ومضى قطار الحل

نعم هكذا نأمل... أن يمضي قطار الحل ضمن قضبان سكته دونما اعوجاج أو انحراف، حتى لا يجابه باضطرابات غير متوقعة نتيجة إما القراءة الخطأ لمشروع الاتفاق أو تعمد طرف أو أطراف وضع العصا على دولاب الحل، كما نأمل ألا يصاب بسكتة قلبية جراء إهمال متعمد أو تدخل خاطئ من مشارط ومعاول جراحي المشاريع السياسية، وهم كثر، على المستويين الداخلي والجوار الإقليمي والدولي المضطربة أحواله.

نريد أن تتوافر سبل النجاح لمشروع الاتفاق، تنهي الحرب وتخرج اليمن إلى واحة السلام، ولكن ليس تحت أي عناوين باهتة تلغي تاريخًا، وتؤسس لجيوسياسي مضطرب لا يمت بصلة لنضالات وأثمان ودماء سالت من الجسد الوطني.

حقًا، ذلك ما نأمله ويأمله الكثيرون ممن طحنتهم الحرب وأذاقتهم ويلاتها... إذن لنقف أولًا على المعطيات وفق فقرات البيان الصادر عن المبعوث الأممي، بيان لا لبس ولا غموض فيه. وأعتقد أن الكل أو أغلبه قد قرأه واطلع عليه، وهنا نخشى من تباين القراءات بين مرحب ومعارض، مع ذلك أمر مرحب به إن كان يعتمد نهج القراءة والمنظار الذي به يقرأ كل طرف مفردات المشروع وفق أي منهج يعتمده ويعتقده القارئ، وذاك أمر سنبينه، كما سنبين أسس مناهج القراءات. ما ينبغي هنا التأكيد والحرص عليه هو مقدار الجهد الصادق في القراءة، مع الإدراك مسبقًا أن الجهد السياسي الداعم أو المعارض لمشروع الاتفاق، إنما هو تعبير عن تباين المصالح وتعارض مساراتها، ولكن اعتمادًا على نص البيان، كما تضمن البيان، هناك تأكيد على التزام كافة الأطراف التي يهمها أمره واطلعت ووافقت عليه، ضرورة الالتزام بنفاذه ونفاذ مضمونه، ومن ثم باتت مطالبة بإنجاح مراحله دونما تسويف أو مخاتلة.
ينبغي علينا التأكيد على أهمية إدراك ما بين القوى التي وافقت على المشروع، والتي أشرنا إليها وإلى ما بينها من تعارضات بنيوية، بل تباينات جوهرية ليست ذات طابع ثانوي، ولكن ذات طابع جوهري. هنا نحب التأكيد على ما يلي:
أ. أن القوى الدولية التي هيمنت على مشهد أزمة البلاد منذ بدايتها، أقصد الرباعية الدولية، وأساسًا الولايات المتحدة وبريطانيا، لا بد من قراءة وفهم حساباتهما، بخاصة مع تطورات حرب غزة، وتصعيد عسكرة البحر الأحمر، من قبلهما أساسًا، ومراميهما بهذا الصدد، وما يتطاير من إشارات تغامز كل من إيران وأنصار الله.
ب. دور المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، راعيتي التحالف، منذ تأسس وانطلق حتى الوصول إلى نقطة بدأت معها رياح عاصفة تنذر بعواصف تكاد تعصف بسفينة أساس التحالف جراء تباين المصالح، وما جرى من كليهما على الأرض من استزراع نقاط تعارضات جوهرية بعضها ذات طابع استراتيجي.
ج. دور إيران وتمدد تأثيرها عبر دعم حليفها أنصار الله، وكيف يقرأ ذلك سياسيًا ومستقبلًا من جميع الأطراف الإقليمية والدولية، ذلك الأمر يرافقه أيضًا دور معتبر.
د. دور سلطنة عمان المحوري بين تجاذبات إقليمية ودولية شتى، لكن جميع الأطراف رمت لها بحبل الثقة كي تلعب هذا الدور الجوهري لإنجاز هذا مشروع، هذا التوافق والبيان، إنجازًا سيظل محاطًا بمتابعة لن تحيد عن توجيه الدفة وفق منظورات تحقق مصالح كافة الأطراف ممن كونوا ومرحلوا ومولوا أزمة بلادنا طيلة السنوات الماضية... ولن تحيد بالتأكيد عن جدل مصالح كل الأطراف. وهنا لنا القول الجازم بأن أية قراءات على حساب مشروعنا الوطني وعناوينه التاريخية والمستقبلية، لن تنجح.
هنا نأتي إلى بيت القصيد... أقصد كيف نفهم ونتعامل مع متغيرات شكلت اختراقًا وتجاوزًا لثابت رافق مسيرة الأزمة، فمن كان حليفًا بالأمس بات وسيطًا ينأى بنفسه عن رمال تورط بها. ومن كان ينظر إليه تمردًا بات شرعيًا يتم الاحتفاء به واستقباله كطرف يتم التفاوض معه، بل بات يرفض ويشير إلى ما ينبغي... ذلك يجرنا للحديث عن طرف الشرعية اليمنية التي تأسس تحت عنوانها التحالف العربي والدعم الدولي له، وصدرت تحت اسمه وعبر مجلس الأمن قرارات الشرعية الدولية، وبضمنها قرار إدراج اليمن تحت ويلات الفصل السابع.
نقول إن تحالف الشرعية بات بموقف صعب تنهشه الخلافات الحادة، وقد جرت تحت قارب التحالف وجسوره مياه كثيرة غيرت جوهره، وطبعته بطوابع ابتعدت به كثيرًا عن جوهر انطلاقه، بخاصة مع ما بات يعصف بقارب سفينته، أي سفينة المجلس الرئاسي، من خلافات ترقى أغلبها لدرجة التناقضات الجوهرية... ولنا هنا أن نسأل كما ورد في بيان ممثل الأمم المتحدة اليمن، وهي الطرف الضعيف الذي أضعفوا دوره عمدًا... البيان يشير إلي حضور كل من الأخ الدكتور العليمي، رئيس المجلس الرئاسي، أي حضوره يمثل جل المجلس، مع حضور ممثل أنصار الله، وأن هذه المشاركة شكلت أرضية لصدور البيان الصادر عن المبعوث الأممي... هنا يحدونا أمل للقول بأن ما صدر من تباين قبل وبعد صدور مشروع البيان، بخاصة ما صدر عن المجلس الانتقالي، وهل فعلًا كان شريكًا في الإسهام الفاعل الذي أدى لهذا التوافق على البيان الصادر عن مبعوث الأمم المتحدة لبلادنا. نسأل ذلك ضمانًا لعدم حدوث أية انتكاسة هنا أو هناك، ونحن في المهد....هنا لنا فضيلة أن نتوقف برهة مع الزمن كي نعيد التأكيد على عناوين ذات بعد استراتيجي، تأكيدًا على أن للحضور الجمعي الوطني دوره، وهو بالتأكيد مع هذا التطور التاريخي، وداعم له، فقط يأمل بجد ألا يذهب مع الريح... لذا نعيد تأكيد القول:
أولًا: كافة القوى والأطياف الوطنية أو هكذا نأمل تدعم توجهًا كهذا، أو لنقل ذلك هو المأمول، لأن البديل سيكون أسوأ مما كان، ومما يتوقعه كل طرف عانى من الويلات ما يكفي، ويكفي ما عاناه الوطن كله.
ثانيًا: نود الإشارة هنا وبلغة السياسة وميادينها وحياضها المليئة بالثعابين، لأن من يدخل معترك السياسة، إنما يبحث عن سلطة والسلطة في جوهرها كما تقول شيطنة السياسة، إنما هي عبارة عن فاعل واحد يكون في موقع يملي إرادته على المحيط، لأنه بات صاحب مورد، وصاحب الموارد يتحكم في من يتبعه، ومن يريد أن يستظل بمنافعه، فمن يمتلك مورد الماء يمكنه إماتتك عطشًا في أية لحظة. تلك هي الصورة التي سيجد بها أطراف التحالف اليمنيون أنفسهم نهاية المطاف مع قوتي التحالف العربي حين تحين لحظة فرض الإرادات، حيث إرادة من يدفع ويمول أقوى، وذلك أمر على أطراف التحالف المحليين إدراكه وأهمية استيعابه، فشركاء تحالف الشرعية ليسوا أنبوب نفط سائب، إنهم قوة ضغط تستخدم عند الحاجة والضرورة.
نفس الأمر والمفهوم ينسحب على أنصار الله وعلاقتهم بإيران، فحين تحين لحظة تباين المصالح تبرز المخالب... وحين تفرج أمريكا عن الملايين للحرس الثوري، ليس حبًا بعيون دليلة الفارسية، إن مآربها أخبث وألعن من ذلك، حماية إسرائيل أولًا، وثانيًا كل شيء قابل للمساومة، بخاصة مع تقدم معاول الحضور الصيني الروسي لمنطقة غرب آسيا، بعد ترك أمريكا ملعبها في أفغانستان. والحليم تكفيه الإشارة.
أخيرًا، نأتي إلى نهج يتعلق كما أشرنا بداية لمناهج القراءات المتبع من تتبع هذا الطرف أو ذاك لمشروع الأمم المتحدة... هنا نشير إلى نهج أشار إليه الكاتب الجزائري نصر الدين شنوف، بمجلة "أدب ونقد" المصرية، عدد أغسطس 2017، تحت عنوان "العقل والتأويل وتجلياته عند المفكر المصري الراحل علي حرب"، حيث يشير إلى ثلاثة مناهج في القراءة هي:
منهج التفسير عند السلف.
منهج التأويل عند دكتور حامد أبو نصر.
منهج التفكيك عند الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا.
لن ندخل في جدل هكذا قراءات، فلذلك متسع آخر بوقت لاحق، لكن ما يهمنا أن يمارس القارئ حقه وفق أي منهج يختاره، لا يغالط به نفسه، ولا يتعنت واقعًا يتطلب عقلًا يسهم بتواضع... نعم لا يتعالى... ولكن لا يبرح التحليق عمقًا بأعماق الحقيقة جذورًا وتعقيدات، وتحليقًا في سماء أحلام لا تحققها الشطحات ولا إسالة الدماء خارج مشاركة حقيقية للعقل والقوى المجتمعية الحية التي لم تلوث بداء وجرائم الحرب ومداميك رحلة صراعاتها التي أطالت الأزمة وعقدتها على الأرض.
نريد الإبحار بعيدًا للولوج لمساحة خالية من العادات السياسية تسمح بالنفاذ إلى رحاب مصالحة وطنية يمنية حقيقية، ليست كتلك التي تمت عام 1970، حيث الظروف غير الظروف، وعالم اليوم غير عالم الأمس، شمال الأمس غير شمال اليوم، و جنوب اليوم غير جنوب الأمس... لا بد من حضور شمال وطني قادر، وجنوب يكون قادرًا ومقررًا خارج إطار الاستعلاء... وشمالًا يخرج من عباءات الفرض وعنجهية القوة... نريد دولة مواطنة وحقوق متساوية، وأساليب حكم تبتعد عن لغة الهيمنة والفرص بالقوة تقود لتشظي البلاد طائفيًا ومذهبيًا ومناطقيًا، خشية المزيد من الانقسامات التي لا تقود -لا سمح الله- إلا للانفصال... ليصبح العنوان الذي تجري تحت مشاريعه إسالة الدماء والشرذمة والعداوات بين أبناء الوطن الواحد.
ذلك ما نرفضه ولا نريده مطلقًا.
كيف يكون ذلك... ذلك على أسلوب التعامل مع ما تضمنه مشروع بيان الأمم المتحدة، الذي نأمل أن نعبر معه جميعًا شاطئ الأمان... ذلك ما نأمل ونتمنى.