صنعاء 19C امطار خفيفة

لسامي والنداء.. شكرٌ لايؤجَّل

لسامي والنداء.. شكرٌ لايؤجَّل

في زمن تزداد فيه قسوة التفاصيل، وتبهت فيه ملامح الامتنان، زمن الحرب والعبث الذي يعصف بأرواحنا وبلادنا؛ تتضخم الأنا، ويضيق الأفق، ويزداد الجحود، وتذبل أبجديات التقدير.. بين هذا الركام تخرج الفكرة الرائعة من صحيفة النداء بمبادرة أخلاقية رفيعة، تستحق الإشادة والتأمل، وتفتح نوافذ الضوء في عتمة الجحود الثقافي، لتمنحنا سبب إضافي لنؤمن أن النبل لايزال حيّ، وأن الوفاء مازال يعرف طريقه إلى القلوب والعقول.

 
 ثلاثة كتب.. ليست فقط أوراق مطبوعة، بل هي رسائل حب وشلال محبة واعتراف بالجميل، كُتبت بعين التقدير وضمير الوفاء، ورفرفت كزهور نادرة في صيف جاف، تُرسَل في وقتها، لمن يستحقها وهم بيننا، يسمعون الكلمات ويقرؤونها، فيفرحون ويبتسمون، وربما تدمع عيونهم من محبة لاتُؤجل.
كرَّموا فيها الدكتور أبوبكر السقاف، صوت الضمير الحيّ، والأستاذ عبدالباري طاهر، شيخ الكلمة الحرة، والأديبة أروى عثمان، التي غرست الفكرة كما تُغرس شجرة في حقل الروح.. 
 
 أي لفتة أصدق من أن تقول لمن أحببتهم ومن تقدرهم: أنت مهم، وأثرك باقٍ، ونحن نراك ونحبك الآن، لا حين يختلط الكلام بالدموع، والاجساد بالثرى.
 
 لطالما آلمتني فكرة أن يعرف الإنسان قيمته بعد رحيله، قصائد حب لايعيها، وكلمات لايسمعها، ومقالات مدبجة لا يقرؤها، وورد منثور لايشم رائحته.
لهذا، فإن ماقامت به "النداء" ليس مجرد مبادرة، بل هو درس أخلاقي في التوقيت الجميل، فالورد في الحياة أجمل، والشكر حين يُقال لصاحبه مباشرة، لا في رثاء، هو فعل من ذهب لايصدأ في قلبه، بل يرد إليه روحه في زمن الجدب الذي نعيشه وتعيشه بلادنا المكلومة.
لقد آن لنا أن نعيد الاعتبار لفكرة تكريم الأحياء، لا أن ننتظر لحظة الغياب لنُكثر من الرثاء، آن أن نقول لمن أثّروا في حياتنا الثقافية والفكرية والإنسانية، اننا نعتز بك، ونحمل لك كل الود والتقدير. .. 
 
 أرجو ألا تكون هذه الخطوة استثناء، بل بداية لتقليد أصيل، نحتفل بمن يصنعون الفرق وهم بيننا، نصافحهم بالكلمات، نحمل لهم العرفان في كتب ملونة، لا في نعي كئيب بالابيض والاسود، نصفق لهم في وقت قلّت فيه الأيادي التي تُصفّق لغير ذاتها، وندر فيه من يرفع غير صوته..
 
 شكراً للنداء.. شكراً سامي غالب.. شكراً لكل من شارك في هذا الفعل الثقافي الراقي، الذي أعاد للكلمة دفئها، وللوفاء مكانته، وللتكريم المستحق معناه، شكراً لكل من آمن أن الكلمة يمكن أن تكون باقة ورد، إذا خرجت من قلب صادق..
 لنستمر في هذا الجمال، لأن الوفاء، مثل الحب، لايحتاج مناسبة، بل يحتاج إلى نية طيبة وقلب حيّ، ؤ أتمنى أن تكون هذه الإصدارات بداية لتقليد راسخ، نُحيي به قاماتنا وهم بيننا، نرد لهم بعضا من فضلهم، ونملأ قلوبهم بالحب والعرفان.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً