسس سلالية ومذهبية. وهذا المشروع لا يمكن هزيمته، مهما كانت قوة السلاح، ما لم تتغير البنية التي تقف في مواجهته.
الواقع المؤلم هو أن الجبهة المناهضة للحوثي، وفي مقدمتها الشرعية المعترف بها دوليًا، لم تقدّم البديل المقنع. فقد عجزت طوال عقد من الزمان عن بسط سلطتها الكاملة على ما يُعرف بالمناطق المحررة، وعجزت كذلك عن تقديم نموذج حكم يستحق أن يُحتذى به، أو أن يكون مُغريًا لمن هم تحت سيطرة الحوثي للثورة عليه.
بل إن المقارنة الصادمة تقول إن مناطق الحوثي -رغم القبضة الحديدية والممارسات القمعية- تبدو أكثر انتظامًا في بعض الجوانب من المناطق الواقعة تحت إدارة الشرعية. وهناك من يرى، وربما عن حق، أن الفساد في مؤسسات الشرعية، وسوء الإدارة، وتفشي المحسوبية والمحاصصة، قد تجاوز في فظاعته ما كان في عهد صالح أو ما هو قائم حتى لدى الحوثيين أنفسهم.
لا كهرباء في صيف لاهب، ولا مياه، ولا مرتبات. ملايين من الناس يعانون بينما النخب السياسية تتقاسم المناصب وتدير المؤسسات كأنها تركة عائلية. الشرعية التي يُفترض أن تمثّل مشروع الدولة الحديثة، أفرغت نفسها من مضمونها وتحولت إلى سلطة بلا فعالية، ولا أخلاق دولة.
الهبوط المفاجئ في سعر الدولار في مناطق الشرعية، رغم غموض أسبابه، يمثل فرصة ثمينة -لا ينبغي تفويتها- لإعادة ضبط المسار. فالمعركة ليست فقط على الجبهات العسكرية، بل في جوهرها معركة على شكل الدولة، وعلى الثقة التي يمكن أن تمنحها الجماهير لمشروع الجمهورية.
لن يُهزم الحوثي إلا عندما تنشأ دولة بديلة حقيقية، تُبنى على الكفاءة والعدالة، يسود فيها مبدأ الثواب والعقاب، وتُدار مؤسساتها بقيم المواطنة لا بعقلية الغنيمة. عندها فقط، يمكن أن تنهار فكرة الحوثي أمام نموذج الدولة الذي يستحقه اليمنيون.
أما الاكتفاء بترديد الشعارات، والاستمرار في إنتاج الفشل، فهو إسهام مباشر -وإن بدا غير مقصود- في إطالة عمر الانقلاب، وتعزيز مشروع الإمامة بوجه جديد.