النداء الأخير إلى صانع القرار في المملكة العربية السعودية:
عودة الشرعية الدستورية في اليمن ليست خيارًا سياسيًا... بل ضرورة أمن قومي
إلى صانع القرار في الرياض، ما يجري في اليمن اليوم لم يعد يحتمل اللغة الدبلوماسية، ولا بيانات التهدئة، ولا إدارة الأزمة بعقلية الوقت الضائع. اليمن ينهار كدولة، ويتفكك ككيان، ويُعاد تشكيله كساحة نفوذ معادٍ لمصالح المملكة العربية السعودية، تحت سمع وبصر الجميع، وبغطاء سياسي تتحمل الرياض جزءًا مباشرًا من مسؤوليته.
إن الإصرار على الإبقاء على ما يسمى «مجلس القيادة الرئاسي»، لم يعد خطأً سياسيًا فحسب، بل مجازفة خطيرة بالأمن القومي السعودي. هذا الكيان لا يمتلك شرعية دستورية، ولا قاعدة شعبية، ولا قرارًا سياديًا. هو مجلس متصارع داخليًا، مرتهن خارجيًا، وعاجز عن إدارة دولة أو حماية وحدة أو خوض سلام أو حرب. الاستمرار في دعمه يعني الإصرار على إدارة الفشل بدل إنهائه.
عودة الشرعية الدستورية: قرار لا يقبل التأجيل
يجب أن يكون واضحًا في الرياض أن عودة الشرعية الدستورية اليمنية كاملة السيادة مستقلة القرار.. لن يكون بندًا تفاوضيًا، ولا ورقة ضغط، ولا خيارًا مؤجلًا.
إنها الطريق الوحيد المتبقي لمنع الانهيار الشامل.
فأي صيغة سياسية تتجاوز الرئيس الشرعي والدستور اليمني هي صيغة فاقدة للشرعية. غير قابلة للاستمرار، وستسقط، حتمًا، لكن بعد أن تترك وراءها فوضى ودمارًا سيدفع ثمنه الجميع.
إن إلغاء مجلس القيادة الرئاسي، وسحب التفويض عنه، وعودة الرئيس الشرعي ومؤسسات الدولة اليمنية الدستورية إلى ممارسة مهامهم،من الارض اليمنية هو الحد الأدنى الضروري لإعادة بناء الدولة اليمنية، وأي التفاف على هذا الاستحقاق هو إطالة متعمدة للأزمة، وتوسيع لدائرة الخطر.
الحقيقة التي يتم تجاهلها في الرياض
ما يحدث في اليمن اليوم ليس مجرد توازنات تحالف، إنه مشروع إقليمي لإعادة رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة برمتها.
فدعم المليشيات المسلحة، وتمكين المشاريع الانفصالية، والسيطرة على الموانئ والجزر والسواحل اليمنية، سيخلق واقعًا جديدًا:
* اليمن لن تكون دولة.
* البحر الأحمر لن يكون عربي القرار.
* باب المندب لن يبقى تحت سيطرة آمنة.
و"إسرائيل" ستكون لاعبًا حاضرًا، لا مراقبًا بعيدًا.
وهنا السؤال المصيري: هل ستقبل المملكة العربية السعودية أن يُدار أمنها البحري والجنوبي من خارج إرادتها؟
المخاطر المباشرة على السعودية
إذا استمر هذا المسار، فإن المملكة تواجه سيناريو بالغ الخطورة:
1. يمن مفكك يتحول إلى مصدر تهديد دائم.
2. حدود جنوبية مشتعلة بلا أفق زمني.
3. استنزاف اقتصادي وعسكري طويل الأمد.
4. تحجيم الدور السعودي الإقليمي لصالح قوى أخرى.
5. تآكل القرار السيادي تدريجيًا تحت ضغوط الواقع المفروض.
6. فرض مسارات سياسية مستقبلية على المملكة، قد لا تنسجم مع تاريخها ولا مصالحها ولا ثوابتها.
إن أخطر ما يمكن أن تواجهه دولة بحجم السعودية هو الخطأ في تشخيص الخطر الحقيقي.
واليمن، بصيغته الحالية، لم يعد عمقًا استراتيجيًا للمملكة، بل يتحول بصمت إلى خاصرة مستباحة.
ما المطلوب الآن... بلا تردد؟
إنقاذ اليمن، وحماية السعودية، يمران عبر قرارات واضحة لا تحتمل التأجيل:
أولًا: الاعتراف الصريح بفشل مجلس القيادة الرئاسي وإنهاء وجوده سياسيًا.
ثانيًا: العودة الفورية إلى الشرعية الدستورية اليمنية بوصفها الإطار الوحيد القابل لتسيير شؤون اليمن.
ثالثًا: تشكيل حكومة وطنية يمنية جامعة بعيدًا عن المليشيات والولاءات الخارجية، تمثل جميع محافظات الجمهورية.
رابعًا: وقف أي دعم أو تغطية سياسية لمشاريع التقسيم مهما كانت الجهة الراعية لها.
خامسًا: الانتقال من سياسة الوصاية إلى الشراكة الاستراتيجية مع اليمن كدولة لا كساحة.
سادسًا: وهو المهم؛ إشراك الشخصيات السياسية والواجهات اليمنية، وفتح الباب أمام صناع السلام ممثلًا بالهيئة الوطنية للمصالحة اليمنية لإدارة ملف السلام اليمني بدعم شامل وكامل ماديًا ولوجستيًا.
وأخيرًا، على الإخوة في المملكة العربية السعودية أن يؤمنوا إيمانًا حقيقيًا بأن اليمن ليس عبئًا على السعودية... اليمن هو خط الدفاع الأول عنها.
وإضعاف اليمن، أو تفكيكه، أو الالتفاف على شرعيته الدستورية، هو إضعاف مباشر للمملكة نفسها، مهما بدا العكس في الحسابات قصيرة المدى.
التاريخ لا يرحم من يتجاهل الإنذارات.
والجغرافيا لا تغفر الأخطاء المتكررة.
والوقت... لم يعد في صالح أحد.
عودة الشرعية الدستورية اليمنية أمر حتمي.
وأي تأخير في إدراك ذلك، سيجعل كلفة التصحيح أعلى بكثير مما يتصوره صانع القرار!
حفظ الله اليمن وشعبه.