عبدربه منصور هادي في مهمة استثنائية.. المنظور الأمني وحده لا يكفي!

- المحرر السياسي
وسط ظروف بالغة التعقيد جاء قرار مجلس الدفاع الوطني بتشكيل حكومة مصغرة هي أشبه بخلية أزمة لمواجهات الحرائق المشتعلة في محافظات الضالع ولحج وأبين. القرار أفصح عن شعور متأخر للحكم بحجم المشكلة التي ظل لأكثر من أربعة عشر عاما يقلل من شأنها ويتهرب من مواجهة استحقاقاتها، لكن ذلك الإقرار أصبح اليوم بمثابة امتحان عسير لمصداقيته وجديته في احتواء الأزمة المتصاعدة من ركام حرب صيف 94.
 الحكومة المصغرة التي يرأسها الفريق عبد ربه منصور هادي، نائب رئيس الجمهورية، تواجه تحدي التداخل الكبير بين آثار الحرب التي كان أحد أعمدتها وأطروحات سياسية. فإذا كان واضحا أنها ستتولى معالجة الأسباب التي دفعت بمئات الشبان إلى ارتكاب حماقة الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة, إلا أن من غير  الواضح قدرة هذه الحكومة على مواجهة الطرح الانفصالي الذي ذكر نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أنه يتلقى دعما خارجيا لم يُحدد ماهيته!
 ومع نزول قيادات عسكرية إلى الضالع والحبيلين وأبين لمعالجة أوضاع الذين رُفضت طلبات التحاقهم بالجيش، استنفرت وزارة الداخلية أجهزة الأمن في ساحة مواجهة جديدة ضد ما تصفها بـ"الدعوات الهدامة الداعية إلى الانقسام والفرقة".
 وذكرت مصادر رسمية أن اجتماع مديراء الأمن ومديري فروع العلاقات العامة والتوجيه بالمحافظات والوحدات الأمنية ومديري إدارات العلاقات العامة والتوجيه بالوزارة، بحث تفعيل دور العلاقات العامة في توعية المجتمع بالقضايا الأمنية، والحفاظ على السلم الاجتماعي وترسيخ مفاهيم الوحدة الوطنية.
 وفي الموازاة أعلنت السلطات أن النيابة شرعت في التحقيق مع المقبوض عليهم على ذمة أحداث الشغب، تمهيدا لمحاكمتهم، لكنها لم تفصح عن الطريقة التي ستتعامل بها مع قيادات سياسية بارزة في عدن، مثل علي منصر وحسن باعوم واحمد بن فريد؛ إذ أن محاكمة هؤلاء ستؤدي وفق ما يرى الكثيرون إلى توسيع قاعدة شعبيتهم, كما ستجبر أحزاب اللقاء المشترك على مساندتهم رغم علمهم الأكيد بالمواقف العدائية لهؤلاء تجاه أنشطة هذه الأحزاب.
وطبق مصادر موثوق بها فإن التحدي الاول الذي تواجهه اللجنة "الإنقاذية" حالياً هو مسألة ترتيب أولوياتها.
ولئن تم تشكيلها لمتابعة التطورات في المحافظات الجنوبية واتخاذ الإجراءات الفورية للحد من امتدادها، فإن تداعيات الأيام الأخيرة تكشف عن تشتت في اهتمامات أعضائها، خصوصاً مع ما يتردد عن دور للجنة في القرار الذي اتخذته وزارة الإعلام مطلع الأسبوع بإلغاء ترخيص صحيفة "الوسط".
والحال أن الخلفية الأمنية والعسكرية لأغلب أعضاء اللجنة مبعث تشكك حيال قدرة رئيسها وأعضائها على استحضار السياسة وممكناتها وأدواتها في ظل اضطرابات أمنية في المحافظات الجنوبية وبعض المحافظات الشمالية.
ومعلوم أن الانتقادات التي وجهت إلى الحكم بمختلف مكوناته، على مدى الأشهر الماضية، تركزت على عدم اقتداره على صوغ رؤى سياسية واقتصادية لاحتواء الاحتجاجات المتتالية في الجنوب. وأخذت أحزاب المعارضة، على الدوام، على الحكم اعتماده أدوات أمنية في مواجهة "الحالة الجنوبية" وإغفاله أية أدوات سياسية، وبخاصة اعتماد سياسة توافقية منفتحة على أحزاب اللقاء المشترك، والقيادات المعتدلة داخل حركة الاحتجاجات.
يواجه عبد ربه منصور هادي وزملاؤه في اللجنة المصغرة تحدياً كبيراً. فلأول مرة منذ حرب 94 توضع "القضية الجنوبية" ضمن اختصاص لجنة رفيعة ذات قوام محدد ومغلق. وسيتعين على نائب الرئيس أن يستحضر السياسة إلى طاولة الاجتماعات، وألاَّ يتمترس، وأعضاء لجنته، داخل مربع أمني. ذلك أن السياسة هي الينبوع الذي خرجت منه الاحتجاجات كافة، حتى وإنْ تدثر البعض، في السلطة ومعارضتها الكلاسيكية، بمقولات نمطية من شاكلة أن الاحتجاجات بدأت مطلبية وتم حرف مسارها باتجاه سياسي.
على اللجنة المصغرة أن تذهب هي إلى السياسة، وإلا فإن عليها أن تستعين بـ"عدسات لاصقة" سياسية، ذلك أن المنظور الأمني المحض، من شأنه أن يفاقم الأزمات، ويكرِّس حالة طوارئ تكون الكلمة الفصل فيها للقوة... القوة المجردة التي كانت على الدوام القاسم المشترك الأعظم في مآسي اليمنيين على امتداد العقود الماضية، وبالتالي التهديد الأول للوحدة اليمنية.