صراعات الداخل وتحدي استعادة الدولة في اليمن
لم تعد أزمة الشرعية اليمنية مقتصرة على تحديات الحرب أو تعقيدات الواقع السياسي، بل باتت نتاجًا مباشرًا لصراعات داخلية بين مكوناتها المختلفة، أسهمت -مجتمعة- في إضعاف مؤسسات الدولة، وفتح المجال أمام مشاريع نفوذ متعارضة، انعكست بوضوح على وحدة القرار والسيادة الوطنية.
فخلال السنوات الماضية، تعاملت أطراف سياسية وعسكرية متعددة مع الشرعية باعتبارها مظلة شكلية أكثر من كونها إطارًا وطنيًا جامعًا، ما أدى إلى تضارب في الرؤى، وتعدد مراكز القوة، وتراجع قدرة الدولة على إدارة شؤونها، خصوصًا في المحافظات المحررة. ولم يكن التمدد العسكري شرقًا سوى نتيجة طبيعية لهذا الخلل، حيث غابت الرؤية الموحدة، وحضر منطق الأمر الواقع.
لقد أسهمت جميع الأطراف، دون استثناء، في الوصول إلى هذه اللحظة. فالمجلس الانتقالي الجنوبي اندفع نحو توسيع نفوذه الميداني خارج مسارات التوافق، بينما انشغلت قوى أخرى بإدارة مناطقها بمنطق النفوذ المحلي أو الحسابات الحزبية، في حين عجزت الشرعية، بمؤسساتها المختلفة، عن فرض نموذج الدولة كمرجعية وحيدة. هذه التفاعلات مجتمعة أضعفت الثقة العامة، وكرّست حالة من السيولة السياسية والأمنية.
وفي المحافظات الشرقية، برز هذا الخلل بشكل أكثر وضوحًا، حيث أدى غياب التنسيق بين الدولة والقوى المحلية، وتداخل الأدوار الإقليمية، إلى اختلال التوازنات القائمة، ما سمح بتصاعد التوترات وتحولها إلى وقائع ميدانية جديدة. غير أن خطورة هذه التطورات لا تكمن في بعدها الجغرافي فحسب، بل في رسالتها السياسية التي تُنذر بمزيد من التفكك إذا استمرت دون معالجة جادة.
في خضم هذا المشهد، تبرز أهمية الدور الذي يضطلع به رئيس مجلس القيادة الرئاسي، من خلال دعوته المتكررة إلى لمّ الشمل، وإعادة الاعتبار لمشروع الدولة، ووقف إدارة الخلافات عبر القوة. فالرؤية التي يطرحها تقوم على مبدأ واضح: استعادة الدولة أولًا، ثم الذهاب إلى أي تسوية سياسية شاملة تعالج القضايا العالقة ضمن إطار وطني جامع، لا عبر فرض الوقائع أو تقاسم النفوذ.
إن دعم هذه الرؤية لا يعني تجاهل المظالم أو القضايا السياسية القائمة، بل يعني ترتيب الأولويات بما يمنع الانزلاق نحو صراعات داخلية مفتوحة. فالدولة، بمؤسساتها الدستورية والأمنية والإدارية، تظل الإطار الوحيد القادر على استيعاب التنوع السياسي والمناطقي، وضمان شراكة حقيقية بين جميع المكونات.
وتقع المسؤولية اليوم على عاتق جميع الأطراف السياسية والعسكرية في التعاطي بجدية مع هذه اللحظة، والانخراط في مشروع استعادة الدولة بوصفه مصلحة وطنية عليا، لا خيارًا تكتيكيًا. كما أن على الشركاء الإقليميين دعم هذا المسار، انطلاقًا من أن استقرار اليمن لا يمكن تحقيقه عبر تعدد مراكز القرار، بل عبر دولة قوية قادرة على إدارة علاقاتها الداخلية والخارجية بفاعلية.
في ظل تعقيدات المشهد، يبقى الالتفاف حول مجلس القيادة الرئاسي ورؤية رئيسه خطوة ضرورية لإعادة تصويب المسار، ووقف مسار التآكل السياسي والمؤسسي، وتهيئة الأرضية لتسوية سياسية تنهي الحرب وتحفظ لليمن وحدته وسيادته ومستقبله.