ذكرى خطاب الحرب
مكثتُ بعض الوقت، أتجول في الميدان المزدحم بالناس المحشودين للمناسبة والفعالية التي لم تكن احتفائية كما بدت، بقدر ما كانت، بما تلاها، إرهاصًا تصعيديًا لمرحلة قادمة من العنف، ومثلت نقطة تحول الأزمة السياسية التي سادت المرحلة الانتقالية التي أعقبت إعادة توحيد اليمن، في 22 مايو 1990، إلى حالة حرب بين الوحدات العسكرية والقوات التابعة لشركاء الوحدة، في صيف قائظ لم تلتئم تقرحات حرارته في جسد الوطن اليمني الذي لم يتعافَ من أهوال الحروب المتناسلة والمتعاقبة هنا وهناك، ولم تغادره أرجاءه الأزمات والانقسامات، ولم يعهد وضعًا صحيًا في العلاقات القائمة على الصراع بين أبنائه، تحت عناوين شتى، تغذيها تدخلات الخارج، وتسعرها أدوات الداخل.
ما إن صعد صالح إلى المنصة، حتى قررتُ شق طريقي بين الحشود، المكتظ بها ذلك الميدان الذي ارتبط في الأذهان كعنوان للتحشيد الجماهيري الموجه سلطويًا، وغادرتُ المكان الذي شهد يومها خطابًا ناريًا تضمن هجومًا وتحريضًا على شريك الوحدة: الحزب الاشتراكي اليمني، والقيادات الجنوبية المشاركة في دولة الوحدة، وبات يُعرف بـ"خطاب الحرب". وهي الحرب التي اندلعت شرارتها بعد ذاك اليوم بقليل (4 مايو 1994)، في محافظة عمران، بين معسكرين يتبع كلٌّ منهما أحد طرفي الأزمة، واستمرت دورتها الطاحنة إلى يوم دخول "القوات الشمالية" مدينة عدن؛ حاضرة الجنوب، في 7 يوليو 1994؛ اليوم الذي طبع أثره البارز والعميق في جسد الوحدة اليمنية، تختلف وجهات النظر إزاءه بحسب موقع ودور كل طرف في مجريات أحداثه، وموضعه أو ما ناله من مآلات ونتائج ما بعده.