ملف عن المتقاعدين العسكريين

ملف عن المتقاعدين العسكريين

فتح ملف صيف 94
 
 
فضل علي مبارك
 

أخذت قضية المتقاعدين العسكريين والمدنيين من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية تشكل مناحي أخرى تتبلور للمطالبة بما هو أبعد من الحقوق الوظيفية في الرتب أو الراتب. وقد تجلى ذلك صباح السبت الماضي في ساحة الحرية بمدينة خور مكسر -محافظة عدن، عندما تداعى اكثر من خمسة آلاف متقاعد إلى اعتصام سلمي للمطالبة بهذه الحقوق، في تظاهرة سلمية تعد الأكبر في سلسلة الاعتصامات التي نفذها المتقاعدون منذ مارس الماضي.
الاعتصام الذي تزامن مع الذكرى الثالثة عشرة ليوم 7 يوليو التي ترى فيه السلطة يوم «الانتصار العظيم»، حسب خطابها السياسي والاعلامي، جاء اختياره من قبل قيادات جمعيات المتقاعدين -كما قالوا- لإيصال رسالة مفادها ان الاسباب التي ادت إلى ذلك هي من تداعيات 7 يوليو التي أحدثت شرخاً عميقاً في جسد وكيان 22 مايو 1990 الذي جرت فيه الوحدة بين بلدين نظاميين بطرق سلمية أكدت وثائقها الحفاظ على حقوق الناس ومكتسباتهم والعدل والمساواة بين ابناء الوطن الموحد، فيما التف «الانتصار» المزعوم على ابناء الجنوب بعد ان عمد الطريق إلى نهب خيرات وثروات الجنوب، من خلال التسريح القسري للآلاف منهم مدنيين وعسكريين مع أن أعداداً من هؤلاء المتقاعدين وقفوا في حرب صيف 1994 في صفوف ما سمي بـ«قوات الشرعية» وفق قاعدة جزاء سنمار، والأغلب جاء تسريحهم -كما يؤكدون- عقاباً على موقفهم في الحرب.
وبيّن المتقاعدون في رسالتهم رفضهم المطلق لما آلت إليه الأوضاع في البلاد بسبب 7 يوليو وما لحق به من ظلم واضطهاد جراء ما وصفوه بـ«التطهير المناطقي» لاجهزة ووحدات الجيش والأمن.
ولم تقتصر اجواء القلق على مدينة عدن التي عاشت منذ عصر يوم الجمعة إلى عشية الأحد وضعاً استثنائياً مع تدفق المعتصمين إليها من المحافظات الأخرى في تحدٍ لتحذيرات السلطات بالمنع، حيث ان الوضع قد انعكس بصورة جلية على العاصمة صنعاء تحسباً لتداعيات خطيرة للاعتصام الذي رأت فيه تجاوزاً للمطالبة بالحقوق إلى تأجيج للنزعات الشطرية وقد تمثل ذلك في نقاط عدة أبرزها القرارات الجمهورية التي صدرت بإعادة وترقية نحو 900 ضابط متقاعد والتي شكلت اعترافاً ضمنياً بالتسريح القسري لمن يقدر عددهم بنحو ستين الف ضابط وصف جندي بحسب جمعيات المتقاعدين والتي جاءت على عجل وكانت منقوصة ولم تقدم حلاً شافياً. وثانيها حالة الاستنفار العسكري والأمني، ونصب عديد نقاط تفتيش على مداخل عدن وتقاطعات الطرق المؤدية إلى ساحة الاعتصام، حيث قامت النقاط بمنع الدخول حتى لغير المعتصمين بمن فيهم طلاب الجامعة وخصوصاً كليات الطب والآداب والتربية التي تتواجد في مدينة خور مكسر. وثالثها الاعلان في ذات اليوم عن نزول اللجان إلى عدد من المدن لاستقبال من اعلن عن عودتهم وترقيتهم.
السلطات التي عمدت إلى اتخاذ تلك الاجراءات بعد ان فشلت تحذيراتها ولم يستجب لقراراتها، لم تكتف بمحاولاتها احتواء الاعتصام حتى قبيل ساعة من موعده من خلال السعي للتأثير والترهيب والترغيب بل والاعتقال، وفي جانب آخر الاتهامات للمتقاعدين بالانفصالية والتوظيف السياسي وغيرها. وسعت السلطة إلى تسيير مسيرة واعتصام مناهض جمعت فيه نحو ثلاثين شخصاً من «الشقاة» رغبتهم في دفع أجرة يومهم مقابل حمل الشعارات التي ترفض تسييس قضية المتقاعدين وترفض ما سمته «نزعة للإنفصال» مع قدوم هؤلاء الشبان والأطفال إلى ساحة الاعتصام حاول البعض اعتراضهم والتصدي لهم، فولوا هاربين.
وعلى ذات الصعيد كان نائب رئيس الجمهورية، عبدربه منصور هادي، أصدر بياناً أكد فيه على حقوق المتقاعدين وتفاعل الرئيس شخصياً معها، وما أصدره من قرارات يصب في اطار ذلك. لكن نائب الرئيس حذر من أي توظيف سياسي لهذه القضية أو تحويلها عن مسارها الطبيعي وجعلها موضوعاً للمكايدة السياسية والاعتبارات الضيقة. ولا يختلف كثيرون سواء من أصحاب القضية أو المتعاطفين معهم وكذا المراقبين على ذهب إليه هادي، خصوصاً وأن المتقاعدين ينأون بقضيتهم عن أي توظيف أو استغلال سياسي من قبل بعض الجهات أو القوى السياسية التي يرمي إليها المؤتمر الحاكم، حيث والمشكلة تكمن في عدم استجابة السلطة لتلك المطالب المشروعة والعمل على حلها، لا سيما وان الاعتصامات والاحتجاجات مضى عليها فترة ليست بالقصيرة.
وفيما منعت قوات الأمن والشرطة العسكرية أعداداً كبيرة من المتقاعدين من الوصول إلى موقع الاعتصام من خلال نصب نقاط التفتيش في مداخل المدينة، وعلى الطرق المؤدية إلى ساحة الحرية حيث قامت بمنعهم من الدخول للمشاركة، إلا أن أعداداً أخرى تمكنت من اختراق النقاط الامنية والتسلل عبر الأزقة والحارات للوصول والمشاركة خصوصاً أبناء محافظات: أبين، لحج، والضالع.
كما قامت باعتقال عدد منهم بينهم العميد الركن ناصر علي النوبة رئيس مجلس التنسيق لجمعيات المتقاعدين.
المعتصمون الذين علقوا الشارات السوداء رفعوا عدداً من الشعارات التي تعلن ما وقع عليهم من ظلم وإجحاف جراء التسريح القسري لهم من اعمالهم ما ترتب عليه حرمانهم من كثير من الحقوق. وطالبوا الحكومة بالمساواة في تطبيق القانون بين ابناء اليمن وإعادتهم إلى أعمالهم ومواقعهم التي سرحوا منها خلافاً للقانون والانظمة، ومنحهم كافة الرتب والعلاوات والمستحقات مع التعويضات العادلة عما لحق بهم من ظلم وإجحاف.
وتليت في الاعتصام عدد من الكلمات التي أكدت على حق هؤلاء المتقاعدين في التعبير والمطالبة بحقوقهم حتى يستجاب لهم بحلها جميعها دون نقصان. واعتبر المتحدثون أن القرارات الجمهورية التي صدرت قبيل تنفيذ الاعتصام بيومين وهدفت إلى التضليل على الاعتصام وعلى مطالب آلاف المتقاعدين وطمس حقوقهم من خلال إعادة (...) وترقية (...) وهي نسبة لا تشكل شيئاً من قوام الاعداد الهائلة المحالة للتقاعد اجبارياً ودون حصولها على كامل حقوقها.
< اعتصام السبت الماضي الذي فتح بقوة ملف حرب صيف 1994 على نحو غير مسبوق، وحرك المياه الراكدة باتجاه الملف الأمني والعسكري الذي يعد من اكثر الملفات حساسية بما ينطوي عليه من اوراق، اعاد التأكيد على المطالب «بحل شامل لقضية الموقوفين والمسرحين قسراً من الخدمة منذ حرب 1994 ودفع كل مستحقاتهم المالية التي استقطعت من دون ذنب، مضافاً إليها التعويض العادل للاضرار التي لحقت بهم وبأسرهم من خلال قرار جمهوري ينهي المشكلة من جذورها».

 
***
 
 
المتقاعدون وأولوية المقاربة الحقوقية والاجتماعية
 
 
صالح علي
 
المتقاعدون، الاسم الذي كان إلى قبل ما يقرب من خمسة أشهر، اسم يوحي بالوهن وقلّة الحيلة. بعد مضي أربعة أشهر على بدء الاعتصامات لجمعيات المتقاعدين العسكريين في المحافظات الجنوبية والشرقية أصبح «المتقاعدون» اسم وعنوان لمرحلة جديدة في العمل السياسي في الساحة اليمنية، وربما تجاوز ذلك ليصبح ظاهرة. ظاهرة كانت نتاجاً لإجراءات غير موفقة للقائمين على المؤسسات العسكرية والأمنية. لم يدرك المسؤولون عنها حساسية مثل هذه الإجراءات وتبعاتها، عند أبناء بعض المناطق والمحافظات. وكانت أيضاً نتاج القراءات الخاطئة للسياسيين لواقع تلك المحافظات فلماذا تفاقمت ازمة المطالب لجمعيات المتقاعدين في هذه المحافظات دون غيرها؟ ومن أين تستمد قوتها وعنفوانها؟
لا أعتقد أن اطلاق الاتهامات على هذه الجمعيات هو الحل ولن يكون ايضاً السبيل الى تفكيك هذه الأزمة.
كما لا أظن أن قيادات هذه الجمعيات تمتلك من مواصفات الزعامة ومواهب القيادة ما يمكنها من كسب كل هذا الزخم والتعاطف والتأييد والانتشار خلال فترة قصيرة جداً لا يزيد عمرها عن الاشهر الأربعة.
تأييد لم تحظى كثير من الاحزاب السياسية بما يصل إلى 50٪_ منه خلال سبعة عشر عاماً هو عمر التعددية السياسية في اليمن وعمر العمل العلني لكثير من هذه الأحزاب.
لكن لا شك أن هناك عوامل اخرى تقف وراء كل ذلك ووراء الحظوة تلك لقيادات هذه الجمعيات.
فالقارئ للواقع الذي تمخضت عنه هذه الجمعيات وانبثق عنه نشاطها هذا، سيجد أن قيادة هذه الجمعيات تقف أولاً على قراءة صائبة لواقع هذه المحافظات بأعتبارها جزءاً من نسيجها الاجتماعي، وتقف ايضاً على تفاصيل الاضرار التي لحقت بالمتقاعدين فيها.
ففي مناطق كثيرة من المحافظات الجنوبية والشرقية تصل أعداد المنتمين للمؤسسات العسكرية الى ما يقرب من 80٪_ من اجمالي موظفي الدولة في هذه المناطق، وهو ما يقرب من النسبة نفسها بالنسبة لعدد سكانها، إذا ما أخذنا في الاعتبار الأسر التي يعولها هؤلاء العسكريين.
لذا فإجراءات التقاعد التي تضرر منها عدد كبير من أبناء تلك المناطق خصوصاً وأنها تزامنت مع ارتفاعات مهولة للأسعار لم تتناسب ولو عند أدنى المستويات مع الزيادات التي كانت تشمل معاشات المتقاعدين. وعليه فقد اصبحت الجرعات السعرية الهائلة لا تهدد المتضررين من إجراءات التقاعد كأشخاص فحسب وإنما أصبحت تهدد عائلات وأسر بكاملها لم يعد فتات معاش من يعولونها من المتقاعدين هؤلاء يفي بأبسط الضروريات،
وتعد تلك المناطق في هذه المحافظات من المناطق الفقيرة شحيحة الموارد لا يملك سكانها اي مصادر دخل أخرى غير المعاشات تلك.
واذا رجعنا للوراء قليلاً وتذكرنا ما صاحب ارتفاع اسعار الديزل من هبَّات شعبية في بعض المحافظات الشمالية والغربية التي ادت إلى خروج أعداد كبيرة من المواطنين في مظاهرات عارمة كادت تغرق مدناً كثيرة هناك في دوامة الدمار، عندما مس ضرر وارتفاع مادة الديزل شريحة المزارعين في تلك المحافظات التي تشكل فيها نسبة المعتمدين على الزراعة ما يساوي أو يقرب من نسبة المعتمدين على الوظيفة في المؤسسات العسكرية من ابناء المحافظات الجنوبية والشرقية.
كما تعد هذه الشريحة (المنتمين للمؤسسات العسكرية) من اكثر الشرائح الوظيفية بطول المحافظات الجنوبية والشرقية التي ارتبطت بعلاقات شخصية وزمالة اثناء عملها بالمؤسسة العسكرية لما كان يسمى بجمهورية اليمن الديمقراطية، بعكس المنتمين لباقي الوظائف الأخرى في الجهاز الإداري التي يتم فيها توظيف ابناء كل محافظة في الإطار الجغرافي للمحافظة نفسها.
وربما أيضاً أن ما تتركه الوظيفة في السلك العسكري من أثر وسلوكيات لدى من انتموا إليها مثل غرس روح الالتزام والانضباط واحترام المواعيد وطاعة الأوامر كل ذلك كان له دور في فاعلية وقدرة هذه الجمعيات على النشاط بتلك الفاعلية والتأثير.
فإذا كانت كما اشرنا سابقاً هذه الجمعيات هي نتاج الاجراءات غير الموفقة للقائمين على المؤسسات العسكرية، وما ترتب على تلك الإجراءات من تبعات مع توالي الجرعات السعرية المريع لقيادات المعارضة وأحزابها التي فقدت أبجديات لغة التفاهم مع رجل الشارع وأصبح أقصى ما تطمح إليه قيادات هذه الأحزاب بعد ما حظيت به اعتصامات جمعيات المتقاعدين من اهتمام في الأوساط السياسية والإعلامية، هو الظفر بتهمة من الحزب الحاكم بأنها ضالعة في نشاط تلك الجمعيات. هذا ما كشفته وتكشفه بعض التصريحات لقيادات هذه الاحزاب التي لم نسمع عنها إلا بعد ان اصبح صوت هذا الجمعيات أعلى من صوت هذا الأحزاب مجتمعة.
فإذا كان بعض رموز قيادات الجمعيات كما تتهمها بعض الاطراف أن نشاطها من خلال الجمعيات له خلفيات سياسية، فمثل هذه التهم لا أظنها قد تكون مقبولة إذا عممت على السواد الأعظم من المنتمين لهذه الجمعيات. فقبل التعاطي مع هذه القضية على هذا النحو، أي النظر إليها من بوابة السياسة، يجب التعاطي معها في جانبها الحقوقي والإنساني أولاً، وبعد القيام بما يجب في هذا الاتجاه إذا ما بقي هناك من كان يتستر بغطاء المطالب الحقوقية لمآرب أخرى أياً كانت يحق لنا حينها ان نحاصره بكل ما أوتينا من تهم، مع أنني على يقين من انه لن يبقى بعدها ما قد نضطر لاتهامه.
إن المسلك الذي اتخذته وتتخذه الأطراف المعنية بهذه المعضلة لا يبشر بإنهاء الازمة. كما لا يعي من يديرونها من الجانب الحكومي خطورة تفاقمها. وترجع خطورة هذا التفاقم لنوعية الشريحة الاجتماعية التي يضمها نسيج هذه الجمعيات. فاختيارها للعمل السلمي ونجاحها إلى الآن في هذا المضمار. لا يستبعد عند أي مراحل تصعيد قادمة، استخدام بدائل أخرى ايضاً تجيدها ربما اكثر من اجادتها للعمل السياسي.
 
 
 
***
 
 
في معركة الحقوق.. الإقصاء والتحقير ليس حلاً 
 
 
أحمد الزرقة
 
حقك في الاختلاف لا يجب أن يلغي حقي في الوجود. تلك قاعدة يجب أن توضع في الاعتبار عند البدء في نقاشات عامة تتعلق بقضايا تخص شريحة واسعة من الناس، فكيف لو كانت بمصير أمة؟
المتقاعدون العسكريون، أو مرضى السكر والكبد، والمعلمون والصحافيون وسائقو الدراجات ومدرسو الجامعات وغيرهم، لهم كل الحق في الاحتجاج السلمي بكافة أنواعه، من أجل التعبير عن مدى الضرر الذي لحق بكل فئة منهم، وطرح ما يعتقدونه حلولا لمشكلتهم. وعلى الحكومة والجهات ذات العلاقة التفاوض معهم والاستماع لمطالبهم، والوصول إلى تسويات ترضي جميع الأطراف، على قاعدة: لا ضرر ولا ضرار.
حق الاعتصام والاحتجاج والتعبير مكفول لجميع المواطنين، بحسب الدستور اليمني، وقانون الصحافة، وقانون المظاهرات. وإن كان الأخير أكثر تقييدا.
الأحزاب اليمنية في السلطة والمعارضة يقع ضمن نطاق مسؤولياتها التعبير عن المواطنين، وتبني قضايا الجماعات المختلفة. لكنها تبدو بعيدة عن الشارع ومنفصلة عن واقع المواطنين، وتصنف على أنها الحلقة الأضعف، ولا تهتم بالمواطن سوى باعتباره صوتا انتخابيا فقط.
قضايا مفصلية يمر بها الوطن. لكنها ما زالت في حساب الأحزاب السياسية غير ذات قيمة. بل تسعى للتنصل منها. ومن أجل المناكفة السياسية، فليذهب الوطن والمواطن خلف الشمس بخمس.
هناك أزمات واضحة يمر بها البلد، وهناك أخرى كامنة. يقابل ذلك صمت وتخاذل من قبل النخب المثقفة. مؤخرا ارتفع خطاب إقصائي خطير من عدد من الفعاليات السياسية. بالتأكيد هناك احتقان سياسي، وهناك تعبئة سياسية خاطئة، وهناك من يسعى لاستخدام الورقة الجنوبية من أجل تحقيق مصالح خاصة من قبل مجموعة من المنتفعين وتجار الفرص، وهم بالتأكيد فقدوا مصالح كانوا يجنونها استنادا إلى لعبة الكروت الرائجة في الحياة السياسية اليمنية، باعتبارها خصوصية يمنية مورست لفترة طويلة من الزمن ضد عدد من الشركاء دونما تذمر.
الاحتقان المتفشي في البلد من صعدة إلى المهرة، بالتأكيد ليس وليد اللحظة، كما أنه لا يخضع لمعايير الهواية والاحتراف؛ لكنه نتيجة تراكمات لسنوات طويلة من الخطاب السياسي ذي السقف العالي، والإحباطات الناجمة عن تدني مستوى الإنجاز وتهاوي وعود حياة الرفاهية والانتعاش الاقتصادي، واستشراء ظاهرة الفساد، وممارسات المتنفذين، وغلاء الأسعار، وتدني مستوى الدخل...
ولا يمكن الجزم أن المواطن في المحافظات الشمالية يعيش رخاءً يفوق أخاه في المحافظات الجنوبية، فكلاهما في الهم شرق! ولا يملك أحد عصا سحرية لحل تلك المشكلة. وبالتأكيد فإن فض الارتباط والعودة لما قبل مايو 1990 لا يرضى به عاقل.
عقارب الساعة لا يمكنها الرجوع إلى الوراء، لأنها صُنعت للمضي في اتجاه واحد، ولم نسمع يوما عن أحد عقارب الساعة يطلب الدوران عكس حركة العقارب الأخرى.
من يدَّعون النضال من عواصم أوربية أو عربية، ليسوا صادقين تماما في تلك الدعاوى، ولم يكونوا يوما من أنصار المواطن المغلوب، بل إنهم عندما كانوا هنا كانوا في صف السلطة، وشارك عدد منهم في التأسيس للوضع الحالي، وبالتالي هم يبحثون عن دور في مرحلة قادمة ليس إلا.
لنقف جميعا ونعارض، لكن بمسؤولية دونما إقصاء للآخر. لنعارض من أجل بقاء اليمن معافى موحدا. لن نسمح لأحد أن يسرق أحلامنا. لنعبر عن قناعاتنا من هنا. لنتقاسم الرغيف والحب ونحتمل الألم، ونقول جميعا للظالم أيَّاً كان: إلى هنا ويكفي. لكن لا يلغي بعضنا البعض.
لن نسمح لتجار الحروب أن يستخدمونا مرة أخرى، أو أن يجرونا لمربعات صراعاتهم. لقد تعلمنا أن الخاسر الأكبر هو أنا وأنت وهو وهي. أما هم، فعندما تدق ساعة الصفر لن يقفوا معنا، سيكونون أول المغادرين، حاملين معهم ما خفَّ وزنه وغلا ثمنه.
لا تمتلك فئة أو جهة -مهما كانت- الوصاية علينا، فقد ولدنا أحرارا، وسنعيش ونموت كذلك. ومن أراد أن يناضل فعليه أن يتخلى عن حياة القصور في الخارج وينزل إلى الشارع. هذا لمن يدّعى البطولة من وراء البحار، أو حتى من يعيشون خلف أسوار عالية، ويمتطون سيارات مكيَّفة، ويدَّعون احتكارنا وتمثلينا. لكننا لسنا قطيع نعاج يساق إلى المقصلة في معركة بالتأكيد ليست معركتنا. ودمتم.

 
 
 
***
 

القباطي: البرلمان في ظل تركيبته الحالية غير مؤهل لحل قضية المتقاعدين
مايو: معالجة الحكومة لقضيتهم انتقائية
* حمدي عبدالوهاب الحسامي
منذ قرابة أربعة اشهر أحال مجلس النواب قضية المتقاعدين العسكريين والمدنيين إلى لجنة الدفاع والأمن لتقصي الحقائق ورفع تقرير بذلك إلى المجلس. وإلى الآن وشكوى المتقاعدين لدى لجنة الدفاع في تجاهل برغم تصاعد احتجاجات المتقاعدين، التي بدأت أوائل العام الحالي للمطالبة بإعادتهم إلى وظائفهم السابقة التي أُقصوا منها عقب حرب صيف 94 ولم تستجب الحكومة لها.
عبدالعزيز جباري في جلسة البرلمان الأحد الماضي انتقد هيئة رئاسة المجلس لعدم سماحها بمناقشة تقرير لجنة القوى العاملة حول مستوى تنفيذ استراتيجية الاجور والوظائف، الذي أشار إلى أن وزارة الخدمة المدنية لم تطبق بعض مواد القانون.
وقال جباري: «لو كان التقرير نوقش في القاعة وتم الخروج بتوصيات تلزم الحكومة بتطبيق الاستراتيجية وتصحيح المخالفات، لما قام المتقاعدون بتظاهرتهم في ساحة العروض بمحافظة عدن التي تجمع فيها العسكريون من مختلف المحافظات الجنوبية والشرقية».
النائب محمد صالح القباطي اعتبر في تصريح ل «النداء» أن قضية المتقاعدين اكبر من المجلس في حلها ولا يستطيع اتخاذ قرار بذلك في ظل تركيبته الحالية.
شكوى المتقاعدين لم تتعامل معها هيئة الرئاسة ولجنة الدفاع بجدية حسب كلام القباطي الذي قال أيضاً أنه لا يتوقع من اللجنة عمل شيء بخصوص المتقاعدين بسبب ان أكثر من موضوع احيل إليها وتم تمييعه.
وأشار إلى أن حل قضية المتقاعدين يحتاج إلى إرادة وقرار سياسي تقتنع بمعالجة آثار حرب صيف 94 التي منها أوضاع العسكريين والمدنيين الذين ابعدوا من وظائفهم.
القرار الجمهوري بشأن اعادة العسكريين إلى اعمالهم وترقية آخرين قبل أيام من موعد تظاهر المتقاعدين السبت الماضي في ساحة العروض بعدن، وصفه القباطي بأنه تكتيكي الهدف منه إجهاض تحركات المتظاهرين لأنه شمل نخبة من المتقاعدين فيما عشرات الآلاف منهم لم يشملهم القرار.
من جهته قال النائب انصاف علي مايو أنه يحق لأي مواطن سلبت حقوقه اللجوء إلى الاعتصامات والإضرابات السلمية للمطالبة بحقوقهم.
وفي تعليقه على القرار الجمهوري بخصوص إعادة عدد من العسكريين إلى أعمالهم قال مايو لـ«النداء»: «في الوقت الذي نثمن ونقدر هذا القرار لكن للأسف الشديد هناك ملفات وقضايا ما زالت موضوعة في أدراج المسؤولين مهملة».
وأضاف أن الحكومة عند معالجتها لهذا الموضوع كانت انتقائية فقيامها بإحالة عسكريين ومدنيين إلى التقاعد وهم لا ينطق عليهم قرار التقاعد ولّد احتقاناً وتذمراً لديهم.
 
 
*******************
أبين.. إلى أين تمضي؟!
- أبين - خاص
بينما ترابط قوات من الأمن بمحافظة أبين في الرصاص بجبل المراقشة منذ ما يقرب من عشرين يوماً بهدف متابعة مطلوبين متهمين بقتل فريد صالح مجور ابن شقيقة الدكتور علي مجور رئيس الوزراء، وفي الوقت الذي كانت تجرى فيه مساع للوساطة من بعض الشخصيات الاجتماعية في أبين بهدف التهدئة، استدعى مدير الأمن العام بالمحافظة مشايخ المراقشة معرباً عن رغبته في الجلوس معهم لمناقشة الأزمة القائمة والبحث عن حلول و مخارج لتفادي أي تبعات قد تحدث.
غير أن اربعة من شيوخ المراقشة الذين لبوا الدعوة وحضروا إلى منزل مدير الأمن العام، بإشعاره إياهم أن هناك توجيهات عليا باحتجازهم، ليتم نقلهم بعد ذلك إلى قيادة اللواء إحدى المرابط في زنجبار، حيث لا يزالون محجوزين هناك.
على إثر الاحتجاز وجه ابناء المراقشة رسائل مناشدة للقيادة السياسية لإطلاق سراح مشايخهم تناقلتها بعض الصحف الأهلية. وبعد مرور يومين على تقديم تلك المناشدات صعد المراقشة وسائل الاحتجاج ليستحدثوا نقاطاً على الطريق الساحلي الذي يربط عدن بمحافظتي شبوة وحضرموت.
حصيلة التقطع الى اليوم اسفرت عن اصابة مواطن من أبناء محافظة شبوة لم يمتثل للتوقف عند إحدى تلك النقاط فباشروه بإطلاق النار.
كما وصل عدد السيارات التي تم احتجازها إلى خمس سيارات حكومية اقتيدت إلى جهات غير معروفة.
وعلى صعيد التوتر الذي تشهده أبين قامت مجموعة مسلحة بإطلاق وابل من الرصاص على مقر أمن مديرية خنفر بمدينة جعار ما بين الساعة التاسعة والعاشرة من صباح الخميس الماضي. ولم تعرف اسباب الهجوم الذي لم يسفر عن اصابات.
كما شهدت مدينة جعار نفسها اطلاق نار على سيارة تتبع ادارة المياه بالمحافظة مساء الأحد الماضي، ليتم صبيحة اليوم التالي خطف السيارة نفسها من قبل مجهولين لم تعرف بعد الجهة التي اتجهها الخاطفون ولا التحقق من هويتهم.
الثلاثاء استيقظت المحافظة على قيام عدد من المتقاعدين بقطع الطريق بين زنجبار ومحافظة عدن لتشل الحركة نهائياً بين أبين وعدن.
المتقاعدون الذين قطعوا الطريق كانوا يحتجون على وقف معاشاتهم من شهرين مضت إثر تورط القائم بصرف معاشاتهم في اقتراض مبالغ مالية من بنك التسليف على حساب مرتبات المتقاعدين دون علمهم. الأمر الذي يشير أن هناك جهات في البنك تواطأت مع صراف المتقاعدين وسهلت له مهمة الاقتراض على حساب معاشات لا يعرف اصحابها بهذه القروض.
المحافظ مجور الذي كان يسعى منذ اشتعال الأوضاع في المحافظة للتهدئة كان مبادراً عند بدء الأزمة مع قبائل المراقشة بعد حجز مشايخهم بإعطاء توجيهاته بسحب قوات الأمن المرابطة بجبل المراقشة تفادياً لأي احتكاك بعد هذا الاحتجاز.
مراقبون أكدوا أن تأجيج الأوضاع في أبين في الأيام الأخيرة الماضية تقف خلفها أطراف تسعى إلى إخراج المحافظ من المحافظة. المراقبون اشاروا إلى أن المحافظ مجور ربما يكون أكثر من غيره قادراً على العودة بالمحافظة للتهدئة وهذا على ما يبدو ما لم يرض تلك الأطراف.
 
 
 
***
 

متقاعدو أبين العسكريين يقطعون الطريق العام

- «النداء»- خاص
قام صباح أمس أكثر من خمسمائة متظاهر بقطع الطريق الرئيسي الذي يربط محافظة عدن بالمحافظات الجنوبية والشرقية من على جسر الصداقة غرب مدينة زنجبار. ومنعت السيارات والآليات من العبور عدة ساعات.
وجاء تظاهر هؤلاء وهم من متقاعدي الجيش على خلفية عدم استلامهم مرتباتهم لشهر يونيو المنصرم، ومطالبة البعض منهم بالحصول على بطاقات صرف المعاش الشهري، التي يحتجز بعضها بنك التسليف الزراعي، وبعضها لدى مندوب دائرة التقاعد بمحافظة أبين.
وكان المتقاعدون قد قاموا يوم السبت الماضي بمظاهرة احتجاج أمام مبنى بنك التسليف، وتدخلت قوات النجدة التي اطلقت الاعيرة النارية لتفريقهم، بعد حصولهم على وعود من السلطة المحلية بحل مشكلتهم. ومضى على تواجدهم في عاصمة المحافظة زنجبار التي قدموا اليها من مديريات متباعدة أخرى.
وعلمت «النداء» ان هناك خلفيات أخرى تقف خلف اشكالية عدم دفع مرتبات هؤلاء ترجع إلى قيام مندوب دائرة التقاعد العسكري باستخراج قروض من البنك بأسماء كثير من المتقاعدين دون علمهم، وقام باستثمارها لصالحه، وتكشفت على أثر ا لإجراء القاضي بصرف مرتبات المتقاعدين عبر البنك أو البريد بدلاً من الصرف بواسطة المندوب الذي كان يقوم بالتغطية علىالقروض بدفع الراتب كاملاً لأصحابها.
وقامت أجهزة الأمن بالقبض على المندوب منذ السبت ولا يبدو ان المباحث تريد استكمال التحقيق معه والجهات الأخرى لاغراض أخرى.
وأمهل المتقاعدون السلطة حتى اليوم الأربعاء قبل أن يصعدوا إضرابهم باشكال أخرى كما قالوا.