خبر زلج
غزة تمحى ويشرد سكانها... مناظر تدمي القلوب
مشكلتنا نحن العرب، وفي مقدمتهم اليمنيون، أننا لا نخضع مواقفنا الوطنية تجاه القضية الفلسطينية تحديدًا لمترتباتها، وما يمكن أن ينتج عنها من الانعكاسات السلبية على المستوى العام للإنسان الفلسطيني.
الموقف الديني من اليهود يأتي في مقدمة المشاعر المشكلة لردود أفعالنا تجاه احتلالهم لأرض فلسطين، متجاوزًا للمواقف الوطنية والقومية، الأمر الذي يقودنا باستمرار إلى نتائج موجعة وخيبات لا نهاية لها.
الكراهية الدينية المسبقة لهم، تبعدنا كالعادة عن تقييم الواقع استنادًا على قراءات عملية وعلمية، وبما يشكل أرضية لحسابات اتخاذ المواقف الواقعية، بعيدًا عن الشطط والشطحات التي جبلنا عليها، وتحمل نتائجها المؤلمة والمحبطة لقادم مايجب أن نكون عليه في مواجهاتنا المسلحة، المرتكزة على آفاق ورؤى بعيدة المدى وواقعية الحسابات المفترضة.
جرائم غزة ودمار بنيتها العامة، لم تخضع لأية قراءات أو حسابات من قبيل مااشرت إليه آنفًا، فقد وضعتنا المواجهات المسلحة المفاجئة أمام عدد من التساؤلات، ومن ثم ربطها بالأوضاع العامة السائدة في المنطقة العربية، مع فارق طبيعة أحداثها وواحدية نتائجها ذات العلاقة بسياسة القوى الدولية في المنطقة.
أثق تمامًا بأن علاقات المنافع المتبادلة بين أمريكا وإسرائيل من جهة، وفارس من جهة أخرى، هي التي رسمت واقع أحداث غزة، وإن كانت مصالح فارس لا تتجاوز الحقد التاريخي على الإنسان العربي، والانتقام منه، وهي السياسة القائمة والمعمول بها منذ صعود ملالي طهران إلى كرسي السلطة، بمساعدة أمريكية واضحة، يأتي في مقدمتها تخليها اللافت للنظر عن نظام الشاه الموالي لها، في مقابل المصالح الاقتصادية والسياسية، وتوسع نفوذ الطرف الآخر.
على حماس أن تقف بوعي وقراءة حقيقية وواقعية لما يمكن أن يترتب على المواجهة المسلحة مع الكيان، مع الأخذ بالاعتبار طبيعة الأنظمة العربية، وبخاصة تلك المحاذية للأراضي الفلسطينية، في مسألة الرهان على صدق مواقفها من عدمه.
ها هي غزة تمسح بكامل بنيتها العمرانية والخدمية، مدينة يسكنها أكثر من مليونين ونصف المليون مواطن شردوا بعد فقدانها كل مقومات الحياة، ناهيكم عن عدد القتلى والجرحى ومن هم تحت أنقاض المباني المدمرة.
لم يتوقف الأمر عند هذه الحدود، فها هم من تبقى من سكان المدينة يعانون من التشرد، وما هم عليه من الجوع والعطش، وما نشاهد من مناظر تدمي القلوب وهم يلهثون بشكل جماعي نساء وأطفالًا وشيوخًا، خلف القليل من أقراص الخبز، وأمام صمت الحكام العرب وتغاضيهم عن هذه الأحوال الموجعة، في وقت يقومون فيه بإنفاق مليارات الدولارات على جماعات مسلحة تابعة لها، لا مهام لها سوى تمزيق المجتمعات العربية وإحداث الصراعات البينية المسلحة وتفكيك نسيجها الاجتماعي، خدمة للقوى الدولية، وإنجاحًا لمشاريعها، وفي مقدمتها الشرق الأوسط الجديد.