اتفاق مسقط بين الشك واليقين
بمجرد سماع خبر اتفاق مسقط، سادت أجواء من الأمل والتفاؤل في الشارع اليمني، كله وتحديدًا في أوساط أهالي الأسرى والمعتقلين، وأنا وأفراد أسرتي ممن تغشتهم الفرحة، وتغشاهم الأمل الفسيح بالفرج القريب بعودة أولادنا إلينا.
وبحجم هذا الاستبشار الذي عم الناس وفرحتهم باتفاق إطلاق الأسرى والمعتقلين، جاء وبحجمه قلق يساور الأسرى والمعتقلين وأسرهم، فبينما يفرح الناس بالاتفاق يظل القلق هو السائد!
القلق من أن يكون هذا الاتفاق مجرد خدعة سياسية أخرى!
فأنا وأسرتي كما هو حال كل أسر الأسرى والمعتقلين يتجاذبنا الأمل والخوف معًا، مشاعر متضاربة في انتظار الفرج والإفراج، محكومة بمشاعر الأمل والخوف معًا كلاهما تتنازعنا!
فالخبر عن قرب الإفراج عن أبنائنا وإخواننا وآبائنا قد أحيا في وعينا الأمل مجددًا، ولكن الخوف من عدم إتمام الاتفاق وخرقه مثل سابقاته يلقي بظلاله على هذه الفرحة بسبب احتمالات تعنت وتصلب أعضاء اللجان في مواجهة بعضهم البعض.
فيا له من مشهد مأساوي، حيث يجلس أطراف حوار مسقط، كلهم يبتسمون لبعضهم البعض، ويبتسمون لكاميرات المصورين، ويتصافحون، ويعلنون نجاحاتهم في التوصل إلى اتفاقات تاريخية، ولا ندري هل هم كلهم حقًا صادقون أم بينهم من هم قليلو دين؟ هل جميعهم يحترمون فعلًا مشاعر الأسرى والمعتقلين ومشاعر أسرهم، أم فيهم من لهم قلوب أشد من الحجار قسوة؟
هكذا هي مشاعر الأسرى والمعتقلين، وهكذا هي مشاعر أسرهم، وستظل حتى تمام تنفيذ الاتفاق بعد شهر وخمسة أيام بحسب إعلان المتحاورين!
وأنا أخشى أن يكون غبائي الاختياري الذي أخبرتكم عنه في منشور سابق قبل يومين، قد قادني إلى طاولة الغباء الإجباري، وأجد بعد استبشاري وفرحي أن الجميع يلعبون لعبة السياسة، ويستخدمون الأسرى والمعتقلين كأوراق ضغط لتحقيق مكاسب سياسية، ولا أدري هل يكون اتفاق مسقط هذا بداية نهاية الأزمة أم بداية جديدة لصراع قادم؟
أعضاء اللجان وحدهم من بأيديهم أن يجيبوا على هذه التساؤلات، ومن بأيديهم أن يبددوا الشكوك، ويجعلوا اليقين ينتصر على الشك بأسلحة من الرحمة، والعدل، والإنسانية إن كان لها وجود في وعيهم!
لنا رصيد لا بأس به من الخيبات في التعامل مع هذا الملف الإنساني من قبل الساسة، ولا يمكنني الآن أن أتذكر اتفاقات سابقة لتبادل الأسرى في دول أخرى تم الإعلان عنها كنجاحات كبيرة، وتبين فيما بعد عدم جديتها، غير اتفاق تبادل الأسرى بين إسرائيل وحزب الله في عام 2004، والذي تم الإعلان عنه وتسويقه إعلاميًا كنجاح كبير، وفي النهاية تبين أن إسرائيل لم تلتزم ببنوده، ومن ثم لقي حتفه، ولا غرابة، فإسرائيل عادتها التحايل والخبث، وسجيتها، أما الكذب، فهو متأصل فيها، لكننا نحن اليمنيين مختلفون تمامًا. أو ما رأي حاملي الملف من جميع الاطراف؟!
ولا أخفي أحدًا أن القلق يساورني، وأخشى أن يكون اتفاق مسقط مماثلًا لهذه الاتفاق، حيث يتم الإعلان عن نجاحات إعلامية كبيرة، وفي النهاية لا يتم تنفيذها، وكل طرف يتهم الآخر بالعرقلة والمماطلة كما عودونا، فهل سيكون الحال كذلك، ويتم إعلان فشل الاتفاق؟
إن شاء الله لا. لن يكون كذلك.
وبكل أمانة ففي اتفاق مسقط اختبار جدي وجديد لمدى مصداقية الطرفين في إغلاق أحد أكثر الملفات الإنسانية تعقيدًا بفعل تعنتهم مع بعضهم البعض، وبفعل خبث كبار ساستهم، فهذا اختبار لهم بعد سنوات من التعثر والفشل، وأرى في الوقت نفسه أن الاحتمالات المختلفة لمآل هذا الاتفاق كلها مفتوحة، فقد يتم تنفيذ الاتفاق، ويتم إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، وقد يتم التنصل من الاتفاق، ويتم إعلان فشله، وقد يتم تأجيل تنفيذ الاتفاق، ويتم استخدام الأسرى والمعتقلين كأوراق ضغط لتحقيق مكاسب سياسية، وقد يكون استخدام الاتفاق مجرد خدعة لتحقيق مكاسب سياسية، ويتم التنصل منه فيما بعد!
ولإنجاح وإتمام صفقة التبادل هذه يجب أن يتحمل المجتمع الدولي جزءًا من مسؤولية إنجاحها وإتمامها، ولو بممارسة الضغط الكافي على أطراف النزاع -إن لم يكن له يد آثمة في العرقلة- بحيث لا يظل هذا الملف مربوطًا بنتائج الصراع العسكري والميداني، ولا تطورات الأحداث في المنطقة، ولا بمطالب معقدة، تشمل إدراج أسماء لا وجود لها عند هذا الطرف أو ذاك، بزعم أنهم أسرى أو معتقلون عند الطرف الآخر، من باب المماطلة والتعنت، ودون تقديم أدلة على ذلك الزعم، أو رفض أي طرف إدراج أسماء مختطفين بحجة أن لهم قضايا خاصة منظورة أمام القضاء أو أنهم لا يتبعونه، ولا يعلم عنهم شيئًا رغم وجود الأدلة والقرائن على تبعيتهم له.
وبحسب مصادر إعلامية محايدة "فسيكون العبء الأكبر في نجاح الاتفاق وتنفيذه على عاتق الوسطاء الدوليين، وفي مقدمتهم مكتب المبعوث الأممي واللجنة الدولية للصليب الأحمر، لضمان تنفيذ الاتفاق، ومنع أي طرف من الالتفاف عليه، ووضع آلية زمنية واضحة تبدأ بتجميع الأسرى والمختطفين المعتقلين في نقاط محددة، ومطابقة القوائم، وتحديد يوم البدء بعملية التبادل".
في النهاية، لا يمكنني إلا أن أظل متمسكًا بالتفاؤل رغم علمي البديهي أن السياسة هي لعبة قذرة، وأن الأسرى والمعتقلين ومعهم نحن أفراد أسرهم الضحايا الأوائل لخُبث السياسيين الظاهرين منهم وغير الظاهرين، ولا يمكنني رغم كل ذلك إلا أن أتمنى ألا يكون الحال كذلك، وألا يكون غبائي الاختياري قد قادني إلى طاولة الغباء الحقيقي الإجباري، غير أن فرحتي وأفراد أسرتي كسائر أسر الأسرى والمعتقلين لا ولن تكتمل إلا برؤية أبنائنا وإخواننا وآبائنا الأسرى والمعتقلين معنا في بيوتهم وسط عوائلهم.
وأختم مقالتي هذه ببرقية عاجلة إلى الإخوة المحترمين أعضاء لجان الأسرى والمعتقلين، أناشد فيهم ضمائرهم الحية والإنسانية الرحيمة، أن يتوقفوا عن تسييس ومذهبة وتخريب هذا الملف الإنساني (ملف الأسرى والمعتقلين)، وأن يضعوا حدًا لمعاناتهم ومعاناة أسرهم، فهم في الأول والأخير آباء وأبناء وإخوة لهم، وبيدهم لا بيد غيرهم أن يثبتوا جدارتهم لعمل الخير برفع معاناتهم!
والله وحده نعم المولى ونعم النصير!