جمهورية الأسماء: حيث لا شرعية للشرعية، ولا صلاح للتشاور
في بلاد تُدعى -مجازًا- “الجمهورية اليمنية”، تجد نفسك أمام مشهد عبثي يفوق خيال نجيب محفوظ في “ثرثرة فوق النيل”، لكن الفرق هنا أن الثرثرة ليست رواية وليست فوق النيل، بل هي واقع معاش تحت قبة مهترئة تُدعى "الشرعية". شرعية تعيش حالة من اللامبالاة والانكسار والاستسلام. شرعية لا شرعية لها، إلا إذا كنت تعتقد أن الاسم وحده يكفي لتثبيت الكرسي على ظهور شعب منهك وبائس.
فلنبدأ من رأس الحكاية، أو بالأصح من "مجلس القيادة الرئاسي"، والذي -ويا للمفارقة!- لا يقود، لا يجتمع، لا يخطط، ولا يبدو أن لديه مشروعًا أو رؤية. هو أشبه بفرقة موسيقية بلا مايسترو، كل عازف يعزف على مزاجه، بعضهم يعزف نشازًا، والبعض الآخر اكتفى بالتلويح بالعصا فقط، على أمل أن يحظى بتصفيق الراعي الإقليمي أو الجمهور الدولي.
ثم ننتقل إلى "هيئة التشاور والمصالحة"، وهي بالمناسبة اسم طريف جدًا. فهي لم تشاور أحدًا، ربما لأنهم لا يجدون من يود التشاور معهم أصلًا، ولم تُصلح شيئًا، سوى ربما صور أعضائها على صفحات الفيسبوك. هيئة وضعت لتكون بمثابة صوت الحكمة في زمن الجنون، لكنها ضاعت وسط الضجيج، وتطل علينا عبر شاشات التلفزة في اجتماعات توحي أنها مازالت تبحث عن تعريف لكلمة "مصالحة".
أما الأحزاب، فحدث ولا حرج. هيكلها موجود، شعاراتها محفوظة، ولكنها أقرب إلى "أندية تقاعد سياسي". لا أحد من أعضائها يعرف ماذا يفعل الآخر، وممثلوها يتصرفون بحرية لا يعرفها المواطن حتى في اختياره لنوع الخبز. أحدهم يجلس في الحكومة، والثاني يهاجمها في القنوات، والثالث ينتظر دوره في "لجنة" لم تجتمع منذ الولادة القيصرية التي جاءت بها.
كل هذا المشهد، لا يمكن وصفه إلا بأنه مهزلة سياسية مستدامة، مسرح عبثي لم يعرفه اليمن في أعتى مراحل تمزقه وشتاته، ولا حتى أيام حكم الأئمة أو ثنائيات القبيلة والسلطة. لم نشهد يومًا أن تُمارَس السياسة بمثل هذا اللامعقول: كأن تتحدث عن "مسار سلام" لا طريق له، و"شراكة وطنية" بلا شركاء، ومواطنين لا يُذكرون إلا في خطابات موسمية فارغة.
لكن، إذا كنا نملك الجرأة للضحك على هذا المشهد، فلنمتلك أيضًا الجرأة لتصحيحه.
ما يجب أن يُفعل؟
أولًا: إعادة تعريف معنى "الشرعية"، هل هي تفويض شعبي أم رسالة بريد إلكتروني من سفارة إقليمية أو دولية؟
ثانيًا: حلّ هيئة التشاور واستبدالها بهيئة صمت وتأمل، فهي أصدق تمثيلًا للحالة.
ثالثًا: دعوة المجلس الرئاسي لـ"الجلوس" فعليًا، لا افتراضيًا، وممارسة الرئاسة لا التنظير فيها، أو حله وإيجاد صيغة أخرى لحل أزمة القيادة "المتبعثرة".
رابعًا: دعوة الأحزاب لممارسة النقد الذاتي، أو على الأقل أن يتعرف كل حزب على ممثليه قبل أن يُفاجأ بهم في مؤتمر دولي أو لقاء تليفزيوني.
باختصار؛ نحن بحاجة إلى نظام حقيقي، لا عرض مسرحي. وإلا، فليُعد تصنيف البلد تحت بند: "جمهورية المسميات الفارغة".