مساء أمس الإثنين، توقف قلب الصحفي اليمني سالم الفراص في أحد مشافي الهند، بعد صراعٍ مرير مع المرض، بينما بقي جثمانه هناك، محتجزاً خلف عائق مالي حال دون عودته إلى وطنه.
إلى جانب جثمانه المسجّى في المشفى، تجلس زوجته وابنته في صمتٍ مثقل بالحزن والعجز. جاءتا لمرافقته في رحلة علاج أملاً في الشفاء، فإذا بهما اليوم تكابدان أقسى أنواع الفقد بعيداً عن الوطن، وتواجهان وحدهما معركة تفوق طاقتهما.
بين صدمة الرحيل ومشقة تدبير تكاليف استعادة الجثمان، تعيشان لحظات من الانكسار المزدوج: فَقْد الأب والزوج، والعجز عن منحه وداعاً يليق بكرامته وإنسانيته. إنها لحظة تتجلى فيها قسوة الغربة حين تمتد لتشمل الموت، وتترك النساء وحدهن في مواجهة الغياب والألم.
الزميل الراحل كان من الرعيل الأول لصحيفة 14 أكتوبر، وأحد أبرز الأقلام النقدية في المشهد الأدبي اليمني. عرفه الأدباء قارئاً نبيها، ومتابعاً وفياً لإصداراتهم، وسنداً حقيقيًا للمواهب الشابة. لم يكن ناقداً فحسب، بل كان نافذة تطل منها الأجيال على عالم الأدب والثقافة.
نقابة الصحفيين اليمنيين أطلقت اليوم نداءً إنسانيًا عاجلاً إلى مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، تدعوهم فيه للتدخل الفوري لسداد تكاليف العلاج ونقل الجثمان إلى عدن، حيث ينتظر أهله ورفاقه إلقاء النظرة الأخيرة على من أفنى عمره في خدمة الكلمة.
وفي سياق متصل، أطلق عشرات الصحفيين والكتّاب اليمنيين مناشدات عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، دعوا فيها إلى إنقاذ ما تبقى من كرامة الوداع، وطالبوا السلطات بسرعة التحرك لتغطية التكاليف ونقل الجثمان، محذرين من أن تجاهل هذه المأساة يعبّر عن انهيار أخلاقي في التعامل مع رموز الصحافة والثقافة في اليمن.

يشعر الصحفيون اليمنيون اليوم بمرارة خذلانٍ مزمن، لم تعد تقتصر آثاره على التضييق على حرياتهم وهم على قيد الحياة، بل باتت تلاحقهم حتى بعد الوفاة. ففي بلدٍ تنهشه الأزمات، صارت حرية الكلمة مقيّدة، والكرامة مرهونة بالمساعدات، والجثامين محتجزة خلف فواتير العلاج غير المدفوعة.
مأساة الزميل سالم الفراص ليست سوى واحدة من صور هذا الواقع المؤلم، الذي يكشف أن الصحفي لم يعد فقط مطارداً برصاص القمع، بل أيضاً مهمَلاً في مرضه، وغريباً في موته، وفقيراً حتى في نعشه. هذا الواقع يعمّق الإحساس لدى الوسط الصحفي بأن رسالتهم النبيلة تُقابَل بالجحود، وأن تضحياتهم لا تجد من يصونها أو يردّ اعتبارها، لا في المؤسسات ولا في الدولة.
إن وداع الكبار لا يليق به أن يُؤجل بسبب عجزٍ مالي، فثمن الكرامة لا يجب أن يكون موضع تفاوض.