مكامن القصور في السلك الدبلوماسي اليمني وطرق الحل (1-2)

يطيب لي أن أستعرض مواطن الخلل في السلك الدبلوماسي اليمني بعد أن تجاوزت حدًا لا يستهان به، مما يستوجب القيام بإصلاحات شاملة وعاجلة لأهم مؤسسة معنية بعلاقات بلادنا مع بلدان العالم.

حقًا، إن جل ما ورد في القانون الدبلوماسي للأسف عبارة عن حبر على ورق.. مع العلم أن القانون صورة طبق الأصل لقوانين بلدان أخرى مثل مصر، والأردن، وسلطنة عمان، والجزائر... الخ، بل منقول منها.

ومن الجدير بالذكر، أن الإخلالات قد بدأت في الظهور بديوان عام وزارة الخارجية منذ نهاية العقد الثامن من القرن الماضي، وازدادت خلال التسعينيات إلى أن بلغت الذروة في العقد الأول من الألفية الثالثة، وبالتالي انحدر السلك الدبلوماسي اليمني إلى الهاوية.

وتعهدتُ بأن أنجز جاهدًا هذا البحث الوجيز، لأسهم بدوري في توضيح مكامن القصور في العمل الدبلوماسي اليمني، وطرق الحل، تأسيسًا على خبرة عمل دامت 35 عامًا في السلك الدبلوماسي، شملت بلدانًا كثيرة ذات ثقافات متعددة، مكنتني من أن أضع النقاط على الحروف في المسائل المهمة لتصويب الإخلالات في الجوانب المختلفة للعمل.

وأرى أن الحل يتضمن أيضًا تطوير مواد القانون بما يتواءم وعالم القرية الكونية.
إن كل ما سأوضحه أدناه عبارة عن غيض من فيض. وغايتي في المقام الأول، أن أجد حلولًا إسعافية وهادفة لانتشال الوضع في ديوان عام وزارة الخارجية وبعثاتها نتيجة لتراكمات فساد خيمت واستشرت على أعمال الوزارة الجليلة.

حقيقة، لا أشاء هنا أن أستعرض الفساد، بقدر ما أقدم حلولًا لتصويب العمل بما يتفق مع قانون السلك الدبلوماسي واللائحة المنظمة ومواكبة التطور في العلاقات الدولية، على النحو الآتي:

1. الالتحاق بالسلك الدبلوماسي:
ويشترط في المتسابقين للسلك الدبلوماسي أن يحوزوا على الشهادات الجامعية في التخصصات التالية:
أولًا: التخصص في "اللغة الإنكليزية"، وإجادتها كتابة، ونطقًا، وترجمة، يليها تخصصات بإحدى اللغات الآتية: الفرنسية، الإسبانية، الصينية، الروسية، ويشترط إجادتها كتابة، ونطقًا، وترجمة، إلى جانب الإلمام باللغة الإنكليزية أيضًا، ومن الممكن إجادة لغة الدولة التي يعين فيها الموظف إلى جانب اللغة الإنكليزية، مثل الألمانية واليابانية.

ثانيًا: التخصصات الجامعية في المجالات التالية: إعلام، حقوق، علوم سياسية، اقتصاد وتجارة، تاريخ، اجتماع، جغرافية سياسية، مع إلمام المتسابقين أيضًا باللغة الإنكليزية بجانب كل تخصص، كونها وعاء جميع التخصصات، ومن خلالها يتم تفريغ المعلومات في المحافل الدولية.
ويشترط في جميع المتسابقين إجادة استخدام الحاسوب.

كل هذه التخصصات تكمل بعضها البعض، فلا يوجد تخصص فريد من نوعه، فالامتحانات هي حجر الزاوية وهي المحك في التمييز بين متسابق وآخر.
يقينًا، إن العمل الدبلوماسي ثقافة، وفن، وإيتيكيت، ولغة تخاطب، وأداء، وكفاءة، فالأوطان تبنى بالكفاءات، وهي متوفرة، لكنها مطمورة في بلدنا الحبيب.

2. تشكيل لجنة متخصصة من أساتذة الجامعات في تقديم الأسئلة، والإشراف على الامتحانات التحريرية، والتصحيح دون تدخل من الوزارة.

3. بعد إعلان نتائج الفائزين، يخضعون لامتحان شفوي في الوزارة أمام لجنة متخصصة، يشترط فيها ألا يكون أحد أعضاء اللجنة له علاقة قرابة بأي متسابق.

ويتضمن الامتحان الشفوي معلومات عامة بالتاريخ اليمني، والمنظمات الإقليمية والدولية، وأية معلومات أخرى ذات علاقة بالأوضاع المحلية، والإقليمية، والدولية، فضلًا عن مدى فهم المتسابق في البروتوكول، وقواعد التشريفات، وسرعة البديهة، التي في مجملها صفات يجب أن تكون حاضرة في شخص المتسابق. يتبع ذلك اختيار الأوائل وفقًا لعدد المطلوبين للعمل.
يلي هذه الخطوة الالتحاق بالمعهد الدبلوماسي لمدة عام، ثم يصدر قرار بتسكينهم في السلك الدبلوماسي كملحقين دبلوماسيين يعملون في دائرات، ودوائر الوزارة الأخرى لمدة ثلاثة أو أربعة أعوام، يعقب ذلك ترتيب خروجهم للعمل في البعثات،، ويفضل أيضًا قبول من نجحوا في الامتحانات التحريرية بدرجات عالية، ولم يحالفهم الحظ في المقابلة الشفوية، أن يشغلوا الأماكن الشاغرة في العمل الإداري والمالي بالوزارة، وفي البعثات أيضًا، ومن حق هؤلاء أن يؤهلوا للسلك الدبلوماسي بدورة تدريبية مكثفة لمدة ثلاثة أشهر في المعهد الدبلوماسي، وتقديم دراسة أو بحث في المواد التي درسوها، وتعقد لهم جلسة نقاشية من قبل لجنة متخصصة يعينها معالي الوزير لتحديد نجاح أو فشل الموظف للعمل الدبلوماسي.

4. بالنسبة للملحقين الإعلاميين والعسكريين، والثقافيين، والاقتصاديين، والطبيين،، يجب أن يخضعوا جميعًا لدورات تدريبية إلزامية، ومكثفة لمدة ثلاثة أشهر، في المعهد الدبلوماسي، قبل سفرهم، وتتعلق بشؤون البروتوكول، وقواعد التشريفات، وتزويدهم بمعلومات عامه عن علاقات اليمن بالدول الأخرى، وبخاصة بالدول التي يعينون فيها، باعتبارهم تابعين للسفارة في الجانب المتعلق بالحصانة والامتيازات، وكذا في حال الصعوبات التي قد يواجهونها مع الجهات ذات العلاقة في بلد الاعتماد يجب أن يطلعوا السفير عليها لتقديم مساعدته، وفي حال غيابه نائب السفير. وبالنسبة للمعينين في المنظمات المتخصصة فيتبعون مباشرة لتلك الجهات.

5. على مسؤولي الوزارة التقيد بقانون السلك الدبلوماسي وإجراءاته بعدم ورثنة الوظيفة للأولاد والأقارب والأصهار والمجاملات احتيالًا على القانون، وهي ظاهرة انتشرت خلال الثلاثين سنة الأخيرة حتى هوى السلك الدبلوماسي إلى الحضيض.

6. لا يجوز تعيين زوجة وزوجها بالعمل في سفارة واحدة كموظفين، وإنما يسمح لها أن تكون مرافقة له كربة بيت دون راتب أو أن تعمل في سفارة أخرى وفقًا لدورها إذا كانت موظفة في الخارجية.

7. يجب إعادة النظر في رواتب الموظفين الدبلوماسيين، والإداريين في الخارج، بما يتفق وظروف الغلاء في دول الاعتماد، علمًا أن الخارجية لا تتماشى، في هذا الصدد، مع تلك المتغيرات، أي لا تتم متابعة ما يحدث في النشرات المالية الدولية الصادرة سنويًا. وبالمثل ينطبق ذلك على رواتب الموظفين في الداخل، ومعاشات المتقاعدين غير المناسبة التي لا تواكب غلاء المعيشة.

8. الدخل القنصلي الفائض في "القنصليات العامة" يجب أن يقتطع جزء منه (5 إلى 10٪) لصالح العمل وصيانات المباني، ووفقًا لمستندات صرف، ويودع ما تبقى منه في خزينة القنصلية بعهدة القنصل العام ونائبه والمسؤول المالي، والجزء الآخر (بحدود 90٪) يورد إلى حساب خاص بالوزارة في البنك المركزي اليمني أو أي بنك آخر، بالتنسيق مع الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والشؤون المالية بالوزارة، وبهدف الاستفادة منه في مشتريات مقار للسفارات، ومساكن لرؤساء البعثات وتأثيثها، والاستثمار لصالح السلك الدبلوماسي عمومًا، وهو ما يجري عمله في معظم دول العالم، ومنها الدول العربية. كما يجب أن يستثمر الإيراد القنصلي الإضافي للمعاملات في الشؤون القنصلية بالسفارات رغم ضآلته لصالح نشاط أعضاء السفارات والأمور الطارئة، ومساعدة الموظفين المحليين، ولقاءات موظفي السفارة مع نظرائهم في الخارجية والمؤسسات الأخرى لدى دول الاعتماد ونظرائهم أيضًا في البعثات الأخرى، وكذا في إقامة دعوات للمغتربين، وصيانة مباني البعثات وفقًا لمسندات صرف، وما يتبقى منه يودع في خزانة السفارة بعهدة السفير ونائبه والمسؤول المالي. مع العلم أن هذا الدخل للأسف لا تستفيد منه كثير من البعثات في أنشطتها المختلفة.

9. يجب إرسال الإيراد القنصلي (الرسمي) للمعاملات سواء من القنصليات العامة أو الشؤون القنصلية بالسفارات، إلى الجهة المعنية (وزارة المالية) عبر وزارة الخارجية وفقًا لمستندات الصرف للمعاملات.

10. إن انتقال موظفين من مؤسسات أخرى إلى ديوان عام وزارة الخارجية من خلال الوساطات، والمجاملات، ومنحهم درجات دبلوماسية، فإنه يعتبر مخالفًا لنظام السلك الدبلوماسي، وأحيانًا تأتي أم المخالفات من وزارة الخارجية نفسها بإدخال أبنائهم، وأقاربهم، وأصحابهم. وما يجري، للأسف الشديد، يمكن تسميته "تكفين القانون وتشييعه للمجنة (خزيمة)".

11. على صعيد التعيينات في البعثات، يعين بعض الموظفين كسفراء بدرجات وظيفية أدنى مثلًا بدرجة "مستشار"، وهذا ممكن دوليًا نتيجة لنبوغ أو تفوق هذا الموظف، وبالنسبة لموظف الوزارة في بلادنا يعتبر المعين ليس له علاقة بالنبوغ ولا بالتفوق، وإنما مجاملة، أو مصلحة، أو فرض تعيين، أو سمها ما شئت. علمًا أن لهذا التعيين شروطه، إذا ما تم، أي أن هذا السفير في الحالة اليمنية يبقى سفيرًا في الخارج لفترته المحددة (أربعة أعوام) أو أكثر، ثم يعود، ويفترض تقييمه إلى الدرجة الوظيفية التي تليها أسوة بزملائه في الوزارة، لكنه يذهب سفيرًا ويظل سفيرًا طوال حياته، وهي من الأخطاء الفادحة أيضًا.. وبكل تأكيد، وبالأمانة، تعتبر درجة سفير كبيرة على المعين بنحو عقد من الزمن قانونًا، ومستوى، وتعيينه خرق صارخ للقانون والأعراف الدبلوماسية.

12. بالنسبة لعمل موظفي السلك سواء في ديوان عام وزارة الخارجية أو في البعثات، يكون العمل في العادة لفترة أربع سنوات لكل موظف في البعثة، أو ما بين ثلاث وأربع سنوات في الوزارة -حسب الدور- ويستثنى منه الوزير، ونائب الوزير، لأنه تعيين سياسي.

ومن ناحية أخرى، لا يجوز تعيين الموظف لأية بعثة بالمزاجية، الأمر الذي ابتلينا به منذ أربعة عقود، وإنما تراعى الكفاءة والتخصص، والمكان المناسب، و"شروط الوظيفة".

13. وحول إصدار الجوازات الدبلوماسية، والخاصة، فحدث ولا حرج، وأمر قديم استفحل نتيجة لعوامل فساد متراكمة منذ أكثر من عقدين من الزمن.
ونجد من الصعوبة بمكان تغطية هذه المسألة برمتها في هذه التناولة، وإنما نوجزها بنقاط مهمة، كما يلي:
إن الخطأ ليس من الخارجية بصمتها فحسب، وإنما أيضًا من الضغوط التي تفرض عليها سواء من متنفذين وجلاوزة النظام أو من قبل مؤسسة أو مؤسسات تشرعن لنفسها صرف تلك الجوازات لأعضائها ولأسرهم طول العمر بما لا يتفق مع القانون الدبلوماسي إطلاقًا، وفي هذا السياق، يجب القيام بزيارة رسمية من الإدارة العامة للتخطيط والبحوث، والدائرة القانونية، والإدارة العامة لمكتب الوزير، إلى كل من وزارات الخارجية المصرية، والأردنية، والعمانية، والجزائرية، لأخذ معلومات عن صرف الجوازات الدبلوماسية والخاصة بصورة عامة، لأن حالة الفوضى الممتدة من عقدين بصرف هذه الجوازات أصبحت مشكلة كبرى تعكس سلبياتها أمام بلدان الغير. هكذا بقيت هذه الجوازات مستباحة لكل من يطلبها من خارج ديوان عام وزارة الخارجية.

النتيجة، أن الجوازات اليمنية (الدبلوماسية والخاصة) منذ خمسة أعوام أصبحت في قفص الاتهام، في جميع مطارات الدول، بسبب كثرة حامليها من خارج السلك الدبلوماسي.

قمين بالذكر، أن كثيرًا من المواطنين اليمنيين المسافرين كانوا يعودون من مطارات الدول أو يحتجزون في المطارات على سبيل المثال (مطار القاهرة)، حيث يندر أن تجد لدى الزائرين اليمنيين جوازات سفر رسمية كما يقال (عادية) صادرة من مصلحة الهجرة والجوازات في وزارة الداخلية، ومن كان يحمل هذه الجوازات يمر بأمان، وسلام، بعد تقديم تقاريره الطبية، أو تتجاوز سنه الخمسين عامًا، بالتنسيق بين مصر واليمن، أما الكثير من القادمين يحملون جوازات دبلوماسية وخاصة، ويبقون لساعات طويلة في المطار، بصرف النظر عن مقام الشخصية، حتى تتدخل السفارة محرجة لدى الجهات العليا بالسماح لهم بالدخول بكفالتها، ولو كان في دول أخرى غير "مصر" لما سمحت لهم بالدخول.

الغريب في الأمر، أنه في اليوم التالي، تتعالى الأصوات على السفارة وكأنها المسؤولة عن صرف هذه الجوازات، وهات يا "رديح" في الجرائد، ووسائل التواصل الاجتماعي... الخ.

والسؤال الذي يطرح نفسه، ما ذنب السفارة في كل ما كان يحدث في جمهورية مصر العربية الشقيقة التي تتعاون كثيرًا مع مواطنينا (مليون وخمسمائة ألف مواطن وأكثر) في مثل هذه الأحوال الصعبة؟ ولماذا لا يحاسب من وجه أو أصدر تلك الجوازات خلافًا للقانون؟ فكل ما تبين في "مطار القاهرة" أن حاملي تلك الجوازات يحوزون على صفات خارجة عن إطار قوانين السلك الدبلوماسي المتعارف عليها دوليًا، والبعض الآخر لا صفات لهم تذكر، ومخالفات أخرى كثيرة لا يستحضرني ذكرها هنا.

وبناء عليه، يتعرض حاملوها في المطار لاستجواب الشرطة، والأمن، والتدقيق بكل تلك الجوزات، بصرف النظر عمن يحملها، من منطلق أن "المصيبة تعم".. لحسن الطالع، تم حل تلك المشاكل بالتعاون والتنسيق بين السفارة والجهات المعنية في مصر.

حقيقة، إن الدبلوماسيين وأولادهم المنتسبين للخارجية يعاملون حاليًا بيسر، وانسيابية في منافذ مصر الحدودية، وهناك دول قليلة جدًا لا تتجاوز الأربع أو الخمس دول تربطنا بها اتفاقيات متبادلة لدخول حاملي الجوزات الدبلوماسية والخاصة (بدون تأشيرات)، باستثناء دولة أو دولتين حظرتا ذلك.

ولمزيد من الإيضاح، إن كثيرًا من المواطنين منحوا جوازات دبلوماسية وخاصة، وليس لهم علاقة بالسلك الدبلوماسي، وبدون صفات، أو صفات خارجة عن الأصول المرعية، مثلًا شيخ وابن شيخ... الخ. وآخرين ابن فلان أو علان في مؤسسات عليا. إذن، لماذا لا نتعلم كمسؤولين أن ننفذ القوانين حتى تقدرنا دول العالم؟
ونود أن يحظى هذا الجانب باهتمام الوزارة الجليلة في إعادة الاعتبار للجوازين الدبلوماسي والخاص بأقرب فرصة متاحة.
14. يتم فرض موظفين على الوزارة الجليلة من بعض الجهات أو من خلال الواسطة، دون مراعاة للقانون الدبلوماسي ولوائحه من ناحية، ومنهم من يبقى لخمس سنوات أو أقل، ويرشح سفيرًا خارج الأطر القانونية المتعارف عليها.

ومما يزيد الطين بلة، يترك لبعض السفراء الحبل على الغارب، يتنقلون من بلدان اعتمادهم كيفما يشاؤون، ثم ينقلون إلى سفارات أخرى مباشرة دون العودة إلى الداخل، وبتجاوز فترة تعيينهم المقررة في السلك، ويحدث ذلك أمام صمت مطبق للوزارة التي تستثمر بدورها هذا الوضع المخالف لصالحها في ترشيحات وتعيينات خاصة.

وعلى كل حال، تتحمل الوزارة المسؤولية بسبب ترشيحها أيضًا لسفراء دون مراعاة لزملائهم الأكثر مراسًا، وخبرة في عمل السلك.
15. الأمر المخالف الآخر هو ترشيح موظفين في الشؤون المالية والإدارية كسفراء أو دبلوماسيين في الخارج، دون أن يعملوا إطلاقا في دوائر سياسية طيلة عملهم في الخارجية، والبعثات، وبما لا يقل عن ثماني سنوات، فلا يوجد في العالم سفراء ماليون، وإداريون يقدمون أوراق اعتمادهم لرؤساء دول أخرى إلا في بلادنا الحبيبة، لذلك يرجى إعادة النظر في هذه المسألة، وبما يتفق والعمل الدبلوماسي.

16. يشترط في التمثيل غير المقيم، أن يتم من دول الاعتماد إلى الدول المعتمدة في النطاق الجغرافي الأكثر قربًا، وهناك حالات استثنائية، وأفضل مثال على ذلك دولة "موريشيوس" في المحيط الهندي، فهي أقرب إلى دول آسيوية، لكن نطاقها الدبلوماسي، والسياسي في القارة الإفريقية، كونها عضوًا في الاتحاد الإفريقي، وكذا عضوًا في منظمات إقليمية، ودولية مركزها إثيوبيا (وتمثيلها الدبلوماسي المقيم أيضا في أديس أبابا)، ناهيك عن أن "موريشيوس" دولة مؤسسة لمجموعة التعاون للدول المطلة على حوض المحيط الهندي، وهي المجموعة التي تشكل فيها اليمن أحد الأعضاء المؤسسين، وإزاء تلك العوامل مجتمعة، فإن اعتماد التمثيل الدبلوماسي غير المقيم لبلادنا مع "موريشيوس" من سفارتنا في أديس أبابا، هو الأنسب للعوامل المذكورة.

17. لا يصح تمثيل المندوبين الدائمين في المنظمات الدولية، والإقليمية، لدى بلدان أخرى، كتمثيل غير مقيم، ويفضل تفعيل دور اليمن في تلك المنظمات الإقليمية والدولية أساسًا.

18. لا يجوز لبعثة أن تعتمد في التمثيل غير المقيم لدولة خارج نطاقها الجغرافي، والثقافي، إلا في حالة استثنائية (نادرة)، على سبيل المثال: "البرازيل" و"الأرجنتين" تقعان في أميركا اللاتينية أو جنوب أميركا، ولغتاهما البرتغالية، والإسبانية، لذلك، فإنه بالإمكان اعتماد سفارتنا في "كوبا" للتمثيل غير المقيم لدى "البرازيل"، و"الأرجنتين"، وذلك لعامل المحيط الجغرافي اللاتيني، واللغة، والثقافة.

قمين ذكره، أن تمثيل بلادنا غير المقيم لهاتين الدولتين، بل ودول لاتينية أخرى، تقام حاليًا من بعثتنا الدائمة في "نيويورك"، ومن سفارتنا في "واشنطن"، الأمر الذي لا يتسق مع أصول التمثيل.

وهناك حالة نادرة وجائزة (استثنائيًا)، وهي تمثيل بلادنا غير المقيم من "واشنطن" لدى "الولايات المتحدة المكسيكية"، نظرًا لعامل الجوار مع دولة الاعتماد، والأهم هو التداخل الجغرافي والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك.

جوهر القول، إن السلك الدبلوماسي ليس استجمامًا، وسياحة، وتحسين أوضاع مالية، وإنما علاقات دولة بدولة يفترض أن يكون التمثيل لائقًا، ومناسبًا.

19. لا يصلح انتقال سفراء من مقار أعمالهم إلى دول أخرى يوجد فيها سفراء معتمدون (مقيمون) لبلادنا، وذلك لحضور اجتماعات، تحت ذريعة أن الاجتماعات تتعلق بالشأن اليمني، وبرئاسة الدول المعتمدين فيها، ولا يصلح أيضًا مغادرة سفراء مقار أعمالهم -تحت أي مبرر- لحضور فعاليات إقليمية، وقارية لا تتعلق من قريب أو بعيد بشؤون العلاقات الثنائية مع بلادنا، أو حتى في حال أن السفير معتمد غير مقيم لديها، فلا يحق له الحضور أيضًا، نظرًا لأن تلك الفعاليات، والاجتماعات تتعلق بتلك الدول وعلاقاتها بين بعضها البعض في النطاق الجغرافي.. والنظام المتبع والأفضل في هذا الشأن، أن ينتظر سفير بلادنا عودة من حضروا من سفراء الدول المشاركة، ويطلب من أحدهم أن يوافيه بنسخ من أدبيات تلك الاجتماعات، علمًا أن بلادنا تتسلم عادة تلك الأدبيات مباشرة عن طريق بعثات تلك البلدان التي تربطنا بها علاقات دبلوماسية غير معتمدة، والغرض هو الاستفادة، ومعرفة مدى طرح تلك الدول للقضايا العربية، والشؤون الأخرى عمومًا.
20. من الممكن (كمشروع مستقبلي غاية في الأهمية) يراعى بموجبه فتح سفارتين أو مفوضتين في كل من "البرازيل" و"الأرجنتين" أو "فنزويلا"، يمثلان جميع الدول اللاتينية، في جنوب القارة الأميركية، تكونان رافدتين لبعثتنا في "كوبا"، ومثلهما سفارتان أو مفوضيتان في كل من الدول الإسكندنافية في "ستوكهولم -السويد" أو "كوبنهاغن -الدانمارك"، وسفارة أو مفوضية في إحدى دول وسط آسيا المستقلة عن الاتحاد السوفييتي السابق، إما في "أوزباكستان" أو "كازاخستان"، تمثل جميع الدول المستقلة في المنطقة، فضلًا عن قنصليتين عامتين في "الصين" في كل من "هونغ كونغ" و"غوانزو"، ويتم تعيين موظفين اثنين في كل سفارة أو مفوضية، أحدهما بدرجة سفير كقائم بالأعمال بالأصالة، والآخر في الشؤون المالية والإدارية، وكذا بالمثل بالنسبة للقنصليتين (قنصل عام بدرجة سفير أو زير مفوض، ومسؤول مالي وإداري).

21. يجب توفير التأمين الصحي للموظفين في الداخل، والخارج وتوخي الدقة، والحرص في التوزيع المناسب للبعثات في المناطق المختلفة، وإيلاء أهمية، في هذا الخصوص، لموظفي الوزارة في الداخل أيضًا.

22. من الملاحظ، أن القانون الدبلوماسي منح الحق لرئيس الجمهورية في ترشيح سفراء من خارج السلك الدبلوماسي لا تتجاوز نسبته الـ25٪ تقريبًا، وبطريقة مباشرة من الرئاسة، وحكمهم يندرج في إطار ما تسمى حصة (كوتا) الرئاسة، على أن تقابل هذه الخطوة من قبل وزارة الخارجية بتعيين نائب للسفير من الوزارة، يكون على قدر كبير من الكفاءة، والأداء للتعاون، والتنسيق مع السفير لتسيير منظومة عمل السفارة متعددة الجوانب، يكون في الغالب بدرجة سفير أو وزير مفوض.

وأما بقية النسبة (70٪ إلى 75٪) من السفراء يرشحون من عدة جهات ليس لها علاقات بالترشيح، وإنما بالوساطة، كما أن لجنة السلك الدبلوماسي في الخارجية لها نصيب في الترشيح، ويفترض بمن يرشحون أن تتوفر فيهم الكفاءة، وحسن الأداء، شريطة أن يكون المرشح تدرج في سلم الوظيفة الدبلوماسية 20 عامًا -حسب القانون الدبلوماسي- وليس اختيار سفراء بتكفين القانون، واللوائح التنظيمية، والاستهتار بحقوق موظفي الوزارة الآخرين.

للأسف، ما يحدث غالبًا هو ترشيح سفراء لم يعملوا في السلك أكثر من 8 سنوات، كمجاملة وبمبررات واهية لا تخدم العمل الدبلوماسي. ويعزى ذلك لعوامل فساد ناشئة عن تدخلات متنفذين، وفرضها على الوزارة التي لم تكن هي الأخرى بريئة في ترشيحات مماثلة، مما ضرب الوزارة والعمل في مقتل، وجعل من العمل نزهة، واستلام رواتب، وتقديم خدمات خاصة... الخ.
23. كل ما في الأمر، أن أكثر من 60٪ من موظفي السلك لا يعملون، ولا يفقهون أصول العمل الدبلوماسي. ويفترض أن تعاد مراجعة الملفات، فمن كان دخوله مشروعًا بموجب قانون السلك، فليستمر، ومن يستحق أن يؤهل فليكن، وذلك بمنحه فرصة وفقًا للإجراءات المتبعة لموظفي السلك.

24. إن تقديرنا الموضوعي لنسبة الموظفين الدبلوماسيين من ذوي الكفاءة لا يتجاوزون الـ40٪ من إجمالي موظفي الكادر الدبلوماسي في الوزارة الجليلة وبعثاتها، وهي نسبة ضئيلة في عمل وزارة تمثل واجهة البلاد أمام بلدان العالم.. حبذا أن ترتفع هذه النسبة إلى 65٪ في غضون ثلاث سنوات على الأكثر في حال توفرت الرغبة، والإرادة، والتصميم في معالجة القصور في العمل الدبلوماسي صوب الهدف المنشود.

آملًا أن تحظى الحلول المقدمة باهتمام وزارة الخارجية الجليلة والمؤسسات الأخرى ذات الصلة بتعيينات وترشيحات وانتدابات الموظفين في البعثات، والملحقيات، والمنظمات المتخصصة، وذلك لترقية العمل الدبلوماسي اليمني بما يتواكب مع التطورات الحديثة في العالم... والله ولي التوفيق.