من و حي لقاء بن لزرق و المعبقي
في مقاله "أنا والمعبقي"، قدّم الصحفي فتحي بن لزرق مشهدًا مكثفًا من داخل مكتب محافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب المعبقي، محاولًا رسم صورة عن خلفيات الانهيار الاقتصادي وتداعياته المتسارعة. أصرّ الكاتب في مستهل المقال على أنه لم يذهب ليجمّل صورة البنك المركزي أو يروّج لسياساته، مؤكدًا أنه تحرك بصفته صحفيًا مستقلًا يحمل أسئلة الناس وقلقهم وهمومهم، لكن هذا التمهيد لا يُعفي النص من الوقوع في فخ المرافعة غير المعلنة. فبينما أراد بن لزرق أن يظهر كمن يحمل لواء الصحافة في وجه الانهيار، جاءت روايته مائلة بوضوح نحو تبرئة إدارة البنك المركزي من أي دور مباشر في ما وصلت إليه البلاد من انهيار مالي، وساق في المقابل مرافعة طويلة لإدانة جهات غير محددة، وكأن البنك مجرد مؤسسة محايدة لا حول لها ولا قوة، وليست طرفًا فاعلًا يتحمل نصيبه من المسؤولية.
المقال نقل عن المحافظ معطيات مقلقة حول غياب الموازنة العامة منذ عام 2019، ووجود أكثر من 147 جهة حكومية إيرادية لا تخضع لرقابة البنك، كما تحدث عن أن ما يصل من الموارد لا يغطي سوى ربع التزامات الدولة، مع اتهامات مبطنة لبعض المحافظات بأنها تدير مواردها خارج الأطر الرسمية. لكن ما يُلاحظ هنا أن هذه الأرقام، رغم خطورتها، عُرضت دون تسميات أو تحديد للجهات المتورطة أو الخاضعة للمحاسبة، مما أفرغ النقد من جوهره، وجعله أشبه بخطاب تبريري فضفاض. كان الأجدر بالكاتب أن يمارس دوره الحقيقي في الإلحاح على المسؤوليات الفردية، لا أن يذيبها في عمومية تُشبه الإدانة للجميع دون إدانة لأحد.
كما أن المقال تجاهل مسؤولية البنك المركزي نفسه، لا سيما ما يتعلق بتخبطه في إدارة مزادات الدولار، وفشله في ضبط السوق المصرفية، وغموض الآليات التي يعتمدها في التحكم بسعر الصرف. ففي حين أشار المحافظ إلى أن البنك لا يتدخل في تحديد السعر، بدا ذلك محاولة لنفي مسؤولية مباشرة عن تدهور العملة، رغم أن البنك يظل الجهة المعنية بإدارة السياسة النقدية وليس مراقبًا من بعيد. كذلك فإن الحديث عن تبقّي 225 مليون دولار فقط من الوديعة السعودية، مع الإشارة إلى أن التصرف بها يتطلب إذنًا من الرياض، بدا وكأنه تبرير للعجز أكثر منه كشفًا للقيود، خاصة أن السلوك السابق في إدارة الدفعات السابقة من الوديعة لم يحقق استقرارًا مستدامًا ولم يُترجم إلى سياسات اقتصادية ناجعة.
في كل هذا، غاب تمامًا الحديث عن أثر هذه السياسات على المواطن اليمني، ذلك الغائب الحاضر في كل مشهد من مشاهد المعاناة. لم يتطرق المقال إلى تآكل الرواتب، ولا إلى الجوع، ولا إلى غلاء المعيشة، ولا إلى معاناة الموظف والمعلم والمريض والعاطل. كأن المشهد الاقتصادي يُدار في فضاء نظري تحكمه الجداول والأرقام، لا في بلد تمزقه المجاعة والحرب والفساد. كما أن دعوة المحافظ لأن تتحرك الدولة "كمنظومة واحدة" بدا أقرب إلى الأمنية في واقع مفكك ومشوّه، تديره مراكز قوى متناحرة لا يجمعها مشروع ولا مصلحة وطنية مشتركة.
في النهاية، لم يكن ما كتبه بن لزرق خاليًا من الأهمية، لكنه لم يذهب بعيدًا بما يكفي. لم يضع إصبعه بوضوح على الجرح، ولم يسمّ الفاعلين، ولم يضغط على منابع الفساد التي يعرفها الجميع. ما نحتاجه اليوم ليس تغطيات مهذبة، بل صحافة تفكك منظومة العبث وتسمي الفاسدين وتحمّل كل جهة، بالأسماء، مسؤوليتها أمام شعب يتساقط في يومه ألف مرة. أما أن يبقى الجميع يبرر ويشتكي ويلوم "الآخر"، فإننا نعيش مهزلة وطنية عنوانها الدائم: الكل مسؤول، ولا أحد يُحاسب.