صنعاء 19C امطار خفيفة

نجاة تغفو إلى الأبد.. رصاصة في الرأس وثلاث طفلات يتيمات

نجاة تغفو إلى الأبد.. رصاصة في الرأس وثلاث طفلات يتيمات
صورة رمزية انشأت بالذكاء الاصطناعي

في ساعات الفجر الأولى من يوم الجمعة قبل الماضية، وبينما كانت نجاة (35 عامًا) تغفو على أمل يوم جديد، اخترقت رصاصة غادرة جمجمتها، لتطفئ حياتها في رمشة عين، وتفتح أبواب المأساة على مصراعيها.

 
رصاصة واحدة أطلقها زوجها أنهت كل شيء، لتتحول نجاة من أمٍ لثلاث طفلات إلى رقم جديد في سجل ضحايا العنف الأسري.
 
بعد صلاة الفجر، تلقى والد نجاة اتصالًا من قسم الشرطة في المنطقة التي تقيم فيها ابنته بمدينة صنعاء، أبلغوه فيه بوقوع "مشكلة" بينها وبين زوجها. هرع الأب إلى هناك، ليُصدم بخبر مقتل ابنته على يد شريك حياتها، برصاصة أطلقها بنفسه.
 
تقول شقيقتها، فاطمة العنسي، في حديث لـ"النداء":
"تلقينا الخبر على دفعات، لكن والدي كان أول من عرف الحقيقة عند وصوله قسم الشرطة. أما والدتي، فأخبروها بأن والدي متعب ويجب أن تذهب للمستشفى، وهناك علمت أن نجاة قد قُتلت، وأن جثمانها موجود في ثلاجة الموتى."
 
بعيون دامعة وأقدام بالكاد تحملها، توجّهت الأم إلى ثلاجة الموتى، حيث ألقت النظرة الأخيرة على فلذة كبدها، بكْرها وفرحتها الأولى. أما فاطمة، فتقول:
"اتصلت بي خالتي عند السابعة صباحًا، وأخبرتني بأن شقيقتي قتلت على يد زوجها. لحظتها شعرت وكأن صاعقة ضربت قلبي. مرّ شريط الذكريات أمامي بسرعة: طفولتنا، أعيادنا، لعبنا، مشاكساتنا... كل شيء تلاشى في لحظة."
 

حياة مسلوبة

 
أنهت نجاة دراستها الثانوية قبل 14 عامًا، وتزوجت مباشرة. كانت تحلم بإكمال تعليمها الجامعي، لكن زواجها حال دون ذلك.
تقول فاطمة: "كانت شقيقتي شغوفة بالتعلّم والخياطة، لكنها لم تُمنح أي فرصة لتحقيق طموحاتها. زوجها منعها من العمل، ومن الخروج، وحتى من استكمال دراستها. كانت حبيسة الجدران، لا تغادر المنزل إلا بإذنه."
 
رغم القيد، وجدت نجاة في الإنترنت وسيلتها الوحيدة لتعلّم الخياطة، وكانت تخيط ملابس للأطفال أو ترسم نقوشًا على أيديهم مقابل مبلغ بسيط، تدّخره لطفلاتها الثلاث، أكبرهن في الحادية عشرة، وأصغرهن في الثالثة. اليوم، أصبحن يتيمات.
 

تهديدات بالقتل

 
عاشت نجاة في خوف دائم، حتى بعد سفر زوجها إلى السعودية. فقد واظب على تهديدها عبر الهاتف، مهددًا بقتلها مرارًا، بل وصل الأمر إلى تهديد والدها أيضًا.
تقول فاطمة: "لم نأخذ تهديداته على محمل الجد، رغم تكرارها. وعندما عاد من الغربة في شهر شعبان، خافت نجاة وعادت إلى منزل والدنا."
 
لاحقًا، حاولت أسرة الزوج إعادتها إلى بيت الزوجية، مستخدمين الوساطات والضغوط. رغم رفضها، اضطُرت للعودة بعد أن كتب زوجها تعهّدًا بعدم الاعتداء عليها. خرجت من منزل والدها بقلب مثقل، تهمس: "قلبي مش مرتاح.. هذا رجل مجرم."
 
عادت نجاة مكرهة إلى منزل الزوجية، لتتكرر دائرة العنف. تؤكد فاطمة أن شقيقتها كانت تتعرض للضرب والإهانة بشكل متواصل، وسط صمت الأسرة التي لم تتجاوز ردود فعلها حدود النصح والدعوة إلى "تحمّل الحياة".
حتى طفلات نجاة لم يسلمن من العنف، فقد كنّ يتعرضن للضرب وسوء المعاملة، بحسب ما أكدته خالتهن.
 

أطفال في صدمة

 
منذ وقوع الجريمة، تعيش الطفلة الكبرى (11 عامًا) حالة من الصدمة النفسية الحادة، تصل أحيانًا إلى التشنج.
عندما طلبت الجهات الأمنية إغلاق الغرفة التي وقعت فيها الجريمة، طُلب من الطفلة الكبرى الدخول لجمع ملابسهم، ففوجئت ببقع الدم متناثرة في أرجاء الغرفة. ومنذ ذلك الحين، تكرر عبارة واحدة فقط: "ماما قتلها بابا"، ثم تصمت لساعات طويلة.
هذه الآثار النفسية العميقة قد تُلازم الأطفال مدى الحياة، ما لم تُقدّم لهم الرعاية النفسية المتخصصة.
 

مطالبة بالعدالة

 
تعيش أسرة نجاة اليوم ألمًا لا يوصف. تدهورت صحة والدها، الذي بدأ يتبول دمًا، بينما لا تزال والدتها تعاني من صدمة شديدة.
تقول فاطمة: "نطالب بالقصاص العاجل. لا نريد تأجيل القضية حتى تكبر الفتيات. هذا الرجل خطير، ليس فقط على بناته، بل على المجتمع بأكمله."
 
رحلت نجاة، لكن قصتها لا تزال تفتح جراحًا نازفة في مجتمع تتزايد فيه جرائم قتل النساء، غالبًا على يد الأزواج أو الأقارب.
في عدن، قُتلت امرأة طعنًا على يد زوجها، وفي أبين، ضُربت زوجة حتى الموت، وفي حجة، فارقت حامل الحياة بعد ضرب مبرح... وسلسلة الجرائم مستمرة.
فهل تجد "نجاة" العدالة التي لم تجدها في حياتها؟

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً