صوتت الأغلبية لفقرات من مواد المشروع تنسجم مع مطالب المعارضة، ورفع اعضاء في المشترك أيديهم لنصوص ترفضها أحزابهم بشدة.. النواب يتصرفون على هواهم

صوتت الأغلبية لفقرات من مواد المشروع تنسجم مع مطالب المعارضة، ورفع اعضاء في المشترك أيديهم لنصوص ترفضها أحزابهم بشدة.. النواب يتصرفون على هواهم - علي الضبيبي

تهيأت قاعة البرلمان لضيوفها صباح أمس واستقبلتهم ببخور العودة.
كُيّفت بالكنديشان، وتعطرت وكانت رائحتها تفوح إلى الخارج. وفي التاسعة والنصف فتحت القاعة صدرها وأبوابها للضيوف الذين شرفوها بالحضور بما فيه الكفاية. لقد تقاطرت إليها وجوه جديدة وجاءت كائنات بشرية ليست مألوفة.
وعلى خلاف المعارضة، حشد المؤتمر أعضاء كتلته إلى هذه الجلسة بشكل واضح، أما المعارضة، التي اكدت رفضها لمشروع التعديل يوم السبت، فلم يحضر من أعضائها سوى النصف تقريباً - وبدا واضحاً غياب نواب الإشتراكي والناصري.
في العاشرة والنصف بدأ النقاش، وطلب نائب رئيس المجلس من رئيس اللجنة المختصة أن يقف ويأتي إلى منصة الإلقاء ليستقبل مقترحات القاعة ويقرأها للمجلس. وكانت المقترحات تقدم في الورق وتتساقط عليه كأوراق الخريف. كانت كثيرة جداً وكانت الزحمة حوله أكثر.
كان الجانب الحكومي حاضراً: وزير الادارة المحلية ووزير الشؤون القانونية على رأس الصف الأمامي.
وعلى الرغم من أن الجلسة أخذت وقتاً طويلاً، وامتدت إلى العصر، إلاَّ أن رئيسها لم يكن حكيماً بما ينبغي في بدايتها. لقد استُهل النقاش بإغضاب عبدالعزيز جباري وقطع «الميك» عنه.
وبعد نصف ساعة أغضب ياسر العواضي وغادر احتجاجاً على أسلوب إدارة الجلسة.
في البداية كان «حمير» صارماً في تنظيم الكلام وتحديد مسار المداخلات. وكان يقطع الحديث على البعض بصورة متكررة. لكن الأمر تغير من بعد 12 ظهراً، فقد أبدا قدراً كبيراً من المرونة وحاول أن يفتح صدره وأذنه لجميع المتحدثين.
المعارضة كانت مشدودة، في بداية الأمر، وكانت مداخلات اعضائها ومقترحاتهم بدأت تنسف بعض مواد وفقرات المشروع من حيث المبدأ. وفي المقابل لم يكن لدى أعضاء الحزب الحاكم ما يجمعهم. لقد اعتادوا في مثل هذه الجلسات على السباحة بعد سلطان البركاني. وهو لم يكن موجوداً في هذه الجلسة. لكن لقد كان نائبه حاضراً ومستعداً للنقاش والرد منذ أول مقترح.
ياسر العواضي جالس كالعادة في أقصى يسار القاعة. وكان يرقب رؤوساً كثيرة وهي منكبة على الورق تكتب ملاحظاتها ولا تلتفت. ولقد حاول أن يتخفف من الدردشة الجانبية، وأخرج دفتره الصغير من الجيب وأخذ يراجع النقاط التي كتبها ليلة أمس.
على ما يبدو كان جاهزاً لمنازلة المعارضة، وكان قد رسم خطته على الورق بعناية. ومن كلامه في أول الجلسة، وتعقيبه على النائب المؤتمري عبده بشر اتضح ايضاً أن ياسر قد قرأ مواد الدستور بتمعن، وراجعها أيضاً.
لكن لم يكن الإفتراق شاسعاً بين المؤتمر والمعارضة كما كان متوقعاً. لقد كانت الجلسة مختلفة تماماً. وفي ذروة النقاش كانت المقترحات تتشظى داخل الكتلة الواحدة وتتصادم
ولئن كانت السياسة لم تحضر في جلسة الأمس بنسبة كبيرة، فذلك لا يعني أن المصلحة الوطنية حلت مكانها. لقد عبَّر كثير من الأعضاء وفي مختلف الكتل عن قناعاتهم بصفة مستقلة عن الأحزاب، وقالوها بوضوح وبشجاعة أيضاً.
وبدا نواب  من المؤتمر متفاهمين مع  زملائهم في المعارضة، والعكس. وكان الاختلاف داخل كتلة الحزب الواحد بائناً بلا استثناء. فقد صوتت الغالبية لفقرات من مواد المشروع تنسجم ومطالب المعارضة. وصوَّت نواب من المشترك لنصوص ترفضها أحزابهم بشدة.
لم يبقى في كتلة المشترك على موقفه المبدئي الرافض لمشروع التعديل سوى محمد الحاج الصالحي. أما البقية فقد شرعوا يكتبون مقترحات تحسينية على مواد وفقرات المشروع. لقد أصبحوا مرنين جداً مع مرور الوقت واحتدام النقاش، لدرجة أن الناطق الرسمي باسم كتلة حزب الاصلاح منصور الزنداني تماهى مع بعض الفقرات وتطابق معها بشكل ملفت. وكانت يده ترتفع مع أيادي الأغلبية، لأكثر من مرة. بل وحتى كان يقف معهم أثناء التصويت ويدعو إلى ذلك.
وفي المقابل ارتفعت أيادٍ مؤتمرية تساند أيادي المعارضة وتصوت معها. وعبَّر عدد من أعضاء الحزب الحاكم عن رفضهم الشديد لبعض فقرات المشروع. فقد أفصح النائب المؤتمري علي اللهبي عن موقفه بوضوح في مسألة منح رئيس الجمهورية صلاحية إقالة المحافظ، وقال إنه مع أن تكون الإقالة بيد الهيئة الناخبة فقط.
وعلى النقيض من موقفه يوم السبت بدا منصور الزنداني مختلفاً يوم أمس. قال إنه مع الفقرة (ج)  من المادة 38 كما جاءت في اللجنة.
وهذه الفقرة تمنح الحق في الترشيح لمنصب المحافظ لكل يمني، حتى ولو كان من خارج المحافظة. وقد اعترضت عليها كتلة الاصلاح مشترطة أن يكون مسجلاً في كشوفات الناخبين في المحافظة، ووافقهم نواب من كتلة الحزب الحاكم.
وعندما خضع الأمر للتصويت عليها حاز رأي الآخرين على الأغلبية: 70 صوتاً مقابل 57. وقد استغرب عبدالقادر علي هلال هذه النتيجة وطلب من رئيس الجلسة وأعضاء المجلس الاستدراك والتراجع، فلم يتراجعوا.
وإذ اعترض نائب رئيس البرلمان السابق جعفر باصالح على شرط الخبرة 10 سنوات لطالبي الترشيح قائلاً: «هذا شرط غير موفق»، وقف منصور الزنداني معترضاً عليه رغماً عن رأي المعارضة التي تساند جعفر. وطلب الزنداني بقاء المادة كما هي «كما جاءت من اللجنة».
لقد غابت الحزبية عن هذه الجلسة كما غاب عنها رؤساء الكتل. وبدا الاعتراض على المشروع واضحاً من داخل الحزب الحاكم نفسه.
اختلف ياسر العواضي -قبل أن يخرج- مع نبيل باشا. وكان الأخير يدعم موقف جعفر باصالح ويقف على الضد من رأي نائب رئيس كتلته.
وداخل كتلة الإصلاح نفسها تقاطعت أصوات نواب ببعضهم. فإذ يقف عبدالرزاق الهجري وبقوة ضد صلاحية رئيس الجمهورية في إقالة المحافظ، رفع شوقي القاضي يده وبدا مرناً إلى حد كبير أمام هذه الفقرة.
قال شوقي: لا بأس أن يكون للرئيس صلاحيات في الإقالة «لكن يجب أن يكون هناك ضوابط ومحددات». وكان قبلها ومن جواره نائب رئيس كتلة الإصلاح زيد الشامي يطالب بحذف هذه الفقرة وبأن تنشأ مجالس تأديبية «يكون بيدها التأديب والإقالة» أو يكون ذلك من صلاحيات المحكمة.
إجمالاً: تركز النقاش يوم أمس على رأس المادة 38 بكل فقراتها. ويبدو من التصويت على المقترحات أن غالبية الأصوات صُبت في صالح تعديلات مهمة على نص مشروع المادة المقدم. ولقد حاول الوزيران أن يدافعا عن المشروع قدر الاستطاعة وأن يخففا عنه وطأة الهجوم، لكن لم تكن الأجواء مواتية. لقد غلبت الدوشة على الهدوء لدرجة أن الصحفيين لم يعودوا قادرين على التفريق بين صوت معارض وآخر مؤيد.
بالنسبة للمستقلين فقد كان رأيهم غائباً. لم يشارك ناصر عرمان في نقاش هذا المشروع. لقد مكث في مقعده الدائم بجوار محمد الخادم الوجيه حتى الظهر وغادر دون ضجيج.
بالنسبة لصخر الوجيه فقد خلع «كوته» وشمر عن ساعديه، وأخذ يطلب النقاش المرة تلو الأخرى.
وقدم صخر مقترحات تعديل عدد من الفقرات وحاز بعضها على غالبية الأصوات. لقد كان يعرض مقترحه بذكاء، وكانت قدرته ة على استمالة الآراء نحوه.
وأخذت الفقرة (و) من المادة 38 حظاً وافراً من النقاش. القصف كان متركزاً عليها بشكل مكثف، وكان البعض يطالب بحذفها والبعض بتركها. وقد تقدم صخر الوجيه إلى القاعة بمقترح كاد أن يحظى بإجماع لولا الضجة التي أجلت التصويت إلى وقت لاحق.
يقترح صخر الوجيه أن تبقى الفقرة كما هي، وأن يكون من حق الرئيس إقالة المحافظ بشرطين: الأول أن يكون المحافظ قد خرق الدستور. والثاني أن  يكون قد فرط بالسيادة الوطنية. «في هاتين الحالتين فقط يحق للرئيس أن يقيله بقرار جمهوري» قال صخر.
رفعت الجلسة في الثالثة إلا ربع، ولم يكن النواب قد استوفوا حقهم في المداولات. إذ لا تزال المادتان 101 و118 تنتظران المقترحات وما تسفر عنه جلسة الغد. وقد ابدا نائب رئيس المجلس استعداده لتمديد النقاش حتى الأسبوع القادم «إذا لزم الأمر».
سيواصل مجلس النواب اليوم عقد جلساته في هذا الموضوع. ومن المتوقع أن ينتهي المجلس من حسم الموضوع بالتصويت النهائي وسيكون أعضاء المؤتمر أمام اختبار صعب في ظل تشتت الأصوات وتوزعها. هل سيقفون مع المشروع كما جاء من اللجنة أم سيكونوا مع التعديلات التي أدخلتها القاعة يوم أمس؟!
 
 
***
 

ياسر العواضي ينسحب من الجلسة تاركاً الكتلة تواجه قدرها

صمدت المعارضة للنقاش في الجلسة البرلمانية أمس، وانسحب نائب رئيس كتلة الحزب الحاكم هذه المرة.
ياسر العواضي لم يتحمل. لقد غادر القاعة غاضباً ومحتجاً على أسلوب إدارة الجلسة. كان مستاءً جداً من «حِمير»، وكان النقاش قد بلغ ذروته تلك اللحظة، والأصوات ترتفع إلى السقف. إنها جلسة في غاية الأهمية، وكان العواضي قد استعد لها بشكل جيِّد.
لوحظ أن ياسر كان يرفع يده لطلب الحديث مراراً دون أ.... يأذن له «حمير» - رئيس الجلسة. وحتى نقطة النظام كان يطلبها فتمنح بصورة غير معتادة لغيره. المشهد نفسه كان يتكرر معه في جلسة السبت. وقد حاول في تلك الجلسة أن يتماسك وأن يصمد رغم أن الضيق الذي كان يرتفع إلى شرفة الصحفيين. السبت مُنح دقيقتين لنقطة نظام «مشروطة» وأمس حصل على مثلها ونصح بها هيئة الرئاسة «أن تطرح المقترح للتصويت مرة واحدة فقط ولا يجوز لها أن تطرحه مرتين»، ونبهها إلى أن هذا المشروع «تمت مناقشته من حيث المبدأ» وبالتالي «لا داعي لتكرار النقاش نفسه». لكن هذا الطرح لم يسعد نبيل الباشا الذي رفع يده فتمكن من الرد مباشرة. نفخ الباشا في «الميك» وحمل على المشروع بشدة وعلى كلام ياسر ومؤكداً له أن هذا المشروع لم يناقش من حيث المبدأ».
وقال بصوت عالٍ وحاد: «لم يناقش.. لقد تم كلفتته بالمخالفة للائحة». العواضي الذي كان يجلس قريباً منه اشتاط غضباً ونهض يرفع نقطة نظام ويطلب الرد لكنه لم يتمكن.
«أعطني الحق في التعقيب. لو سمحت يا شيخ حمير..  لو سمحت». هكذا كان يصيح ياسر ولكن دون فائدة؛ لقد ارتد حزيناً ونبيل الباشا يضحك.
 حاول أن يتريث وأن ينتظر لكنه لم يستطع. لقد نهض  وأعاد دفتره إلى جيبه وطوى الأوراق وانسحب. وحاول علي عشال أن يراجعه فلم يستطع، ونهض أكرم عطية من جوار حمير ونزل سلم الشرفة مهرولاً «ما يصلحش يا ياسر أرجع». فيما حمير لم يتزحزح من مكانه ولم يكترث. ترجاه أكرم عطية وذكره بأنه نائب رئيس الكتلة، فما استطاع، وأكد له أنه مصمم «لا يمكن أبداً.. أبداً أن أبقى». وزاد لحقه علي عشال ونبيل الباشا إلى ساحة البرلمان فعادوا خائبين. اجتازت قدماه البوابة. وقال لـ«النداء»: « أنا خرجت محتج على أسلوب حمير في إدارة الجلسة».
استسلمت كتلة الحزب الحاكم لأمرها بدون سلطان وياسر ويحيى الراعي، وقد صمدت حتى آخر لحظة. وكان بعض أعضائها يناقشون بمسؤولية ونواب من كتلة حجة في أقصى غرب القاعة يرمون «غترهم» أحدهم «جاه الله عندك». أما حمير فقد واصل النقاش حتى الثانية والنصف.
وقد قرر أن لا يعطي أحداً فرصة تقديم أي مقترح «طالما وهو عضو في اللجنة». وكان فؤاد دحابة يحاول أن يقول شيئاً فما استطاع. كان يحاول ويحاول في جوار زيد الشامي من على المقاعد الأخيرة فترجاه حمير أن يحترم اللائحة وأن يسكت: «لو سمحت يا فؤاد». لكن الأخير كان يهتز ويضرب بقوة يديه على الخشب ولم يمنحه الكلام فهدد بالانسحاب فكان الرد من حمير هكذا: «انسحب ليش.. ولا انسحبت» فهرول جرياً نحو الباب وغادر أيضاً.