في مثل هذا اليوم قبل اثنين وخمسين عامًا، وقعت واحدة من أعنف وأغرب الحوادث في تاريخ اليمن الجنوبي المستقل. طائرة دبلوماسية تقل نخبة من كوادر الدولة، من وزراء وسفراء ومثقفين، تتحطم في ظروف غامضة، في وقتٍ كانت البلاد تمور بصراعات سياسية حادة أعقبت الاستقلال عن بريطانيا. ورغم مرور أكثر من نصف قرن، ماتزال الحقيقة حبيسة الأدراج، والجراح مفتوحة.
في 30 أبريل 1973، تحطمت طائرة مدنية تابعة للخطوط الجوية اليمنية الجنوبية، وعلى متنها 25 دبلوماسيًا ومسؤولًا حكوميًا وثلاثة من أفراد الطاقم، إضافة إلى القاص الشهير محمد عبدالولي. جميعهم لقوا حتفهم في الحادث الذي مايزال يكتنفه الغموض.
لم تُعلن السلطات حينها عن تشكيل لجنة تحقيق، ولم تُنشر أية نتائج رسمية حتى اليوم، ما فتح الباب أمام العديد من التساؤلات والتكهنات، بخاصة مع تزامن الحادث مع مرحلة من الاضطرابات السياسية الداخلية في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
تشير روايات تاريخية وشهادات معاصرين إلى أن الحادث لم يكن عرضيًا، بل كان -كما يُقال- عملية تصفية سياسية ممنهجة، استهدفت نخبة من مؤسسي الدولة من الرعيل الأول، الذين شارك كثير منهم في النضال المسلح ضد الاحتلال البريطاني. وتُتهم أطراف من "الخطوة التصحيحية" التي قادها سالم ربيع علي في يونيو 1969، بإقصاء وتصفية خصومها السياسيين ضمن عملية إعادة ترتيب السلطة، التي بدأت بالإطاحة بالرئيس قحطان الشعبي وفرض الإقامة الجبرية عليه، ثم اغتيال رئيس الوزراء فيصل عبداللطيف الشعبي لاحقًا في معتقله.
واستمرت سياسة التصفيات السياسية لتبلغ ذروتها بعد أكثر من عقد، في أحداث 13 يناير 1986، حين اندلع صراع دموي داخل الحزب الاشتراكي اليمني، خلّف آلاف القتلى، ومهّد لنهاية الدولة الجنوبية لاحقًا، مع قيام الوحدة اليمنية في 1990.
من بين الضحايا الذين لاتزال ذكراهم حاضرة في الوجدان، الشهيد عبدالباري قاسم، الذي التقطت له صورة شهيرة مع أطفاله معن، ولؤي، وخلدون، في مطار مقديشو، أثناء استقبال الوزير الفقيد عبدالعزيز عبدالولي. لحظة إنسانية اختزلت حجم الفقد، وجسّدت مأساة جيلٍ لم يُمهَل لاستكمال مشروعه الوطني.
اليوم، وبعد مرور أكثر من خمسة عقود، لاتزال حادثة "الطائرة الدبلوماسية" صفحة مظلمة في تاريخ اليمن، لم يُسلَّط عليها الضوء الكافي، ولم تُنصف فيها الأسر، ولا كُشفت الحقيقة. تبقى الحقيقة غائبة، والسؤال معلقًا: هل ستُفتح ملفات الماضي يومًا، أم أن أرواح الضحايا ستظل معلقة في سماء النسيان؟