البلدة تحصد الأرواح
النعمة الربانية المتمثلة بنجم البلدة، التي خصنا الله بها نحن سكان المناطق الساحلية بحضرموت.. النجم الذي يأتي في منتصف شهر يوليو، إلا أنه يختلف اختلافًا كبيرًا عن كل نجوم فصل الصيف، وهذا الاختلاف يظهر منذ بداية دخوله، إذ إن هذا الاختلاف يتمثل في تحسن أجواء مناطقنا برًا وبحرًا.
لكن ميزة بل قل الأكثر تميزًا في هذا النجم، هي برودة مياه البحر الزائدة، فتتحول هذه المياه إلى صقيع.
وفي أيام هذا النجم من كل عام درج الناس على الاغتسال في البحر، فتلاقي كل الشواطئ ممتلئة للآخر بالجنسين من الصباح الباكر وحتى قرب المغرب، وهذه العادة قديمة جدًا، عادة الاغتسال ظنًا واعتقادًا منهم أن الاغتسال يبعد الأسقام والأمراض.
نعود ونقول إن هذا التغيير المناخي الفريد من نوعه لا يوجد إلا عندنا، أي بعبارة أخرى أنه ماركة مسجلة باسمنا ولا ينافسنا فيها أحد.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه علينا بقوة: ماذا استفدنا من ميزة هذا النجم؟
وهل هناك تفكير جدي من السلطة المحلية بالمحافظة للاستفادة منه في إنعاش الحركة الاقتصادية للمحافظة، والذي يلاحظ أنه للحظة حتى وإن أتى شيء من الفوائد، فهي أشياء قليلة، ولم تكن بتلك الأشياء الكبيرة مقارنة بالأعداد الكبيرة من الناس التي تأتي للمحافظة من داخل الوطن وخارجه.
السؤال الآخر: لماذا لا يتم نقل المهرجان المصاحب لهذا النجم لبعض مناطق ساحل حضرموت الأخرى، وليس حصرًا كما هو حاصل على المكلا فقط، فهناك الشحر وشحير والحامي والديس والريدة وقصيعر، فهذه المناطق تستحق أن تأخذ حقها من المشاركة، وأيضًا التعريف بها كمناطق تاريخية.
نجم البلدة مهما كان مفرحًا للكثير، فهو محزن للبعض، فعلى الطرف الآخر هناك ما هو محزن في هذا النجم، فيأتي الموت المصاحب بالألم والحزن، أي النقيض المزعج لفرح الناس بقدوم هذا النجم.
ففي كل عام ومع قدوم هذا النجم وحتى آخر أيامه، تأتي الأخبار المحزنة والمزعجة عن حالات الوفاة غرقًا لكثير من مرتادي البحر من الناس ممن يموتون غرقًا، والسبب لا يخفى على أحد، وهو عدم إجادتهم للسباحة، فتكون نهايتهم سهلة وبسرعة البرق.
الخميس الماضي تاريخ 24/7/2025م، كما أتت الأخبار عن ثلاث وفيات لثلاثة أشقاء من محافظة مأرب، وقبلهم بعض الوفيات.
ومع هذه الوفيات المتكررة في كل عام، والتي لا تجد لها الأسباب المقنعة والمقبولة، إلا أنهم اغتسلوا فأخذتهم أمواج البحر، وغرقوا وماتوا هكذا بكل سهولة.
نرى أنه لا بد من إيجاد المعالجات للحد من تكاثر الوفيات، وذلك من خلال عملية التوعية والإرشاد بنصب اللوائح الإرشادية الكبيرة على امتداد الشواطئ، لتفادي الكثير من الوفيات بهذه السهولة.
عملية النوعية مطلوبة، خصوصًا للوافدين من بعيد، فليس من العقل والمنطق أن تأتي أسرة من مكان بعيد، ويعودوا فاقدين بعض أعزائهم كما حصل لإخواننا من مأرب.
البحر مهما كان سخيًا وكريمًا، إلا أنه لا يرحم أحدًا، ولا يقبل المزاح، فوجب على الجميع أخذ الحيطة والحذر حتى تستمر أفراحنا جميعًا بهذا النجم، وليس فرح هنا وحزن هناك.