صنعاء 19C امطار خفيفة

الحوثيون وسلاح الملاحة نسخة محدثة من حصار النفط العربي

أرسل لي الصديق السفير عبدالله سنبل مقابلة للكاتب الكويتي عبدالله النفيسي عن حديث جيم كرين من مركز بيكر وزير الخارجية الأمريكي السابق للأبحاث عن الحوثيين، وهو ما دفعني لهذه القراءة السريعة، إذ تمثل هجمات الحوثيين في البحر الأحمر اليوم أحد أبرز مصادر التهديد للملاحة الدولية والاستقرار الإقليمي،

وقد اعتبر الباحث جيم كرين من مركز بيكر أن هذه الهجمات تدخل ضمن أدوات الحرب غير المتكافئة، حيث تستخدم الجماعة وسائل محدودة التأثير لتوليد نتائج جيوسياسية واقتصادية ضخمة، مستغلة الموقع الجغرافي الحساس لمضيق باب المندب وخطوط التجارة العالمية المرتبطة به، وقد أشار النفيسي في المقابلة إلى أن ما يقوم به الحوثيون اليوم يشبه ما قام به العرب مجتمعين في عام ثلاثة وسبعين، في ما عرف حينها بحصار النفط كأداة للضغط الاستراتيجي.
يرى كرين أن هذه الهجمات لا تعبر فقط عن تضامن سياسي مع غزة أو انسجام مع المحور الإيراني، بل إنها تمثل محاولة محسوبة لتعزيز شرعية الحوثيين داخليًا، وإظهارهم كقوة فاعلة على مستوى الإقليم، بل وعالميًا، إذ ينجحون في تعطيل مسارات تجارية حيوية دون امتلاكهم جيشًا نظاميًا أو اعترافًا دوليًا، مما يجعلهم نموذجًا فريدًا في ممارسة الضغط الدولي من خارج المؤسسات الرسمية، وهنا يتقاطع هذا التحليل مع ما أشار إليه عبدالله النفيسي حين وصف هذه التحركات بأنها تشبه إلى حد كبير ما قام به العرب في حرب أكتوبر عام ثلاثة وسبعين عندما استخدموا سلاح النفط كأداة للضغط على الغرب لدعم الموقف العربي ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يعني أن الحوثيين وإن كانوا يعملون كفاعل غير رسمي، فإنهم يستخدمون أدوات لها وقع استراتيجي شبيه بما قامت به دول كبرى في لحظات فارقة.
إن استمرار هذه العمليات يؤثر بشكل مباشر على مشاريع كبرى في المنطقة، وعلى رأسها رؤية السعودية عشرين ثلاثين التي تعتمد على بيئة آمنة ومستقرة على طول سواحل البحر الأحمر، كما يؤثر على مشروعات قناة السويس في مصر، واستثمارات الإمارات في الموانئ والممرات المائية، ويهدد طموحات الأردن في التحول إلى مركز لوجستي إقليمي، إضافة إلى ذلك فإن الممرات البديلة التي تُستخدم لتفادي خطر الحوثيين تزيد من تكاليف الشحن والنقل، ما يؤثر في سلاسل التوريد الإقليمية، ويقلل من تنافسية المنطقة في التجارة العالمية.
وفي ظل تفاقم التوترات يظهر أن هذه الهجمات ليست مجرد رد فعل عسكري عابر، بل تأتي في سياق جيوسياسي أوسع تعيد من خلاله إيران ترتيب أوراقها في المنطقة عبر دعم أطراف غير حكومية مثل الحوثيين، ما يتيح لها التأثير في ممرات الطاقة العالمية دون الدخول في مواجهة مباشرة، وهذا ما يجعل البحر الأحمر اليوم جزءًا من معادلة إقليمية معقدة تربط بين الحرب في غزة والنفوذ الإيراني والصراعات في اليمن وسوريا ولبنان.
ومع تزايد كلفة التوتر على المديين المتوسط والطويل، يصبح من الضروري أن تراجع القوى الإقليمية المتدخلة في اليمن مواقفها، وتنتقل من إدارة الصراع إلى إدارة الحلول، فاستمرار الحرب وتغذية الانقسامات يدفع نحو تفكك الدولة اليمنية وتكريس سلطات الأمر الواقع، ويمنح الجماعات المسلحة مساحة أكبر للتمدد، مما يهدد الأمن القومي لدول الجوار، ويضعف فرص الاستثمار والتنمية في كل المنطقة.
ومن هنا فإن المطلوب اليوم ليس فقط الضغط الدولي على الحوثيين، بل انخراط جاد ومسؤول من السعودية والإمارات وإيران وعُمان في بلورة تسوية يمنية شاملة قائمة على الشراكة الوطنية وإنهاء الإقصاء السياسي وتوزيع السلطة والثروة بعدالة، لأن أية مقاربة تتجاهل معالجة جذور الأزمة ستبقي الباب مفتوحًا أمام تجدد العنف وتكرار التهديد للممرات البحرية.
في ضوء هذه المعطيات، فإن استقرار اليمن لم يعد شأنًا محليًا، بل بات شرطًا أساسيًا لاستقرار البحر الأحمر والخليج العربي والقرن الإفريقي، وما يتطلبه ذلك من تجاوز الحسابات الضيقة والتعامل مع الملف اليمني كأولوية استراتيجية إقليمية لا تقبل التأجيل، فالسلام في اليمن هو ضمانة للأمن البحري والاقتصادي والتنمية المستدامة في المنطقة كلها.

الكلمات الدلالية