نداء "النداء"

وجهت صحيفة النداء دعوةً لقرّائها، وللضمائر النقية الحيّة.
في الثالث عشر من أكتوبر 2004، وفي سعير الحرب المتطاولة ضد الجنوب، واشتعال الحرب ضد صعدة، أعلنت صحيفة النداء الظهور والتحدّي.
كان تدمير التجربة التحررية والوحدوية في الجنوب تعبيرًا عن سُعار انتصار الفساد والطغيان، وكانت الحرب ضد صعدة تعني تغوُّل الاستبداد والظلم.
صدح صوت النداء بـ: كفى!
كان النداء هامسًا، لكنه أعلى من هدير الدبابات والمدافع، وأقوى من قصف الطائرات، وزئير المجنزرات، وزعيق الحكّام.
اختطّت صحيفة النداء لنفسها نهجًا يختلف ويتميّز عن خطاب السلطة الغارقة في الظلم والظلام، وعن صوت المعارضة المساومة على نصيبٍ من الكعكة المسمومة.
كان صوتها هادئًا ومرنًا، يتلمّس حقائق الأمور، ويتبصّر في القراءة قبل الكتابة. يحسب للمخاطر حسابها، ويعرف حقيقة ما يعتمل في الواقع.
ابتعدت الصحيفة ورئيسها – شفاه الله – وهيئة تحريرها عن مواطن الفساد، وحوافي الشبهات.
قرأت الواقع كما هو، قراءةً صائبةً دقيقة، وعرفت عميقًا طبيعة الحكم، وسِيَر الحاكمين، وأسباب معاناة غالبية الشعب اليمني، ومصادر الظلم والفساد والإفساد.
بعد التمكّن من المعرفة، بدأت في ملفات الفساد ورموزه: من أين يأتي؟ وإلى أين يمضي؟
وقفت ببسالة ضد الحرب على الجنوب، وعلى صعدة، ورأت أن السلطة فاسدة، وأن الحرب أرقى أشكال الفساد.
درست القرار السياسي الموسوم بالتفرّد والأهواء المغشوشة، وانتقدت – بصدق – الانحراف عن مجرى ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وعن الوحدة، والديمقراطية، والعدل.
تبنّت قضايا المظلومين، وكانت أول صحيفة تفتح ملف المختفين قسريًّا. نقّبت عنهم واحدًا واحدًا، ودونت بدقة تاريخ الاعتقال والإخفاء، ومن قُتِل منهم تحت التعذيب، ومن لا يزال مختفيًا. ولا يزال تحقيقها عن المختفين قسريًا هو الأهم والمرجع.
دافعت عن حقوق الإنسان، وعن مؤسسات المجتمع المدني، وانتقدت نهج بعض الأحزاب المعارضة، والمساومات اللامبدئية، وغياب الديمقراطية في الحكم والمعارضة.
لـلنداء رؤية مستقلة، حافظت عليها رغم عواصف الفساد، وقواصف الحرب، وكثرة الإغواءات والإغراءات. وكثيرًا ما عانت بسبب مبدئية نهجها، واستقلال موقفها، ونزاهتها، وموضوعية تناولها وتعاطيها مع الوقائع والأحداث، وعدم انحيازها إلا للحق والحقيقة.
دفعت الثمن غاليًا – وهي الفقيرة – فنهبت معدات وأدوات طباعتها، والكمبيوترات، وكل ما تملك. ومن جديد، وبتضحيات هيئة التحرير وبعض المتطوعين، استطاعت توفير ما يسد رمق احتياجات العمل في حدّه الأدنى، لمواصلة رسالتها المهنية.
ومن جديد، يسطو الأمن السياسي على المقرّ المستأجَر، ويقوم بإغلاقه ونهب الأدوات، ويتعرّض رئيس تحرير النداء للإساءة والتهديد. أمّا بعض محرريها، فقد اختُطف أكثر من مرة، كحال الشهيد عبد الكريم الخيواني الذي ضُرِب وعُذِّب، وتعرّض بعض المحررين للمساءلة والتحقيق.
وفي حُمّى المعاناة، والخروج من البلد، تعرّض رئيس التحرير – القلم المنافح والرصين: سامي غالب – لجلطة ألزمته الفراش حتى اليوم، دون أدنى اهتمام من مسؤولينا على كثرتهم.
ورغم المتاعب الشديدة، ووَطأة المرض القاسي، إلا أن "السامي" دومًا حرص على إعادة إصدارها إلكترونيًّا، مع المحافظة على نهجها، وأسلوب تحريرها، وهيئة تحريرها. والأهم: الحرص على الاستقلالية، والابتعاد عن مواطن التمويل وشبهات الدعم.
لقد وجّهت النداء، من موقعها الجديد، دعوةً أنقلها حرفيًّا؛ فهي أبلغ مني بيانًا، وأصدق قولًا.
"النداء" تطلق حملة تمويل جماهيري لتعزيز الصحافة المستقلة في اليمن
