كيف تشتري الموت بفلوسك؟

أثيرت خلال الأيام الماضية ومازالت قضية الأدوية التالفة التي يتم استيرادها عبر ميناء عدن من قبل شركات وتجار الأدوية في عدن والمناطق المجاورة، وأصبح الموضوع حديث الإعلام والمنتديات والشارع العدني، لما يمثله ذلك من خطورة كبيرة على حياة المواطن الذي أصبح يشتري الموت بفلوسه دون أن يعلم.

وعلى الرغم من أن الموضوع انكشف أواخر العام الماضي، عبر تحقيق صحفي للزميل عبدالرحمن أنيس، مدعم بالوثائق، وقام يومها التيار الوطني للتصحيح والبناء بعمل بلاغ عاجل للنائب العام للتحقيق في الموضوع، وفعلًا أحيل الملف للنيابة المختصة، وتم النزول حينها لميناء عدن، والاطلاع على حجم الإهمال والفساد في الملف، والتأكد من المعلومات التي تناولتها وسائل الإعلام للوقوف على حقيقة الكارثة، وتم يومها اتخاذ بعض الإجراءات من قبل النيابة العامة لمنع تكرار إدخال الأدوية التالفة إلى الأسواق، والتي تجلب عبر حاويات غير مبردة في صورة مخالفة للقانون وشروط السلامة، إلا أن لوبي الأدوية استمر في التحايل واستخدام نفوذه لمواصلة الاتجار بحياة الناس وأرواحهم دون وازع من ضمير.

لكن كل ما في الموضوع أن النيابة العامة ظلت متيقظة ومتابعة للعملية، وقبل أيام أحبطت نيابة استئناف جنوب عدن إدخال شحنة أدوية تالفة لأحد التجار المعروفين، لتعود القضية من جديد لصدارة التناولات الإعلامية واهتمام الشارع والناس، ومن خلال المعلومات المتوفرة لدينا بأن النيابة العامة مصرة على إحباط كل المحاولات الرامية لإدخال الأدوية التالفة، ومن ثم إجبار شركات الأدوية للالتزام بالقانون وإجراءات السلامة الصحية، وقد بدأت العديد من الشركات الالتزام بذلك خلال الفترة الأخيرة، وهذا أمر مبشر بخير.

الأدوية التالفة أمر خطير جدًا يعرض حياة الناس للأمراض الخطيرة، مثل السرطانات والفشل الكلوي وغيرها، وأحيانًا ربما يقود إلى الموت المحقق، ويمنع منعًا باتًا في مختلف دول العالم، وحتى دول عربية مثل مصر والصومال وغيرهما، إدخال أدوية تالفة في حاويات غير مبردة تظل مركونة في الميناء لأشهر، وتتعرض لدرجة حرارة عالية تؤدي إلى تلف الأدوية وفسادها، والهدف من ذلك جشع التجار والقائمين على هيئة الأدوية في عدن للأسف.

الشيء اللافت أن التجار وهيئة الأدوية وحتى وزارة الصحة والسكان لم يقدموا أي ردود أو توضيحات حول القضية للرأي العام، وسكوتهم يعني بأية حال من الأحوال أن وراء الأكمة ما وراءها، وهذا أمر خطير ينبغي التحقيق فيه ليصل المتسببون والمتورطون في القضية إلى العدالة.
وقبل يومين أعلنت نيابة استئناف جنوب عدن، تحذيرًا لشركات الأدوية، طالبتهم فيه بإعادة الأدوية التالفة إلى بلاد المنشأ، ما لم فإن النيابة سوف تتخذ إجراءات قانونية لإتلافها، وهذا عمل وتوجه جاد وجميل من قبل النيابة، لحماية أرواح الناس في عدن وغيرها من المحافظات، ورسالة لكل من تسول له نفسه مخالفة القانون، وتعريض حياة الناس للمخاطر.

نشد على أيادي الإخوة في النيابة العامة، وفي المقدمة القاضي قاهر مصطفى، النائب العام، والقاضي وضاح عبدالله باذيب، رئيس نيابة استئناف جنوب عدن، وكل الجهات المعنية، ومن تفاعل مع القضية من إعلاميين وناشطين ووسائل إعلام، بأن يستمروا في التصدي لهذا الأمر الخطير، وكشف أية قضايا مماثلة تعرض حياة الناس للخطر والموت، فوق ما هم فيه من معاناة ومتاعب معيشية وحياتية صعبة وعديدة.