صنعاء 19C امطار خفيفة

عبد الحافظ هزاع.. وداعًا

عبدالحافظ هزاع
مجرد قراءة مقال العزيز عبد الباري طاهر، الذي نقل إلينا نبأ رحيل الرمز الوطني الصامت، انتابني حزن عميق تملكني، كأني لا أصرخ حزنًا. قلت: يا زمن، ها قد فقدنا آخر رمز حملنا له أجمل الذكريات. الثناء كان رمزًا، أقول رمزًا لأنه فعلًا كان رمزًا مناضلًا، تتدثره البساطة أولًا، والعزيمة الصامتة ثانيًا وثالثًا ودائمًا.
تعرفت عليه من زمن مبكر، وأنا أخطو بداية مشوار حياتي، بذات الوقت الذي تعرفت فيه عن قرب بالشخصية الوطنية الرفيق الراحل سيف أحمد حيدر، وتوطدت علاقتي بالرجلين من حينها وازدادت توثقًا مع الأيام، سواء كانت لقاءات تجمع بيننا، أما بعدن أو صنعاء أو القاهرة.
الراحل عبد الحافظ هزاع، كما تعرفت عليه مبكرًا، كان يسكن قبلنا بحي المنيل بالقاهرة، حي تجمع أغلب الطلبة اليمنيين من كل أرجاء اليمن جنوبًا وشمالًا، وتوثقت علاقتي به لأنه تواجد قبلي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، قسم علوم سياسية، بينما فضلت دراسة علم الاقتصاد، قسم العلوم الاقتصادية.
أيامها كانت الحركة الطلابية تعيش مخاضات التكوين؛ المعاضد لسبتمبر، ثورة تجابه الصراعات، وأكتوبر تتطور دعمًا لاستكمال مهام التحرير. وكانت أول فرصة لي للالتقاء والتعرف على القامة الوطنية الراحل الأستاذ عبدالله عبد الرازق باذيب بالقاهرة تلك الأيام. كان واسطتنا للتعرف عليه هو الراحل عبد الحافظ هزاع، وكانت أول فرصة لي لولوج معترك الحياة السياسية الوطنية.
يومها تم تكوين خلية يسارية رباعية يشرف عليها الراحل عبد الحافظ هزاع، مكونة من الأسماء التالية:
الأخ العزيز الرمز الوطني عفيف عبدالله إبراهيم، أطال الله عمره، والذي أصبح فيما بعد عضوًا بالمكتب السياسي لاتحاد الشعب الديمقراطي وعضوًا لأول مجلس شعب بالجنوب بعد الاستقلال، هو والراحل د. عبدالرحمن عبدالله إبراهيم.
المرحوم المستشار القانوني علي حسين أبوبكر.
العزيز القانوني محمد العمري.
علي عبد الكريم.
المرحوم عبد الحافظ غادر القاهرة مبكرًا، مثلما غادرها الراحل المرحوم سيف أحمد حيدر، الذي أسرني على ما أذكر وهو مغادر القاهرة إلى صنعاء أن هناك خطوات تتسارع بصنعاء لقيام حزب اليسار، مهمته لمّ شمل شرائح اليسار في إطار واحد. وظلت مراسلاتي معهما تتم عبر الأخ العزيز محمد عبدالوهاب القدسي، المستشار القانوني، أطال الله بعمره.
أسرد ما ذكرته والحزن يأخذ مأخذ الحزن الشديد لرحيل الراحل عبد الحافظ، الذي اعتبره أستاذًا تتلمذت على يديه. كان مثالًا للصدق، للنزاهة، محبًا للوطن، غيورًا على وحدته. وكم كانت سعادتي غامرة حين دفعته رياح السياسة والمتابعات لزيارة عدن، التقيته وزرنا معًا أستاذنا الكبير عبدالله باذيب، ثم كان له لقاء موسع مع إطارات الشبيبة بمنزل عزيزنا عفيف عبدالله إبراهيم بخورمكسر.
ولا أنسى أبدًا اللقاء الحميم الذي جمعنا معًا مع فقيدنا الراحل المرحوم فضل سعيد عاطف ببيتي بالشارع الرئيسي بالمعلا. عبد الحافظ هزاع رمز مؤسس من رموز الحركة اليسارية اليمنية التي تشرفت بالانتماء المبكر إليها عبر راحلنا عبد الحافظ الذي نفتقده.
رحيل عبد الحافظ هزاع صدمني كما صدمني نبأ وفاته، خاصة وأن أخباره انقطعت، وكنت غالبًا ما أتعرف على أحواله من قبل الأخ العزيز حسين حسن فعطبي، زميل عمله بالبنك المركزي اليمني صنعاء. الراحل فضل حالة الانزواء، وكنت أستقصي أخباره كلما زرت صنعاء من الزملاء.
لن ننساه، ولن ينساه وطن ظل مخلصًا لقضاياه في التحرر والتنمية، خاصة حين خاض تجربته مع تجربة فترة الرئيس المغدور إبراهيم الحمدي، حين شارك بحيوية بمهام وتطلعات التجربة التعاونية التي أرستها فترة الشهيد الحمدي القصيرة.
هي لحظة حزن نعيشها حزنًا على رحيله، رحيل يشدنا لزمن جميل تبلورت به قيم، وتكونت عبرها رموز وطنية كثيرة نكن لها كل الاحترام. فإلى جانب عزيزنا عفيف، هناك لا يزال بيننا الأخ والزميل والرفيق عبدالله حميد العلفي، الذي التقيته قبل بالقاهرة بمعية الأخ والرفيق علي محسن حميد. كما لا تزال بالذهن راسخة صورة وذكرى الأخ العزيز مطهر الحيفي، أطال الله عمره، والأخ العزيز أبو غسان، السفير علي محسن حميد، زميل الدراسة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وزميل العمل الذي شرفني وجوده يوم كنت أمينًا عامًا مساعدًا بجامعة الدول العربية.
يا لها رحلة زمن غابت عنا رموز وطنية ليس آخرها، أقول حقًا، الأستاذ عبد الحافظ هزاع. رحمة الله عليه، والتحية مهداة لمن عزاه قبلنا، أستاذ الجيل عبدالباري طاهر، أطال الله عمره.

الكلمات الدلالية