عن انتخاب المحافظين وإلغاء صحيفة "الوسط"

عن انتخاب المحافظين وإلغاء صحيفة "الوسط" - نبيل الصوفي

على حين غفلة، أصدر فريق تحقيق استنتاجاته بـ"مخالفات إدارية" داخل صحيفة "الوسط". تذكر تلك التوصيات بتقرير مجلس الشورى عن مؤسسات الإعلام الرسمي التي لم يغلقها أحد رغم "مخالفات كبيرة رصدها المجلس".
بعد التقرير خط معالي وزير الإعلام، الأستاذ حسن اللوزي، قراره "إلغاء ترخيص صحيفة الوسط"، غير أن بند قراره الأول لم يكن ملاحظات فريقه (الفيدرالي)، بل ما تنشره الصحيفة.
شخصيات "عليا"، من وزراء، ومن لجنة المعالجات التي يترأسها نائب رئيس الجمهورية، قالت للكاتب إن "كثير من قيادات الدولة كانوا معارضين لمثل هذا القرار"، وأنه "حتى قيادات الأجهزة الأمنية ومسؤولين كبار، ورغم توصياتهم ضد الصحيفة فقد كانت مطالبهم إحالتها للقضاء"، غير أن الوزير الهُمام دافع عن "صلاحياته" في "حكم دولته المستقلة ذات السيادة" وهي وزارة الإعلام هنا، وتمكن من الحصول على إذن "عالي المستوى" بأن "يطبق القانون!!!".
قد لا يكون صائبا –طالما ونحن أمام شخص نكن تقديرا عاليا لاتزانه الشخصي بشأن الوظيفة العامة، كالأستاذ حسن اللوزي– أن نعتبر قراره تصفية حساب مع الصحيفة التي نشرت أقسى مقالات النقد له في أوقات سابقة. ولنبقى عند مبرراته المعلنة، أولها نشر ما يسيء للوحدة الوطنية (كأن إعلامنا الرسمي مشغول جدا بإظهار اليمن متعددا متنوعا كمعنى وحيد لأي وحدة). وثانيها: "اختلالات إدارية ومالية"!
وسنكتفي بتذكير معالي الوزير، بألاَّ شيء يضر الوحدة كمسؤول يستخدم سلطته بطريقة "متعجرفة"، ولا يهدد "الأمن القومي" كقرار يعالج "الحمى" بإعدام المريض.
لو أن معاليك أيها الوزير المخضرم، زرت الصحيفة وانتقدت سياستها، وأدنت أخطاءها، لكنت فعلا حاميا لدولة الوحدة وللنظام والقانون. لن نتحدث عن الزيارة، فهذا طموح كبير في بلاد يحتقر مسؤوليه رعاياهم!! ما لم يكونوا أبناء مشائخ أو من علية القوم، ولتبقى الزيارات سلوكا خاصا بالمجتمع الدبلوماسي الخارجي. يكفي أن نلفت عناية الوزير إلى أن أي حريص على البلاد ووحدته واستقراره سيبذل "القليل من الجهد" لتجنب ما تصنع الاحتقانات.
ماذا تشكل صحيفة "الوسط" للرأي الذي تشكو منه، مجرد وسيلة واحدة من عشرات الوسائل، لكنها جميعا لن تحقق ربع ما يفعله مثل قرارك، إنه يقطع الطريق أمام المعالجات ويعلي من شأن "الكي" كوسيلة وحيدة يتناوبها المجتمع مع سلطته.
هل يعلم السيد الوزير أن رئيس تحرير الصحيفة ذاتها لا يزال ينتظر النظر إليه كمواطن يستحق أن يحظى بـ"جهة رسمية تتابع تعرضه للإهانة والخطف"، تماما مثلما عشرات الجهات تنظر إليه باعتباره "هدفا للعقوبات".
حتى تتضح الصورة فإن الكاتب يرى أن صحفنا المستقلة –للأسف الشديد– لم تستطع الحفاظ على مسافة فاصلة بينها وصحف المواقف السياسية، ومن أجل ما هو صحيح من تأييد مطالب الناس، تنازلت عن شروط ومطالب كينونتها من جهة كصحف عليها تدقيق المعلومة، ثم تحرير الكلمة، ومن جهة أخرى كمستقلة.
"الوسط" نفسها، يمكن أن يوجه لها أي نقد، سواء من قبل الوزير أم من غيره، وهو نقد يرشد التجربة الصحفية وحتى السياسية في هذه البلاد. لكن إلغاء الكينونة، لا علاقة له بالحرص على الوطن ولا على الوحدة. إنه لا يثمر سوى القلق. ويا أيها الصحفيون، لو مر مثل هذا القرار، بغض النظر عن مواقفكم من "الوسط" وخطها، فإن القادم متكمل السوء، وكثير المهازل.
انتخاب المحافظين
بالنسبة لي لا أرى فرصة أفضل من أن يحقق "انتخاب المحافظين"، إعادة بناء العقلية الصراعية في هذه البلاد. لنجرب الاختلاف على حركة المرور، وترتيب الأسواق، واحترام الأولويات، وكثير من القضايا التي تحدد سعة أو ضيق نطاق العلاقة بين الدولة واحتياجات غالبية مواطنيها. الانتخابات المحلية وسيلة مهمة لرفع حساسية كادر الدولة المحلي تجاه احتياجات المواطنين، الذين غالبهم لا ينتمون لأي من الأحزاب.
صحيح أن أغلبية المؤتمر الشعبي في الكتلة الناخبة، ألغت الوهج السياسي لمثل هذه الانتخابات، لكن من قال إننا بحاجة لوهج سياسي، وهو الذي يضيء سماء هذه البلاد بسبب نشاط الحركة الحقوقية التي تقودها المعارضة خلال الأشهر الأخيرة؟!
لنتمنى أن نتابع جدلا تنافسيا بين المؤتمريين على احتياجات المجتمع المحلي، خاصة وأنهم سيتنافسون في ظل راية حزبهم الواحد في غالب المحافظات اليمنية. على الأقل يوفر هذا للإعلام الرسمي فرصة لتجاوز مخاطر الحساسية السياسية، التي لا يزال يهابها بسبب التزامه لأطر ورؤى اليمن القديم.
نعم، ليست تجربة كاملة، وهناك أولويات كإعادة التقسيم الإداري، وإعادة رسم الإدارة المالية لميزانية الجمهورية اليمنية، وترتيب أولويات الإنفاق المركزي، غير أن هذه الانتخابات ليست معيقا، ولن تكون بديلا من أي قرارات يتوجب على المركز اتخاذه،. اليوم أو غدا أو بعد رشد الحكم المحلي.
nbil