صنعاء 19C امطار خفيفة

العميد أحمد علي.. بين مشروعية الواقع وشروط التسوية العادلة

في سياق الحديث عن مستقبل اليمن ومآلات الأزمة المستعصية، تثار تساؤلات كثيرة حول أدوار الشخصيات السياسية والعسكرية السابقة، لا سيما تلك التي لم تشترك بشكل مباشر في الأزمة القائمة منذ عشر سنوات.

 

ومن بين هذه الأسماء يبرز اسم العميد أحمد علي عبدالله صالح، الذي ظل حاضرًا في النقاش العام، بصيغ متباينة، بين من يرفض تمامًا أي دور له في مستقبل البلاد، وبين من يراه ضرورة سياسية لا يمكن تجاوزها ويطالب بعودته إلى المشهد والواجهة دون شرط أو قيد..!
ولعل من المفيد هنا أن أشير، بكل صراحة، إلى أنني كنتُ في وقت سابق من أشد المنتقدين لبعض الممارسات التي رافقت ظهور العميد أحمد علي بعد رفع العقوبات عليه، لا سيما عندما ذهب إلى القاهرة، وجرى استدعاء اليمنيين هناك للسلام عليه، كونه نجل الرئيس السابق علي عبدالله صالح فقط..!
كنت أتمنى أن يلقي خطابًا سياسيًا أو يعلن موقفًا واضحًا مما يجري، أو يقدّم برنامجًا يتّسق مع المرحلة كي نناقشه ونحلله ونقف معه أو ضده، كأي مشروع سياسي.
ومع ذلك، فإن المقاربة السياسية الواقعية تُحتّم علينا اليوم أن نعيد النظر في دور العميد أحمد لمستقبل اليمن، لا من باب الولاء والتبجيل، ولا من باب المعارضة والتخويف، بل من باب استثمار الممكن والمتاح في طريق الخروج من الأزمة التي طحنتنا وأسقطت بلادنا ومعها كرامتنا، بخاصة وأنه يمتلك قاعدة شعبية واسعة متجذّرة في ولائها لوالده، وقدرًا من النفوذ السياسي والاجتماعي والعسكري الذي يمكن أن يُوظف لصالح التهدئة وبناء توافق وطني جديد.
ولهذا، فإن دعوتي اليوم لإمكانية أن يكون العميد أحمد علي جزءًا من الحل، لا تنبع من موقف شخصي أو انبهار عاطفي، بل من رؤية سياسية واقعية تستثمر رمزيته العسكرية كقائد سابق للحرس الجمهوري، وانتمائه إلى أسرة ونظام سابق مازالا يتمتعان بحضور واسع في الأوساط الشعبية، ولكن وفق شروط وضوابط صارمة، تُفرض عليه وعلى غيره، ومن موقع تنظيمي سياسي لا جهوي عائلي، ومن داخل مشروع وطني لا امتداد لنظام سابق، وهي مجرد محاولة لاستشراف الفرص الممكنة لتجاوز الانسداد السياسي الراهن، ضمن إطار وطني جامع يعمل على تلافي ما بقي من اليمن أرضًا وإنسانًا، ولملمة شتات الدولة الممزقة والنسيج المفتت.
الحديث هنا ليس عن زعامة بديلة أو فرض أمر واقع، بل عن إمكانية توظيف موقعه ومكانته في مرحلة انتقالية حرجة من حياة اليمنيين، تتطلب مساهمة جميع القوى السياسية والعسكرية والاجتماعية، دون إقصاء أو تصفية حسابات وخصومات أنهت الدولة وقتلت اليمنيين، فقد يكون وجوده ضمن تشكيلة تنفيذية موسعة مثل مجلس رئاسي انتقالي مزمن بضوابط وضمانات اقليمية ودولية؛ مدخلًا لتقليص حدة الاستقطاب، خصوصًا إذا ما ارتبط هذا الدور بإعادة توحيد حزب المؤتمر الشعبي العام كحزب جماهيري كبير، وتفعيل قنوات الاتصال التي يملكها داخل المؤسستين العسكرية والقبلية، إضافة إلى الخبرات والكوادر السياسية المغيبة عن المشهد منذ عشر سنوات مضت.
ومن المهم في هذا السياق الإقرار بحقيقة لا يمكن إنكارها، مهما اختلفت المواقف المُحبة، وزادت الأحقاد التي مزقت اليمن، وهي أن الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، رحمه الله، رغم كل ما يقوله خصومه فيه وأنصاره عنه، لايزال يحظى بشعبية ملموسة في أوساط واسعة من اليمنيين، وهذه القاعدة الشعبية، التي لاتزال تحتفظ بولائها له، تمتد تلقائيًا إلى عائلته، وخصوصًا نجله العميد أحمد، الذي يُنظر إليه في هذه الأوساط (العامية) كامتداد رمزي للزعامة والتنظيم.
إلا أن هذه الحقيقة، إن تم توظيفها في إطار الحل، يجب أن يُعاد قراءتها بوعي ومسؤولية، بعيدًا عن نزعات الحنين الجارف أو الثأر القاتل، بمعنى أن أي دور محتمل للعميد أحمد علي يجب أن يُبنى على أساس سياسي وتنظيمي، لا على أساس عائلي أو عاطفي، وأن يُقدَّم ضمن مشروع وطني واضح المعالم، يحتكم إلى روح المرحلة الانتقالية، ويرتكز على مبدأ الشراكة العادلة بين مختلف القوى، دون استثناء أو تهميش، ومن المهم جدًا أن يُقدم كشخصية سياسية وفاعل حزبي داخل المؤتمر الشعبي العام، لا كوريث لنظام سابق أو حامل إرث عائلي يتكئ عليه.
أعتقد أن تحويل شعبيته وشعبية أسرته إلى طاقة إيجابية تخدم الحل في البلاد وتعيد الدولة ومؤسساتها، وتعيد لنا كيمنيين كينونتنا وكرامتنا وسيادتنا ومرتباتنا وأبسط الخدمات الأساسية لحياتنا؛ يتطلب شروطًا مشددة، أهمها تخليه عن أي خطاب تحريضي أو نبش للماضي، أو أية محاولة لإعادة إنتاج الماضي المختلف عليه، والتزامه الصريح بمسار وطني يجمع ولا يفرق، وبالدولة لا بالرموز والأشخاص.
أؤمن شخصيًا أن التحدي الحقيقي ليس في اسم الشخص أو خلفيته، بل في الكيفية التي يُعاد بها تقديمه وهندسة المشهد السياسي الذي وُضع فيه، وفق مقاربة جديدة تبتعد عن منطق الإقصاء والثأر، وتستند إلى إدماج العقلاء من مختلف التيارات، بمن فيهم أولئك الذين كانوا جزءًا من النظام السابق، ماداموا مستعدين للانخراط في مشروع وطني جامع.
لقد علّمتنا السنوات العشر الماضية؛ التي سُرقت من أعمارنا، ودمرت بلادنا، وأهانت كرامتنا، وشردتنا في الآفاق ما بين نازح ولاجئ؛ أن الإقصاء لا يصنع سلامًا، وأن اختزال الحل في طرف واحد أو استبعاد مكونات فاعلة، لا يؤدي إلا إلى مزيد من التمزق، وأن بلادنا اليوم بحاجة إلى تسوية عنوانها الأبرز "اليمن تتسع للجميع"، وتسوية سياسية لا غالب فيها ولا مغلوب، ولا خطوط حمراء إلا على من يرفض السلم، ويصر على الحرب تحت أي مبررات.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً