رائدات في ظروف غير مواتية 15: برنامج على نطاق المدينة وخلاصات حول المشروع
تتناول المؤلفة في هذا الجزء الفترة المرحلة الأكثر طموحاً وتعقيداً، حيث تم دمج المشروع بالكامل في مكتب الصحة بالحديدة بهدف تحقيق "الاستدامة". وتحلل القسم التحديات التي صاحبت هذا الدمج، مثل الصراعات الإدارية والبيروقراطية، وإدخال مفاهيم جديدة سائدة في خطاب التنمية آنذاك مثل "استعادة التكلفة" و"المشاركة المجتمعية". كما يشير إلى التحول الاستراتيجي الأهم في هذه المرحلة، وهو قرار وزارة الصحة بوقف تدريب المرشدات والتحول إلى تدريب "قابلات المجتمع"، مما شكل نقطة تحول مصيرية لمستقبل مهنة المرشدة.
ومن ثم تقدم خلاصة تحليلية للفصل بأكمله، حيث تربط بين المراحل المختلفة للمشروع وخطابات التنمية الهولندية المتغيرة. ويؤكد على النتيجة الرئيسية للفصل، وهي أن تأثير السياسات الرسمية للمانحين كان محدوداً مقارنة بالتأثير الحاسم الذي لعبته شخصيات الأفراد العاملين في المشروع والأحداث المحلية والوطنية الكبرى. ويوضح أن العديد من التحولات الهامة، مثل تدريب النساء وتوليهن مناصب قيادية، كانت نتائج غير مخطط لها فرضتها الظروف المحلية أكثر من كونها تطبيقاً لأجندة تنموية مرسومة مسبقاً.
هذا الكتاب
4.4 برنامج على نطاق المدينة (1993–2000)
بدأ مشروع الرعاية الصحية الأولية الحضرية بالحديدة في أغسطس 1993 كجزء مكمل لمكتب الصحة بمحافظة الحديدة وصار له مكتب خاص وموظفون "يشكل مكتب الصحة بالحديدة محور أنشطة المشروع وهو مركز التخطيط للمشروع واهم منفذيه والمشرفين عليه"(Hodeida Health Office 1993). كان دمج المشروع في مكتب الصحة بالحديدة ضرورياً لضمان "استدامة" المشروع، تلك الكلمة المفتاحية في خطاب التنمية في التسعينيات.
واستوجب ذلك تبني مقاربة الرعاية الصحية الأولية الحضرية كما تم تطويرها في نموذجي الغليل والمغتربين التجريبيين كسياسة رسمية لمكتب الصحة بالحديدة. وكان مدير مكتب الصحة بالحديدة هو المسؤول عن إدارة المراكز الصحية وبالتالي أصبح المسؤول عن البرنامج على نطاق المدينة. بنهاية عام 1989 حل حامد حسن محل عبد الله احمد كمدير للمشروع وبقي في منصبه حتى أغسطس 1993 حيث حل محله عبد الحليم رمزي الذي رعى إنشاء إدارة جديدة في مكتب الصحة بالحديدة سميت "إدارة الرعاية الصحية الأولية الحضرية" تولت مسؤولية الإشراف على المراكز الصحية وعين حامد حسن مديرا لهذه الإدارة وأصبح بول فيلن مستشارا له. استبدلت تسمية "المشروع الحضري" (الاسم الشائع للمشروع) بـ "البرنامج الحضري" لتوضيح فكرة أن المشروع قد أدمج بالكامل في مكتب الصحة بالحديدة لتعزير حس ملكية المشروع وأنشطته وسط العاملين فيه.[116] لكن استمرار الحكومة الهولندية كممول رئيسي للبرنامج ووجود الخبراء الهولنديين فيه جعل من الصعب إبعاد صلة هولندا بالبرنامج من أذهان الناس الذين استمر غالبيتهم في تسميته بالمشروع الهولندي.
استدعى توسيع برنامج الرعاية الصحية الأولية الحضرية لكل المراكز الصحية في المدينة العديدة من التعديلات في هذه المراكز، حيث أعيد توزيع العاملين ليعمل في كل مركز صحي بواقع ست مرشدات وقابلة واحدة. في المراكز الثلاثة الرئيسية عملت ثمان مرشدات، قابلة، مشرفتان، طبيب، مساعد طبي، طبيب أسنان، صيدلي، مساعد صيدلة، فني مختبر، مساعد فني مختبر وعاملة حضانة. وزعت المرشدات اللواتي تدربن في الغليل والمغتربين على بقية المراكز لتوجيه المرشدات اللواتي تم تدريبهن بواسطة منظمات أخرى وعينت إحدى المرشدات كمسؤولة عيادة في معظم المراكز. في المراكز التي كان يديرها ممرضون وأطباء عملت مسؤولات العيادات في إدارة خدمات رعاية الطفولة والأمومة بينما تولي المديرون الرجال تقديم خدمات الصحة العلاجية.
تلقت مسؤولات العيادات، اللواتي تم تعيينهن مؤخرا، دورة تدريبية لأسبوعين في إدارة العيادات الصحية وشُكل فريق من عشرة مرشدات للإشراف على العمل وتولت ثيرا دي هاس وفاطمة سالم الإشراف على الفريق وخصص لهما مكتب في مكتب الصحة بالحديدة. وبالرغم من أن ثيرا وفاطمة كانتا تابعتين لإدارة الرعاية الصحية الأولية الحضرية إلا انهما عملتا بالتعاون الوثيق مع إدارة رعاية الطفولة والأمومة التي كانت ترأسها ممرضة / قابلة يمنية. القابلة الهولندية التي عملت في المشروع منذ عام 1990 غادرت عام 1993 قبل توسيع البرنامج ولم تعين بديلة هولندية لها، لكن عدد من الخبراء الذين كانوا يعملون في منظمة غير حكومية بريطانية انضموا للبرنامج وعمات أربع قابلات[117] كمسؤولات عن التدريب والإشراف، وعملت اختصاصية سكانية هولندية على مساعدة قسم الإحصاء بمكتب الصحة بالحديدة. وبقيت أنا في الحديدة بعد إنهاء الجزء الكمي في بحث تحليل الفقر لأعمل في مشرع بحث نوعي حول التغذية وعادات تغذية الأطفال وسط فقراء الأحياء العشوائية.
عند نشوب الحرب الأهلية بين جيشي اليمن الشمالية والجنوبية في مايو 1994 غادر الخبراء الأجانب اليمن وكانت تلك نهاية عهد بول فيلن بالمشروع لأنه قرر مغادرة اليمن نهائيا وعين بدله خبير بريطاني ذو خبرة طويلة في مشاريع التنمية في المناطق المحتلة في فلسطين. بعد عودة الخبراء الأجانب إلى اليمن في سبتمبر 1994 بدأ تنفيذ الأنشطة المخططة لها حيث تم صيانة كل المراكز الصحية تقريبا وتوسيعها وتجهيزها بالأجهزة والمعدات الضرورية. كما تم رسم خارطة جديدة لكل أحياء المدينة وتقسيمها لمناطق وأقسام وتقرر توسيع نظام المعلومات الصحية لتشمل كل المدينة وتزويد كل الأسر في المدينة ببطاقة صحية على أن يكون البرنامج بكامله تابعا لمكتب الصحة بالحديدة وان تتكامل خدمات الصحة الوقائية والعلاجية. وتقرر أيضا إنشاء برنامج للأدوية الأساسية لضمان توفر الأدوية الأساسية للأمراض البسيطة في كل المراكز الصحية الرئيسية والفرعية.
كانت عملية دمج البرنامج في أنشطة وبنية مكتب الصحة بالحديدة عملية شاقة وبطيئة. طور روى ستوفز المستشار البريطاني الجديد للبرنامج علاقات طيبة مع المدير العام لمكتب الصحة بالحديدة لكن على حساب علاقته بنظيره اليمني حامد حسن الذي كان قلقا من أن يخسر نفوذه لصالح مدير عام مكتب الصحة بالحديدة ويتملكه شعور بأنه مهدد وبينما كان يتمتع بعلاقة طيبة نسبيا مع المدير العام السابق لمكتب الصحة بالحديدة فقد قلل من اتصالاته بعبد الحليم رمزي المدير العام الجديد واتخذ العديد من القرارات حول المشروع بمفرده، كما تدهورت علاقته بروي ستوفز لأنه لم يقبل أن يناقش الأخير أمور البرنامج مع مدير عام مكتب الصحة بالحديدة بدلا من بحثها معه ونجم عن ذلك صراع على السلطة تأثر به كل شيء وكل شخص في البرنامج تقريبا وتغيرت العلاقات الطيبة التي كانت تسود في مشروع الرعاية الصحية الأولية الحضرية بالحديدة تدريجا لتصبح علاقات شائكة ومعقدة.
في ربيع عام 1996 عين عبد الحليم رمزي طبيبا شابا مديرا للبرنامج بدلا من حامد حسن. كان هذا الطبيب الشاب قد التحق بإحدى المراكز الصحية ثم عين نائبا لمدير البرنامج. ويعزى فصل حامد حسن من وظيفته كمدير لبرنامج الرعاية الصحية الأولية الحضرية إلى تحديه المستمر لسلطات مدير عام مكتب الصحة بالحديدة لأنه كان يتصرف كمن لا رئيس له وكان حصوله على أكبر وأغلى سيارة تابعة لمشروع الرعاية الصحية الأولية الحضرية بالحديدة القشة التي قصمت ظهر البعير[118].
لم يكترث روى ستوفز بفصل حامد حسن وكان سعيدا بتعيين يوسف القادري مديرا لإدارة الرعاية الصحية الأولية الحضرية بالرغم من أن الأخير كان يفتقر إلى الخبرة في مجال الرعاية الصحية الأولية فيما كان حامد حسن قد اكتسب معرفة ودراية بالعمل بمرور الوقت. بفصل حامد حسن بدأت مرحلة جديدة من تاريخ المشروع، فقد لعب حامد وبول فيلن دور الآباء بالنسبة للمرشدات والنساء الأخريات في المراكز الصحية بيمن عجز روى ستوفز ويوسف القادري على اكتساب ثقة مماثلة بينهن، ولأنهما كليهما كانا جديدين على المشروع ولم يشاركا في صنع تاريخه ولم يوفقا في التعرف إلى أسباب ومبررات بعض القواعد والنظم المتبعة وقد أدي ذلك في السنوات اللاحقة على نشوب سلسلة من التوترات والمشكلات مع ثيرا دي هاس وفاطمة سالم والمرشدات اللواتي تم تدريبهن وتوظيفهن في الدفعتين الأولى والثانية من المشروع.
على أية حال، عمل روى ستوفز ويوسف القادري بانسجام وطورا علاقات ممتازة بإداريي مكتب الصحة بالحديدة ووزارة الصحة العامة في صنعاء وكونت لجنة إدارية للبرنامج في الحديدة ولجنة تسيير في صنعاء تضمان كبار المسؤولين في الوزارة على المستويين. لكن على المستوى المحلي في مكتب الصحة بالحديدة بقي برنامج الرعاية الصحية الأولية الحضرية مشروعا أجنبيا لديه أموال طائلة وبقيت الخلافات مع الإدارات الأخرى في مكتب الصحة بالحديدة. وكان تشييد مبنى خاص للبرنامج في مكتب الصحة بالحديدة مزودا بالكراسي والطاولات والستائر والكمبيوترات وآلات التصوير بينما تفتقر بقية الإدارات إلى كراس كافية سببا في تفاقم هذه الخلافات. كان العاملون بمكتب الصحة بالحديدة يحسدون العاملين في برنامج الرعاية الصحية الأولية الحضرية ويطالبون بمخصصات إضافية إذ طلب منهم التعاون مع البرنامج.
وكان تأسيس نظام استعادة التكلفة والمشاركة المجتمعية من أهم أنشطة المرحلة الثالثة للمشروع أيضا. وكان استعادة التكلفة بشكل رسوم قليلة مقابل الخدمات وصندوق الأدوية الدوار يستهدف ضمان استمرارية أنشطة الرعاية الصحية الأولية في المستقبل. كانت وزارة الصحة العامة اليمنية تفتقر إلى الموارد المالية الكافية لاستدامة أنشطة البرنامج لذلك تقرر جمع رسوم قليلة من المستفيدين من خدمات المراكز لتغطية جزء من التكلفة التي يدفعها المانحون الأجانب في الوقت الراهن[119] كما كان هنالك هدف آخر لنظام استعادة التكلفة وهو أن يكون للمجتمع المحلي دورا في إدارة الأموال التي تجمع بنظام استعادة التكلفة.
بالرغم من أن العاملين في المشروع كانوا مقتنعين بان المشاركة المجتمعية في البرنامج عنصر أساسي في الرعاية الصحية الأولية إلا انه لم تتخذ أية خطوات في السابق لتحقيق هذا الهدف، وقد عزى فيرست موللر هذا الوضع إلى قلة معلوماتهم عن تنظيم هذه المجتمعات وإمكانية مشاركتها. وكان لموللر خبرة طويلة في تنظيم المجتمعات المحلية في أمريكا اللاتينية لكنه لم يكن يعرف ما إذا كانت تجارب أمريكا اللاتينية صالحة للتطبيق في اليمن، ولذلك أجلت أنشطة المشاركة المجتمعية إلى أن يعين البرنامج أنثروبولوجيا متفرغا، وبالرغم من ذلك فقد كانت الطريقة التي ستنظم بها المشاركة المجتمعية قد حددت سلفا وهي تشكيل لجان صحية تتكون من خمسة أعضاء من سكان الحيّ لتمثيل سكان الحيّ في إدارة المراكز الصحية.
كان تشكيل هذه اللجان التي سميت لاحقا باللجان الصحية المحلية واحدة من أهم واجباتي في البرنامج عندما عدت إلى الحديدة في أكتوبر 1994. بالتعاون مع المرشدات في المراكز الصحية طورت طريقة للتعرف على آراء سكان الأحياء حول نظام استعادة التكلفة وتكوين اللجان الصحية المحلية. دربت المرشدات على تنظيم وقيادة جلسات مناقشة جماعية للمهتمين حول هذه القضايا وعقدت بالفعل أكثر من مائة جلسة نقاش لمجموعات منفصلة من الرجال والنساء في كل أحياء المدينة. في سبتمبر 1995 تمكنا من تشكيل ثلاث عشرة لجنة صحية محلية في مختلف أحياء المدينة تضم رجالا ونساء متعلمين وغير متعلمين، شبابا وكبارا في السن.
كان من المفترض أن تمثل اللجنة الصحية المحلية سكان الحيّ فيما كانت مسؤولة العيادة تحضر اجتماعاتهم كممثلة للمركز الصحي. وقد تم تدريب أعضاء اللجان على المشاركة المجتمعية وكانوا يعقدون اجتماعا شهريا لمناقشة أنشطة المركز الصحي وبحث احتياجات المجتمع المحلي. وكان الدور الأساسي للجان الصحية المحلية هو إدارة دخل المركز الصحي والذي كانوا يستخدمونه لتمويل الاحتياجات التي لم تكن تمولها وزارة الصحة العامة مثل مواد التنظيف والأدوات المكتبية أجور عمال النظافة وحراس المراكز الصحية. وكان نظام استعادة التكلفة قد أصبح نظاما متبعا في الرعاية الصحية على نطاق اليمن، وكانت إدارة برنامج الرعاية الصحية الأولية الحضرية بالحديدة تخوض نقاشا مطولا مع وزارة الصحة العامة حول إعادة تنظيم قطاع الصحة وخاصة حول الطرق الممكنة لتطبيق نظام استعادة التكلفة.
كان صندوق الأدوية الدوار جزءاً من نظام استعادة التكلفة لكنه لم يكن تحت إدارة اللجان الصحية المحلية، فقد كان مديري مكتب الصحة بالحديدة والبرنامج على حد سواء مقتنعين بان شراء وتوزيع الأدوية الأساسية أمرا حساسا جدا ولا يمكن أن يترك للجان الصحية المحلية فقد اعتبر أولا أن استمرارية توفر الأدوية الأساسية أمر حيوي لاستمرار المراكز الصحية في أداء مهمتها ولا يجب المغامرة بتوفر الأدوية تحت أي ظرف وثانيا كانت الأدوية باهظة التكلفة وعليها طلب عال في السوق ويمكن أن تشكل تجارة مربحة لذلك اعتبر ترك موارد صندوق الأدوية الدوار في يد اللجان الصحية مخاطرة من الأفضل تجنبها. كان برنامج الأدوية الأساسية يوفر عددا محدودا من الأدوية للمراكز الصحية وفقا لقائمة منظمة الصحة الدولية للأدوية الأساسية[120] وكان هذه الأدوية تصرف بوصفة طبية من إحدى الممرضات أو الطبيب في المراكز الصحية. كانت مسؤولات العيادات يبعن الدواء مقابل أثمان زهيدة لتوضع المبالغ المجمعة في صندوق لتمويل شراء أدوية جديدة[121].
كانت المراكز الصحية الرئيسية الثلاثة تركز على الصحة العلاجية أكثر من المراكز الصحية الفرعية العشرة لكنها كانت تقدم خدمات الصحة العلاجية للرجال أيضاً، نظريا كان من المفترض أن يذهب الرجال للمراكز الصحية الرئيسية الثلاثة لتلقي خدمات الصحة العلاجية فيما كان على النساء أن يذهبن أولاً إلى المراكز الفرعية ثم يحولن إذا اقتضت الحاجة إلى واحد من المراكز الرئيسية الثلاثة. عمليا كان سكان الأحياء يطالبون باستمرار بتزويد المراكز الصحية الفرعية بخدمات الصحة العلاجية والأطباء والممرضين وخدمات المختبرات الصحية ولم يعمل نظام التحويل بطريقة جيدة ووافقت إدارة المشروع على تقديم خدمات الصحة العلاجية في المراكز الفرعية في فترات ما بعد الظهر بالرغم من أن ذلك كان مخاطرة قد تؤدي إلى التقليل من أهمية خدمات الصحة الوقائية التي تقدم في الفترات الصباحية وسأقدم في الفصل العاشر ما ترتب على المرشدات نتيجة للتطورات المذكور آنفاً وهي: دمج البرنامج في مكتب الصحة مكتب الصحة بالحديدة وتزايد مشاركة الرجال في نشاطات المشروع وتوسع نشاطات الرجال بتطبيق نظام استعادة التكلفة وبرنامج المشاركة المجتمعية وتزايد أهمية الصحة العلاجية.
حدث تغير رئيسي آخر في تدريب النساء كعاملات في مجال الرعاية الصحية. في عام 1993 كانت هنالك 40 مرشدة عاملة في المدينة وكان من الضروري زيادة هذا العدد إلى عدد يتراوح بين 75 و100 مرشدة لتغطية كل المدينة بخدمات رعاية الطفولة والأمومة وتقرر عقد ثلاث دورات تدريبية على الأقل يتم خلالها تدريب 20 مرشدة في كل منها لكن دورتين اثنتين فقط عقدتا عامي 1993 و1996 نتيجة للسياسة الجديدة التي تبنتها وزارة الصحة العامة لتدريب القابلات بدلاً من المرشدات وهي سياسة حظيت بمساندة كل المنظمات الأجنبية المانحة وتم تمويلها بالتحديد من قبل إدارة التعاون التنموي الدولي الهولندي. كما سبق أن ذكر في الفصل السابق اشترطت في قابلات المجتمع الحصول على تسعة سنوات من التعليم الأساسي وكان تدريبهن يقتصر على التوليد ودون الإرشاد الصحي.
اعتبارا من عام 1996 سمح بتدريب المرشدات في المناطق النائية فقط حيث تنخفض نسبة التعليم وسط النساء الشابات بما لا يكفي لتدريبهن كقابلات مجتمع ولذلك توقف تدريب المرشدات في الحديدة. تخرجت أخر مجموعة من المرشدات عام 1997 ومنذ ذلك الحيّن عقدت العديد من الدورات التدريبية لقابلات المجتمع تركزت معظمها في المناطق الريفية وعقدت ثلاث دورات تدريبية في الحديدة لتمكين المرشدات من الترقي إلى قابلات مجتمع ولم تحظ بهذه الفرصة إلا المرشدات اللواتي أكملن تسع سنوات من التعليم الأساسي. قدم مشروع الرعاية الصحية الأولية الحضرية بالحديدة مساعدات مالية للمرشدات اللواتي كن يرغبن في الحصول على الشهادة الإعدادية وكن عاجزات عن سداد رسوم الدراسة. كما عقدت العديد من الدورات التدريبية الأخرى لكن معظمها لم تكن موجهة نحو المرشدات بل إلى العاملين الرجال في البرنامج. تم ثلاثة مديرين من البرنامج للحصول على شهادة الماجستير في الصحة الدولية في هولندا كما بعث ثلاثة أطباء للقاهرة للحصول على الماجستير في الصحة العامة.
حدثت أيضاً تغيرات مهمة في الخبراء الأجانب في السنوات الثلاث الأخيرة من التمويل الهولندي للبرنامج في الحديدة ففي اكتوبر1997 توفي روي ستوفز فجأة وتولى مكانه مساعده يس كما انتهى عقدي في ديسمبر 1997 وقررت العودة إلى هولندا للعمل في رسالة الدكتوراه كما ذكرت في الفصل الأول وقد زرت البرنامج ثلاث مرات بعد ذلك كمستشارة لفترات قصيرة لتقديم الدعم والمشورة لأنشطة المشاركة المجتمعية. في أكتوبر 1998 غادرت ثيرا دي هاس البرنامج بعد ثلاثة عشر عاما من العمل فيه وقبل شهرين من موعدها المقرر لإصابتها بالمرض.
في سبتمبر 1999 انتهى العون الهولندي لمشروع الرعاية الصحية الأولية الحضرية بالحديدة بعد خمسة عشر عاماً متواصلة وكان من المفترض أن تكون كل الأنشطة قد دمجت وأصبحت تحت إشراف مكتب الصحة بالحديدة وكان المشروع بكامله تحت إدارة موظفي وزارة الصحة العامة. وكان من المقرر أن تمول الأنشطة من الموازنة الحكومية ونظام استعادة التكلفة. في يونيو 1999 عقد مؤتمر ختامي للاحتفال بإنجازات خمسة عشر عاما من الرعاية الصحية الأولية الحضرية في الحديدة وحضر المؤتمر الدكتور عبد الولي ناشر وزير الصحة العامة آنذاك ومحافظ الحديدة وموظفي المشروع السابقين بمن فيهم كارن يان روير ، عبد الله أحمد ، يوكا بورينخا ، فريتس مولر وشخصي بالإضافة إلى العاملين في مشروعات الرعاية الصحية والمنظمات الأخرى ولم تتمكن ثيرا دي هاس التي عملت في المشروع منذ عام 1985 من الحضور إلى الحديدة لمرضها لكن ما لوحظ بوضوح هو أن المرشدات لم يدعين لهذا المؤتمر وكان ذلك بالنسبة لي إشارة مهمة لتغير وضعهن في المرحلة الأخيرة من المشروع.
خلاصات الفصل الرابع
كانت المراحل المختلفة لمشروع الرعاية الصحية الأولية الحضرية بالحديدة متطابقة إلى حد ما مع خطابات التنمية المتغيرة لوزارة الخارجية الهولندية ومع ذلك كانت هنالك خلافات مثيرة للاهتمام أيضاً.
كانت المرحلة الأولى من المشروع مثالاً لفكرة التنمية التي تعطي اعتباراً أكبر للتكنولوجيا مجسدةً في الجزء الخاص بجمع وتصريف القمامة من جانب ومن جانب آخر تستوحي المفاهيم الاجتماعية للتنمية ممثلة في الجزء الخاص بالرعاية الصحية من المشروع. كان الجمع بين الرعاية الصحية وجمع وتصريف القمامة مصطنعاً وجاء نتيجة لإهمال نشاطات التنمية الحضرية في إدارة التعاون التنموي الدولي الهولندي. في المرحلة الثانية من المشروع أصبحت التنمية الحضرية أكثر قبولا في خطابات التنمية الهولندية ورأت مشروعات الرعاية الصحية الأولية الحضرية النور وكان التركيز في هذه المرحلة على تطوير نظم الرعاية الصحية الحضرية الأولية باهتمام خاص بصحة الأمومة والطفولة. وتمثل الاهتمام بالنساء اللواتي كن يعشن في المناطق العشوائية في تنظيم فصول محو الأمية وتعليم الخياطة للنساء الفقيرات. في المرحلة الثالثة كانت الكلمات المفتاحية هي الاستدامة واستعادة التكلفة والمشاركة المجتمعية والأدوية الأساسية والجندر والحقوق الإنجابية. ووجدت خدمات الصحة العلاجية طريقها إلى أنشطة المشروع كما دخل الرجال إلى المشروع كمرضى وكعاملين في المراكز الصحية.
أما فيما يخص الاختلافات فان سياسات المرأة والتنمية التي رسمتها إدارة التعاون التنموي الدولي الهولندي كان لها تأثير محدود جدا على أنشطة المشروع. بداية فان مشروع الرعاية الصحية الأولية الحضرية بالحديدة قد صمم كمشروع للرعاية الصحية وليس كمشروع للمرأة وبهدف تحسين الأوضاع الصحية لسكان المناطق العشوائية وكان تدريب وتوظيف المرشدات وسيلة رئيسية لتحقيق هذا الهدف.
ثانياً جاءت فكرة تدريب النساء كعاملات في الرعاية الصحية بدلاً من الرجال من إداريي الصحة اليمنيين وليس من موظفي المشروع الهولنديين وكان تدريب وتوظيف النساء منسجما مع الخطابات التنموية الهولندية خاصة في أوائل التسعينات عندما أصبحت المرأة والتنمية رأس الرمح في سياسات التنمية الهولندية، كان تدريب وتوظيف النساء في هذا الظرف مجرد ميزة إضافية وليس هدفاً تم التخطيط له. لم تجر أي محاولة جدية لإدماج المفاهيم الرئيسية للتسعينيات والمتمثلة في الاستقلالية والمساواة الجندرية والصحة الإنجابية في أنشطة المشروع وكان تطبيقها في سياق أنشطة المشروع محض مصادفة.
لقد تأثر مسار المشروع إلى حد كبير بالأفراد الذين كانوا يعملون في المشروع وبالأحداث المحلية والوطنية والعالمية أكثر من تأثرها بتغير السياسات. فيما يخص الدور الهام للأفراد يمكن أن نقول إن تغير بعض الأفراد قد أدي إلى تغير في ممارسات وأنشطة المشروع. خلال خمسة عشر عاما تعاقب على إدارة المشروع والعمل فيه ثلاثة مديرون أجانب وأربع قابلات أجنبيات وأربعة أنثروبولوجيين أجانب ومديران يمنيان. الشخصان الوحيدان اللذان عملا في المشروع طوال فترته كانا هما ثيرا دي هاس ممرضة الصحة العامة الهولندية ونظيرتها اليمنية فاطمة سالم اللتان مثلتا استمرارية المشروع ومنحتا الآخرين الكثير من التشجيع والمساندة.
كان لكل من مديري المشروع طريقة مختلفة في الإدارة إضافة إلى أن علاقاتهم المتباينة مع المسئولين اليمنيين ذوي النفوذ قد أثر على مسار المشروع وكان لمديري المشروع ومديري مكتب الصحة في الحديدة وجهة نظر متباينة حول مشاريع التنمية التي يمولها مانحون أجانب وقد أدى ذلك إلى نقاشات ومفاوضات مطولة لم تكن منسجمة دائماً مع سياسات التنمية الهولندية.
كان المشروع نموذجاً واضحاً لفكرة إمكانية إحداث تغيرات بتدخلات من الخارج وكانت التوقعات حول ما يمكن أن يحققه المشروع عالية لكن العديد من أنشطة المشروع جاءت نتيجة لإحداث محددة على المستويات المحلية والوطنية والعالمية. كان تدريب وتوظيف نساء شابات غير متزوجات مثالاً جيداً لنتيجة غير مستهدفة في الخطة ونجمت عن تطورات محلية. وثم مثال آخر لذلك هو أن توسيع أنشطة المشروع لتغطية جميع المراكز الصحية الحكومية في المدينة وبالتالي تعيين المرشدات كمسئولات عيادات لم يكن هدفاً تم التخطيط له مسبقاً بل كان من نتائج أزمة الخليج لذلك فان التحولات الاجتماعية التي نجمت عن المشروع كانت محدودة نسبياً وبالرغم من أن المشروع قد أثر على بعض عمليات التحول الاجتماعي فإن تأثر المشروع بإحداث خارجية كان أكبر قدراً.
عن المؤلفة
مراجع وهوامش
[103] كان كارل يان روير طبيبا عمل في مجال الصحة العلاجية فقط فيما كان لثيرا دي هاس ممرضة الصحة العامة خبرة طويلة في رعاية الأمومة والطفولة لكنها كانت قليلة الخبرة في مجا ل الرعاية الصحية الأولية
[104] طريقة تقييم المخاطر تعني إيلاء اهتمام أكبر للمجموعات المعرضة للإصابة بالأمراض أكثر من غيرها وقد تم تحديد المعايير الآتية في مشروع الرعاية الصحية الأولية الحضرية بالحديدة لتحديد ما إذا كانت هنالك أسرة أو امرأة حامل أو طفل معرضا لمخاطر إضافية: - على المستوى العائلي: الأسرة التي تعيش مع واحد فقط من الوالدين، عدم توفر المياه الجارية في البيت، الأسرة التي توفى خمسة أو أكثر من أطفالها، إضافة إلى المعوقين أو إصابة أحد أفراد الأسرة بمرض مزمن. وسط النساء الحوامل تحددت المخاطر بالحمل بعد الخامسة الثلاثين وقبل السادسة عشر من العمر، أربع أو أكثر من حالات الإجهاض السابقة والحامل التي يقل وزنها عن 35 كيلوجراما. أما وسط الأطفال فقد تم تحديد المخاطر بالآتي: الوزن المنخفض بعد الولادة. الأطفال الذين لا يرضعون من أثداء أمهاتهم، وتوقف النمو لشهرين.
[105] خلفية وتجارب الدفعة الأولى من المرشدات ستناقش بالتفصيل في الفصل الرابع.
[106] التقييم السريع A rapid appraisal أداة بحث نمطية معتادة في التنمية. بدلا من العمل الميداني الطويل المدى بواسطة شخص واحد يقوم بإجراء البحث عدد من الأشخاص مستخدمين مناهج بحث متعددة مثل الاستقصاءات، والمناقشات الجماعية والملاحظات. ويستهدف التقييم العاجل تقديم استعراض عام للموقف حول مشكلة ما لتحديد اتجاه عام للتحرك أو إجراءات لتحسين الوضع. (هيبربرت 1987).
[107] في الفصل الخامس سأتحدث مفصلا عن الشابات اللواتي اشتركن في بحث التقييم العاجل واللواتي انضم اثنتان منهن للدورة التدريبية للدفعة الثانية من المرشدات.
[108] سأركز على هذه الأفكار في الفصل السادس.
[109] مقابلة مع بول فيلن، 2 سبتمبر 1999.
[110] أثناء الزيارات المنتظمة كان المرشدات يقدمن الإرشاد الصحي للأمهات حول، التغذية، الصحة، تنظيم الأسرة، النظافة الشخصية، ورعاية الأطفال كما كانوا يقومون بوزن الأطفال الصغار وتوزيع المحاليل المضادة لفقدان السوائل في حالات الإسهال كما كن يقدمن معلومات للأمهات حول الخدمات المتوفرة في المراكز الصحية ومحاولة بناء علاقة قائمة على الثقة الشخصية.
[111] كانت الفكرة الأساسية لنظام المعلومات الصحية هو إعطاء كل أسرة في المنطقة بطاقة صحية تتضمن المعلومات الأساسية حول أفراد الأسرة، كانت هذه البطاقات تبقى في المركز بينما يحتفظ كل أفراد الأسرة ببطاقة صغيرة تحتوي على عنوانهم وبهذه الطريقة كان يمكن متابعة الأطفال حديثي الولادة ومراقبة التطعيم وتوفير الرعاية لحالات ما قبل وبعد الولادة. إضافة إلى ذلك خصص لكل طفل دون الخامسة من العمر بطاقة لمراقبة النمو (كان يسمى أيضاً بطاقة الطريق إلى الصحة) وبطاقة تطعيم كما تتسلم كل امرأة حامل بطاقة لمتابعة حملها.
[112] كان لفصول محو الأمية وتعليم الخياطة عدة أهداف فقد كانت بالدرجة الأولى استجابة لرغبة النساء إضافة إلى أنها كانت وسيلة لجذب النساء إلى المراكز الصحية كما أنها وفرت فرصة للتثقيف الصحي علاوة على أن تعليم الأمهات يسهم في تحسين صحة أطفالهن، أما فصول تعليم الخياطة فقد استهدفت تزويد النساء بمهارات قد تساعدهن في زيادة دخولهن.
[113] نظم المشروع دورة تدريبية للجدات عام 1987 لكن عدد قليل جدا منهن واصلن زيارة المركز الصحي.
[114] تخرجت تسعة عشر مرشدة من هذه الدورة التدريبية.
[115] قامت هيئة التنمية الدولية البريطانية بتدريب إحدى وعشرين ثم ثلاث عشرة مرشدة عامي 1992 و1996 على التوالي.