صنعاء 19C امطار خفيفة

بين صمت الشرعية وجرأة الممولين.. المليشيات تبتلع اليمن!

عام 2012، وما بعده، وقف عبد ربه منصور هادي يتفرج على معسكرات الحوثيين وهي تُبنى بهدوء في صعدة، وتُخرّج دفعاتها وسط أناشيد الولاية ورايات الصرخة، بينما الدولة صامتة، وهادي نائم أو منوم، والسلاح يتكاثر بأيدٍ لا تعترف به ولا بدولته، لم يُرد أن يُغضب ممولي الجماعة ورعاتها، فصمت.. وكانت النتيجة الانقلاب الكبير الذي أسقط الدولة وطارد هادي وشرده في الآفاق.

اليوم، وبعد أكثر من عقد من الزمان، والجعجعة التي مر بها الشعب اليمني، يتكرر المشهد، لكن بصيغة حضرمية، وبنفس الغباء الرسمي، والصمت المطبق لنفس المبرر والسبب، عدم إغضاب الممول والداعي..!
اللواء الأول في "قوات حماية حضرموت" يحتفل بتخريج دفعة عسكرية كاملة، بحضور زعماء قبليين، وقيادات ميدانية، ورايات محلية، دون أن تذكر الجمهورية اليمنية، أو مجلس القيادة الرئاسي، أو الحكومة أو وزارة الدفاع، أو هيئة الأركان، أو حتى علم الجمهورية اليمنية، لا من باب الاعتراف باليمن كدولة ذات سيادة على حضرموت، ولا حتى من باب رفع العتب والحرج..!
السؤال المُلح الذي يتبادر إلى ذهن الطفل الصغير قبل المواطن العادي؛ من الذي يرعى هذا اللواء العرمرمي، ومن يموله، ومن يدفع مرتباته، ومن الذي سلّحه ودرّبه، ومن الذي أمده بالعتاد العسكري وعشرات السيارات..؟!
الإجابة بديهية، نعرفها، وكل اليمنيين يعرفونها. هذه ليست قوات دولة، بل نسخة محلية من مليشيا تمت صناعتها وتمويلها بعناية، كما صُنعت من قبل قوات طارق في الساحل الغربي، وقوات أبو زرعة المحرمي في عدن، وكما أنشأ الانتقالي أذرعه المسلحة بعدة مسميات في الضالع ويافع ولحج، وكلها تأتمر بأوامر الراعي والممول الخارجي، وليس بأوامر قيادة الجمهورية أو المؤسسة العسكرية الرسمية..!
كلها مليشيات مسلحة بلباس ميري عسكري، تتلقى الدعم والتمويل والتوجيه من خارج مؤسسات الدولة، بل من خارج الدولة كلها، وكل واحدة لها ولاؤها الخاص، وقيادتها الخاصة، وهدفها الخاص، ولا أحد يجرؤ على السؤال أو الاعتراض، لأن المموّل أقوى من الدولة، ولأن الشرعية أضعف من أن تفتح فمها وإلا سيُقطع الحبل السري الذي يغذيها بهباته من تحت الطاولة، واعتماداته من فوقها.
الحقيقة التي يجب أن يعرفها القاصي والداني، أننا لا نحتفل بتخريج دفعة عسكرية، بل ندفن فكرة الدولة قطعة قطعة، فهذه المليشيات ليست ضمانة لأمن أحد، بل قنابل موقوتة ستنفجر غدًا في وجوهنا كما انفجر الحوثي، وكما سيأتي غيره إن استمر هذا العبث، فمن لا يملك جيشًا وطنيًا موحدًا، تحت علم واحد، وقيادة واحدة، ومشروع وطني جامع، فلا يلومنّ إلا نفسه إذا استيقظ ذات يوم وتفاجأ بأن البلاد قد تمزقت تمامًا، وتناحرت في ما بينها، وأن من كان يظنه "حليفًا محليًا" قد تحوّل إلى سيد سياسي وأمني على الأرض، وحينها سنقول؛ تعددت المليشيات.. وضاعت اليمن.

الكلمات الدلالية