زمن الرماد

لم يكن يدري.. أو يدري أن الزمان يسرقه، أو هو من يسرق الزمن، الزمن يتعطف في دورته، لا يأبه لأنه خارج "إطار التحديد"، ربما يكون تكرارًا مملًا للشروق والغروب، لتبدُّل الفصول طوال العام، ويتبعه عام آخر. وهكذا يكرر نفسه الحسبة، هو الزمن بسيره وصيرورته لا يخدع أحدًا، نقيس عبره التوقيت لقضاء الحاجة والطموح، نتغير عبر سيرورته، وإن كان يبدو لنا أنه وجه واحد يدور في أسطوانة دائرية من بداية النقطة حتى آخر الدائرة، لكن أحدًا منا لا يعرف بالضبط وبالتأكيد أين نقطة البداية، وأين نقطة النهاية.
نتشاور ونحن على حافة الانتهاء، وتساؤلنا تساؤل الأطفال من سرق من؟ أنحن أم الزمن؟!
نحدق جيدًا في وجوهنا المتغضنة، كل منا يسائل نفسه خفية، وكان الآخرين الذين بجانبنا أيضًا لا يسائلون أنفسهم.

ونحن نتساقط من شرفة الحافة الزمنية.. يظل السؤال واقفًا أمامنا: من سرق الزمن؟! هل هو أم نحن؟!
ولا ندري بالتأكيد.. أو ندري.. أننا أمام المصير الحتمي، ذلك السقوط المدوِّي، ويصلنا صوت السقوط، وآخر أصدائه، وكأن ذلك الصدى لا تسمعه الآذان، لأن أصحابها ماتوا. واستمر الزمن يجري كعادته، ولكن بدوننا، لأننا تحللنا في عالم الموت والخراب والعدم، ولم يعد هناك ذلك السؤال: من سرق من؟ نحن أم الزمن؟!

يصبح السؤال حينها معلقًا في الفضاء، يذوب ويتحلل في الضباب، ويتساقط من السحب الرمادية رماد!