صنعاء 19C امطار خفيفة

استمرار الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية

تخوض المقاومة الفلسطينية الباسلة أطول صراع عسكري عربي مع دولة الاحتلال، وهي مجردة من أي دعم عربي أو غير عربي، وسلاحها الأهم هو إيمانها بحقها المشروع في مقاومة الاحتلال الاستعماري، واستعادة حرية واستقلال الشعب الفلسطيني، وإقامة دولته ذات السيادة الكاملة على ما تبقى من فلسطين، وهو قليل بالنظر إلى قرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين عام ١٩٤٧.

 
لقد مرّت سنة وثمانية أشهر منذ بداية حرب الإبادة التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني جهارًا نهارًا، بدون خشية من عقاب، وبدون أدنى التزام بالمواثيق والقوانين الدولية الإنسانية، واستمرار الاستخدام المفرط لأحدث الأسلحة، مما أدى إلى ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني المدعوم بوجه خاص وبصورة شاملة من قبل الولايات المتحدة، على قطاع غزة، إلى أكثر من 54.200 شهيد و123.250 مصابًا منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وفقًا لبيانات وزارة الصحة في غزة التي لا تستطيع دولة التطهير العرقي إنكارها.
ومنذ استئناف الاحتلال عدوانه الغاشم على القطاع، ورفضه وقف إطلاق النار الذي نتج عنه منذ 18 آذار/ مارس الماضي، ارتقاء أكثر من 3.901 شهيدًا، و11.088 إصابة، تتفاقم الكارثة الإنسانية في كل أرجاء القطاع.
غزة، التي لا تتجاوز مساحتها 350 كيلومترًا مربعًا، تُسطّر اليوم أروع ملاحم الصمود في وجه آلة الحرب والإبادة، وسط نقص حاد في الغذاء والدواء والسكن في العراء أو وسط ركام المساكن المهدمة والانعدام التام للخدمات، والمشاهد المأساوية لمجاعة لم يشهد لها تاريخ الحروب والشعوب مثيلًا، ولم ترتكبها دولة احتلال من قبل.
يستمر الحصار والإبادة والتجويع في ظل صمت عربي وإسلامي ودولي مخزٍ، وانعدام الموارد الإغاثية والدوائية بشكل شبه كامل، بينما تتوالى مشاهد الألم والعجز في الشوارع والمستشفيات، وتحت ركام البيوت المهدّمة والموت من الجوع، بينما ترابط ناقلات المساعدات الغذائية في انتظار أن يسمح لها النظام الفاشي بالعبور إلى غزة.
ورغم كل ذلك، ووسط هذا الظلام، تلوح بوادر صحوة عالمية، بدأت باعتراف كل من إسبانيا والسويد وإيرلندا بدولة فلسطين، وإعلان فرنسا وبريطانيا ومالطا عن نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية قريبًا. هذه المستجدات لها قيمتها السياسية، لأنها تعني أن الرافضين للعدوان والاستيطان في تزايد، وأن هذه الدول ترفض استمرار العدوان وسياسة التجويع، وتقف إلى جانب الحق الفلسطيني.
كم كنا نأمل أن تكون مواقف الدول العربية أكثر قوة وفاعلية، وأن تُترجم أقوالها إلى أفعال، وأن تتخذ مواقف سياسية ودبلوماسية أكثر جرأة، منها التهديد بفرض عقوبات على الدول التي تدعم العدوان الإسرائيلي عسكريًا ودبلوماسيًا، ترجمة للالتزام العربي بتأييد قضية فلسطين، وتقديرًا لحجم التضحيات الجسيمة التي يبذلها أهلنا في غزة.
إن الكيان الصهيوني اليوم يتجرّد من كل القيم الإنسانية، ويزداد عُزلة حتى في الداخل، وسط صدمات سياسية واجتماعية متفاقمة داخل مؤسساته، ومنها العسكرية.
وقبل أن نندم، علينا تحديد موقف صارم إزاء مناقشات الكنيست لتهويد المسجد الأقصى الذي يتعرض يوميًا لانتهاكات المستوطنين بقيادة الوزيرين الفاشيين بن غفير وسموتريتش، وحماية جيش الاحتلال.
الضفة أيضًا تحرق مزارعها وأشجار زيتونها وتدمر منازلها وتحاصر مخيماتها ويعيش سكانها في ظل حصار على مدى أربع وعشرين ساعة، ولا أحد يرفع صوته حتى للتنديد. أما أمريكا التي كانت تشغل العالم بتقاريرها عن الحريات الدينية، فتلوذ بالصمت، لأنها أصبحت طرفًا نشطًا في كل الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية بدون خوف أو قلق من رد فعل عربي أو تضامن إسلامي.
المجد والخلود للشهداء، والشفاء للجرحى.
 
*الرئيس اليمني الأسبق

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً