29 عاما من إدارة صراعات القوى.. ترف الاحتفاء بعيد الجلوس

29 عاما من إدارة صراعات القوى.. ترف الاحتفاء بعيد الجلوس - أحمد الزرقة

لا يحتاج الرئيس علي عبد الله صالح للتذكير بفجاجة أنه متربع على كرسي الرئاسة منذ 29 عاما، فالاحتفاء السمج ب17-7 1978 كعلامة فارقة ووحيدة في حياة اليمنيين، يسيء للرئيس صالح ويجعله وحيدا منفصلا عمَّا يدور في العالم من تغيرات. كما أن اختزال اليمن وتاريخه ورجالاته في شخص الرئيس، فيه من الإساءة الكثير لمفاهيم المواطنة.
 الاحتفاء بقراءة فكر وإنجازات الرئيس الصالح عبر ندوات تلفزيونية وإذاعية، وتسابق الجهات الحكومية على تنظيم مثل هذه الاحتفاليات، وبمشاركة عدد كبير من السياسيين والأكاديميين، يؤكد حقيقة أن هناك فشلا ذريعاً في إنجاز تلك الجهات والشخصيات في تحقيق أهداف وقضايا من صلب عملها. ولأجل تغطية ذلك الفشل تولد كل تلك الفعاليات التي لا ترقى لمستوى النقاشات الفكرية بتكريسها لصنمية الحاكم. فيما تؤكد كل الدراسات وأوراق العمل أنه رجل بلا أخطاء، لتصل به لدرجة التأليه، وتخرجه من دائرة المساءلة.
 المبالغ التي تصرف لتلك الندوات والفعاليات كانت ستكون أكثر خدمة للرئيس صالح لو أنفقت باتجاه مشاريع تنموية وخدمية بدلا من المزايدة المفضوحة.
 قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة في 20 سبتمبر 2006 والتي حافظت على بقاء الرئيس صالح وأكسبته شريعة دستورية أكثر من تلك التي منحت له في 17 -7- 1978، كتب عدد من المقربين للسلطة يدافعون عن ترشيح الرئيس صالح لنفسه في تلك الانتخابات، قالوا إن الرجل لم يحكم اليمن الموحد إلا منذ انتخابه في عام 1999، وأن فترة ما قبل الوحدة ليست محسوبة، لأنه كان رئيسا للجمهورية العربية اليمنية حتى مايو 1990، وأن فترة الوحدة منذ حتى حرب صيف 1994 كان هناك مجلس رئاسة، وأنه بعد ذلك لم يتولَّ فترة رئاسية بانتخاب مباشر إلا منذ سبتمبر 1999، وبالتالي فإن من يقول إن الرئيس صالح يحكم منذ 1978 مخطئ.
 لكن ما يحدث اليوم من احتفاء قد لا أقبله أنا والعديد من أبناء جيلي باعتبار أن تلك الفترة كان لها مساوئها ولا تعني لنا كثيرا، لأننا من الجيل الذي تأذّى كثيرا من أخطاء وصراعات السياسيين خلال الفترات الماضية.
 نحن مع شرعية انتخابات 2006 والتي وعد الرجل فيها بإجراء المزيد من الإصلاحات الاقتصادية وتوسيع الحريات السياسية، وبرنامج الرئيس صالح كان برنامجا مستقبليا، فلماذا يصر البعض على شده للوراء؟!
 يوم عيد الجلوس ليس من إنتاج الديمقراطية التي تتشدق بها وسائل الإعلام الرسمية، وليست جزءا من مكونات النظام الجمهوري، ولم نسمع بالاحتفاء بيوم الجلوس إلا لدى الأنظمة الديكتاتورية والأنظمة الملكية، التي تفوق فيها قيمة الفرد الحاكم قيمة الجماعة المحكومة.
 من حق الرئيس صالح الاحتفاء بيوم وصوله للحكم في 17-7-1978 بشكل شخصي خاص به مع مجموعة من أصدقائه، لكن هناك عقدا اجتماعيا مع ناخبيه الجدد الذي انتخبوه في سبتمبر الماضي، عندما وعدهم بـ"يمن جديد.. ومستقبل أفضلـ".
 كم كان سيكون مفرحا لو احتفل الرئيس بهذه الفعالية بالإعلان عن إجراءات حقيقية لوقف التدهور الاقتصادي والبدء بحزمة إصلاحات واسعة! لأن ذلك الاحتفال لا يهم أحدا، بل على العكس تبدو مستفزة جدا لمشاعر المواطنين.
 ولا أعتقد حتى أن الرئيس صالح يتابع تلك الفعاليات أو يكترث لما يبثه الإعلام الرسمي.
 قد يكون الرئيس صالح شخصية فذة وذات معدل ذكاء مرتفع، وتلك أمور يدركها بنفسه، وليس غافلا حتى يأتي شخص ليمتدح تلك الصفات فيه ويذكره بماض كان هو صانعه.
 لقد حاول الرئيس التطهر من شركاء مرحلة يوليو 1978 ويوليو 1994، عندما قال إنه لن يترشح خلال انتخابات سبتمبر الماضي، وأنه لن يكون مظلة للفاسدين، أو "تاكسي" لهم يحملهم للفنادق، لكنهم لم يسمحوا له، وذرفوا الدموع من أجل إثنائه. وفعلا تراجع الرئيس عن قراره، الذي أعتقد أنه حاول من خلاله قراءة مواقف القوى المختلفة ومراكز صنع القرار المقربين منه إذا ما حاول المضي في فكرته تلك. إلا أن النتيجة باعتقادي كانت مخيفة، بالنسبة لرجل اعترف ذات لقاء صحفي مع "الجزيرة" أنه لا يحكم بل يدير مصالح القوى المختلفة. وبالتأكيد هناك فرق كبير بين من يحكم ومن يدير.
alzorqa