تعز مدينة الجهل

تعز مدينة الجهل - نبيل قاسم

أن تكون في مدينة تعز، في حي مزدحم بالسكان، وبالأطفال بشكل خاص، تخيل متعة أن تصحو باكراً على صوت الأطفال، وتخيل أيضاً أن تصحو على صوت طفل صغير في السادسة من عمره وهو يغني: «أنا الشاكي، أنا الباكي، أنا المحزون». لا بد أن تبتسم وتقول: يا له من مستعجل هذا الطفل! ستصل لكل هذا يا صغيري فلا تستعجل.
في مدينة تعز من الطبيعي جداً ان تصحو ولا تجد ماء ولا تجد كهرباء ولا تجد نقوداً في جيبك. وفي مدينة تعز أيضاً زادت عملية ارتداء «المقاطب». وارتداء المقاطب يكون غالباً من علامات الفقر، خاصة إذا كانت ذات ألوان غامقة، فعند شراء الملابس بشكل عام تسمع شخصاً ينصح صديقه: خذ اللون الغامق لأنه يتحمل الوسخ!
عندما تدخل المكتبات في مدينة تعز لا تجد كتباً أو صحفاً كثيرة، حتى الصحف العربية التي تصل متأخرة بيوم واحد إلى صنعاء تصل متأخرة بثلاثة أيام إلى تعز،.وفي هذا الفارق الزمني نجد دلالات كثير عن درجة بعد هذه المدينة عن العاصمة. تدخل سوق السمك في تعز فترى نقصاً واضحاً في كمية الأسماك رغم انها قريبة من الحديدة ومن المخاء ومن عدن، فيقول لك بائع السمك إنهم يأخذون السمك للخارج؛ أتساءل: كيف يحدث هذا في تعز وهي محاصرة بالبحر؟ وبعد وقت قصير أصحو وأعرف ان البحر هذا ليس ماء وإنما هو شخص يدير الأمن السياسي، وينفذ الأوامر بحصار تعز، فثلاثة أرباع المجانين هم ليسوا حقاً مجانين، وثلاثة أرباع المجانين في تعز هم كذلك حقاً مجانين! نحن الآن مقبلون على فصل الصيف الذي يعني في تعز انتشار الأوبئة والأمراض والبعوض ونقص الماء، وستبدأ مواسم كوارث السيول وخراب الطرقات، وعلى محافظ تعز أن يكفر عن يمينه بإعادة تعز إلى العصر الحجري، وعليه أن يفكر جدياً بمسألة تحلية مياه البحر، وإياه أن يقول أن التكلفة كبيرة، فعند تمويل الحروب لا يقولون أن تكلفة الحرب كبيرة.
الناس «مدوخين» في تعز وعندهم حق، ففي أحد أعياد سبتمبر في تعز نزل رئيس الجمهورية وخطب أمام الناس والجماهير بأهمية سياحة الغوص، فغاص كثير من الشباب في تناول القات ليلاً ونهاراً. وفي تعز وفي شارع «جمال» ستجد عنواناً لأحد المحلات التجارية «مطعم ومخبازة النفط». وهنا أنصح الناس بأن يضخوا أموالاً إلى تعز لأقاربهم لأصدقائهم ولو حتى بمبالغ صغيرة، فدرجة الفقر أعلى من أي تصور، ودرجة الجهل في طريقها لأن تكون أعلى من أي تصور ودرجة الغضب كذلك في طريقها لأن تصبح أعلى من أي تصور.
 
شبام حضرموت.. عمرها على ماء
هذه المدينة التي تعتبر من أهم التحف التاريخية النابضة بالحياة، لا يمكن أن تجد كتاباً يتحدث عن العمارة في اليمن دون أن يذكر العمارة الطينية في عمران القديمة وصعدة القديمة وفي شبام حضرموت، ناطحات السحاب التي بنيت في الصحراء. حين تدخل مدينة شبام عبر بابها الكبير ستجد على يسارك مقهى يجتمع فيه بعض سكان المدينة لشرب الشاي أو للعب الدومينو أو لتبادل الأحاديث. أثناء حديثي مع أحد الشيوخ والذي يبلغ من العمر ما بعد السبعين، قال لي يا إبني كان آباؤنا يقولون لنا إن هذه المدينة عمرها على ماء. فقلت له: أليس لديكم مشروع مياه؟ فقال لي: لا، لا، لدينا مشروع مياه وبقوة ضخ عالية. ما كان يقصده أباؤنا هو أن ما يهدد هذه المدينة هو الماء، ففي الوقت الحالي هناك أكثر من خمسين بيت مهدد، فمشكلة المجاري، ومشكلة رصف الشوارع ومشكلة سور المدينة ومشكلة تنظيف المدينة من القمامة ومشكلة تكسير بعض انابيب الماء، هذا بالإضافة إلى مشكلة أسلاك الكهرباء التي تشوه المدينة، ومشكلة البعوض. واستدرك قائلاً: نسمع عن مشاريع كثيرة، ولكننا لا ندري متى سيتم تنفيذ هذه المشاريع. أضاف شيخ آخر: هناك مشكلة أخرى وهي عملية إخراج الدوائر الحكومية من شبام، لقد أصبحت خارج سور مدينة شبام، وهذا أدى إلى قلة حركة البشر، هذا العمل ساهم بقتل المدينة، لو سمحت يا إبني وصل كلامنا هذا، فنحن هنا لا نقابل إلا صحفيين يتغنون بجمال المدينة وبعبقرية بُناتها ونقابل سياحاً يزورونها بشكل يومي لتصويرها وتصوير أزقتها, فكن صوتنا.