صنعاء 19C امطار خفيفة

الدروز والدولة: خصوصية تاريخية تجاهلها النظام السوري الجديد

لا بشار الأسد ولا من قبله حافظ، رغم كل ما امتلكاه من قوة ونفوذ، تمكنا من تطويع أو إخضاع الطائفة الدرزية، وحافظت السويداء في عهدهما على نوع من الإدارة الذاتية غير المعلنة التي يطالبون بها اليوم. والكثير ممن يعلقون على أحداث سوريا لا يدركون خصوصية هذا المجتمع، ولا يفهمون كيف تعاملت معه الأنظمة الحاكمة عبر التاريخ.

الدروز مجتمع محافظ متماسك، ومنظم، يعتنق عقيدة تختلف عن عقائد المذاهب الإسلامية، وتستند إلى فكر فلسفي عقلاني، وينحدر الدروز من سلالة بني معروف القحطانية العربية، ويحتكمون إلى منظومة داخلية معقدة يقودها "شيخ العقل" الذي يعد المرجع الديني والاجتماعي للطائفة. لا يتدخلون في شؤون غيرهم، ويؤمنون بالعيش تحت مظلة الدولة، شرط أن تحترم خصوصيتهم.
تاريخيًا، لم يظهر لدى الدروز طموح في تأسيس دولة درزية مستقلة رغم قدرتهم في مراحل مختلفة، ولم يسعوا لحكم سوريا، بخاصة بعد الثورة السورية الكبرى التي قادها سلطان باشا الأطرش، ضد الانتداب الفرنسي، ورغم قوته ونفوذه ورفضه عرض الفرنسيين تأسيس دولة درزية، لم يسعَ إلى الحكم، بل عاد إلى منطقته ومجتمعه بعد انتهاء الثورة.
وتقلد الدروز مناصب رفيعة في الدولة العثمانية، مثل يوسف بك حسن، آخر متصرف عثماني في اليمن، والأمير فخر الدين المعني الثاني، الذي حكم لبنان وفلسطين، وامتلك نفوذًا واسعًا. ورغم ذلك، ظل رسميًا تحت مظلة الدولة العثمانية، ولم يسعَ إلى الانفصال عنها، حتى في مراحل ضعفها النسبي أمام التنافس الأوروبي، وكان قادرًا على التمرد والاستئثار بالحكم، لكنه حافظ على البقاء تحت سلطة إسطنبول.
منذ قرون اختار الدروز الجبال الوعرة موطنًا لهم، حرصًا على حماية أنفسهم كأقلية دينية، ويعيشون في سوريا ولبنان والجولان ضمن إدارة ذاتية غير معلنة، تدار مناطقهم عمليًا من خلال زعاماتهم الدينية والسياسية، دون خضوع للسلطة المركزية. هذا التوازن فهمه حافظ الأسد، وتعامل معه بحذر، فامتنع عن فرض القبضة الأمنية على السويداء كما فعل في باقي المحافظات.
في لبنان يدير الدروز مناطقهم فعليًا بزعامة السياسي وليد جنبلاط وشيخ العقل. وهم مسالمون لمن سالمهم، ومقاتلون أشداء في وجه من يعتدي عليهم.
وفي الحرب الأهلية اللبنانية، حرص الزعيم الدرزي كمال جنبلاط على أن يكون الدروز جزءًا من الدولة اللبنانية، لا طائفة تطالب بكيان خاص، وناضل من أجل استقرار لبنان، ورفض فكرة تحويل الجبل إلى دويلة، وواجه المخططات الإسرائيلية التي سعت إلى تقسيم لبنان.
في مايو 2008، كنت في لبنان، وعايشت أحداث 7 أيار، حين اجتاحت مليشيا حزب الله بيروت خلال ساعات. يومها، ذهبت قوة مدربة من الحزب إلى الجبل بهدف اعتقال وليد جنبلاط، الذي أثار قضية شبكة اتصالات حزب الله، وتسبب بتلك الأحداث الدامية. لكن الدروز تصدوا لهم وواجهوهم، وقتل أكثر من خمسين عنصرًا من حزب الله، فيما حوصرت بقية القوة في الجبل حتى تدخلت وساطات أفضت إلى الإفراج عنهم.
الدروز عبر التاريخ مجتمع وطني أصيل، لا يسعون إلى الانفصال، ولا يخرجون على الدولة، ولا يقبلون بالذوبان فيها. من احترم خصوصيتهم عاش معهم بسلام، فهم أهل نخوة وكرم ووفاء، ومن حاول النيل من كرامتهم وخصوصية نمط عيشهم، واجهوه بشجاعة وصلابة.

الكلمات الدلالية