لنتضامن مع القانون

لنتضامن مع القانون - محمد ناجي أحمد

اليمن من البلدان القلائل التي يصرح فيها الساسة والمثقفون بتجاوزاتهم للقانون تحت ذريعة معالجة القضايا، بدوافع إنسانية. فمشكلة المتقاعدين في المحافظات الجنوبية يتم حل بعضها خارج القانون، كما جاء في أحد خطب رئيس الجمهورية. وعندما يصل الفنان أيوب طارش عبسي إلى سن التقاعد وما بعده، يتم استنفار الشارع الصحفي والأدبي من أجل مواجهة هذا الانتهاك الذي يتعرض له الفنان (الكبير). واستجابة للتضامن الواسع مع الفنان، يتم تمديد خدمته وتعيينه "مستشاراً لمحافظ تعز". وعلى المنوال نفسه حين يحال الفنان والمعلم التشكيلي هاشم علي للتقاعد، نتداعى من كل صوب للتضامن مع هذا الفنان الإنسان، ولا ننسى تسويق تضامننا، بذكر حالة من الإهمال الذي يتعرض له الفنان الكبير. وإذا كنت أثناء التضامن مع أيوب طارش صامتاً وغير متضامنٍ، فإن ذلك لا يعود بالضرورة إلى تقييمي للمستوى الفني لهذا الفنان الجماهيري، والذي أراه -رغم احترامي لذائقة الجمهور– جنى على شعرية عبد الله عبد الوهاب نعمان، يتضح ذلك لكل من تذوق أشعار "الفضولـ" بعيداً عن الإيقاع الرتيب والصوت (القروي) لأيوب.
إن دعوات التضامن مع الأدباء والمفكرين والفنانين، ينبغي أن توجه نحو المطالبة برفع مستواهم المعيشي وتوفير التأمين الصحي، وإعطائهم حق التفرغ من العمل لكل أربع سنوات، أسوة بالأكاديميين وأسوةً بأدباء مصر ومفكريها. وعلى ذكر مصر وأدبائها ومفكريها تحضرني حالة تقاعد أديب مصر نجيب محفوظ. فالأديب وأصدقاؤه لم يدر بخلدهم أن وصولهم إلى سن التقاعد، يعد انتهاكاً لأدبهم وفنهم. في مصر، رغم حالة الفساد السائدة، إلا أن هناك قدرا من التراكم المؤسسي الذي ولّدَ إحساساً لدى الجميع بضرورة احترام القانون وعدم انتهاكه جهاراً نهاراً.
وفي اليمن ننتهك القانون بطرق مباشرة وغير مباشرة. وأسوأ من ذلك حين نغلف انتهاكنا بيافطة حقوقية تعالج الإهمال الذي يتعرض له الأديب والفنان، بالمطالبة بعدم إحالته للتقاعد!!
لديّ إحساس بأن الرغبة في عدم إحالة أيوب طارش سابقاً، وهاشم علي لاحقاً، إلى التقاعد، هي رغبة رسمية، بحاجة إلى تضامن الأدباء والفنانين والصحفيين والكتاب. فهذا الاصطفاف حين يكون مع انتهاك القانون يجعل الحديث عن القانون، وضرورة تطبيقه على الجميع، مجرد أحاديث نشغل بها أوقات ساعاتنا السلمانية، وحينِِِِِِِِِِِِِِِ نضع القات من أفواهنا، نضع القانون إلى جواره.
أعتقد أننا أحوج ما نكون إلى التضامن مع القانون؛ هذا الكائن الذي يتم انتهاكه كل يوم، سواء في معايير التوظيف أم الترقيات أم المعاملات أم التقاعد... لا يوجد قانون في هذا البلد لا يتم تجاوزه وانتهاكه بشكل يومي.
Hide Mail