صنعاء 19C امطار خفيفة

يا سلطات الواقع... كفى عبثًا بالوطن

إلى كل سلطات الواقع على الأرض اليمنية، وإلى من يقف خلفها من داعمين إقليميين، من إيران إلى السعودية، ومن الإمارات إلى عمان، نقول بوضوح: كفى عبثًا بالوطن. كفى استعمالًا لليمن كمنصة لصراعات الآخرين، وساحة لحروب بالوكالة تدار بدماء شعب أنهكه التشظي وأضناه الحصار.

في زمن التشطير، كنا دولتين، لكننا كنا شعبًا واحدًا. أما بعد حرب صيف 1994 التي شنها نظام علي عبدالله صالح بتحالف مع حزب الإصلاح وبقايا جناح علي ناصر محمد، صرنا شعبين في دولة واحدة. ثم جاءت الحرب الثانية في صيف 2015، تلك التي أعاد فيها رأس النظام السابق إنتاج نفسه بتحالف مصلحي مع أنصار الله، فتحول اليمن إلى خمسة شعوب وخمس دويلات، يتناحر بعضها مع بعض، ويدار كل منها بأجندة خارجية أو مصالح فئوية ضيقة.
اليوم، نشهد تقاسمًا مخزيًا للجغرافيا، ومزايدة مؤلمة على السيادة، وغيابًا كليًا لمشروع الدولة الوطنية الجامعة. سلطات الأمر الواقع، كل واحدة منكم تحمل مشروعًا صغيرًا، وراية زائفة، وأحقادًا مؤجلة. وكل واحدة تصر على إدارة الخراب بدلًا من التنازل لصالح مشروع جامع يُعيد اللحمة الوطنية وينقذ اليمن من الموت السريري.
لكن إلى متى؟ إلى متى سيبقى اليمن ميدانًا لصراعكم؟ ألا تدركون أن استمرار هذا التشظي سيجعل من إعادة لُحمة اليمن أمرًا مستحيلًا؟ إن شعبنا لم يعد يتحمل مزيدًا من التجريب على جسده، فاليمنيون اليوم لا يطلبون المعجزات، بل فقط أن ترفعوا أيديكم عن أوهام السيطرة، وأن تضعوا هذا الوطن فوق مشاريعكم المناطقية والطائفية والحزبية.
ندعوكم بصراحة إلى أن تكونوا هذه المرة، ولأول مرة، جزءًا من الحل لا من المشكلة. أن تتوقفوا عن اللعب على حبال الخارج، وأن تعودوا إلى الداخل اليمني، إلى شعبكم، إلى طاولة حوار حقيقية، تنطلق من مخرجات الحوار الوطني ومسودة الدستور الذي يُجسد حلم الدولة الاتحادية المدنية.
نريد جيشًا وطنيًا لا مليشيات، نريد دولة قانون لا سلطات جباية، نريد وحدة طوعية، لا وحدة قهرية، تحفظ حق الجميع، وتضمن التمثيل العادل لكل محافظة، بعيدًا عن الإقصاء والاستحواذ.
إننا بحاجة عاجلة لإصدار قانون عدالة انتقالية حقيقي، يضمن عدم تكرار الانقلابات على المسارات السلمية، ويؤسس لحياة سياسية قائمة على الشراكة والتداول السلمي للسلطة عبر صناديق اقتراع حرة نزيهة، كما علمنا الرسول الكريم حين بايع تحت الشجرة، وتطور الأمر اليوم إلى صناديق انتخاب يختار فيها الشعب ممثليه وحكامه.
أقولها بكل صراحة ووضوح ودون مواربة، إن الصمت في هذه اللحظة المصيرية التي تكاد أن تعصف بما تبقى من روح الوطن، ليس حيادًا، بل خيانة صريحة، خيانة للدم المسفوك ظلمًا، وللخبز المفقود، وللحلم المكسور في عيون الأطفال. إن واجبنا الأخلاقي والوطني أن ننتزع الصراع من أفواه المدافع، وننقله إلى تشاجر الأقلام وتصارع العقول، حيث الكلمة الحرة تقف حاجزًا أمام سيل الجنون والخراب... يا سلطات الواقع... كفى عبثًا بالوطن. كفى حروبًا.. كفى دماء.. كفى.. كفى.. كفى...

الكلمات الدلالية