صنعاء 19C امطار خفيفة

العنف الرقمي القاتل الخفي الذي يطارد النساء

سبأ الحقيني اخترقوا تلفوني ويهددوني... وغيرها من الأصوات الخائفة والمختنقة التي تستغيث في المجموعات النسائية في الفيسبوك والمنصات الأخرى، تبحث عن متخصص في مجال الحاسوب لإيقاف الابتزاز في وسط تقف فيه الاجهزة الرسمية موقف شيخ القبيلة من الوضع العام.

لم يعد العنف ضد النساء محصوراً في الجسد أو الفضاء المنزلي أو الشارع، بل أمتد خلال العقدين الأخيرين ليصنع لنفسه ساحة جديدة أكثر اتساعاً وأشد خطورة: الفضاء الرقمي. ليصبح الهاتف المحمول نافذة خوف، وتتحول المنصات الاجتماعية من مساحات تعبير إلى حقول تهديد، ويغدو العالم الافتراضي أكثر واقعية في أثره من العالم المادي ذاته. هذا العنف الجديد، الذي يختبئ خلف الشاشات، لا يُرى لكنه يترك ندوباً عميقة؛ إنه العنف الرقمي، القاتل الخفي الذي يُطارد النساء بصمت يومي.
فالفضاء الرقمي للنساء... حرية مصادرة وهيمنة معاد إنتاجها، وعِدَت النساء بأن الإنترنت مساحة للتمكين، وأن التكنولوجيا تكسر الحواجز وتحرّر الأصوات. غير أن الواقع كشف بنية أخرى للفضاء الرقمي أعاد إنتاج أنماط الهيمنة ذاتها لكن بطرق أكثر اتساعاً، وأقل قابلية للنجاة. قد يمثله البعض بأنه هنا لا يترك كدمات على الجسد، لكنه يترك جروحاُ عميقة في الثقة، ويحوّل الحرية الرقمية إلى ضريبة تُدفع يومياً، لكن في اليمن تدفع النساء حياتهن ثمن لذلك.
من أشكال العنف الرقمي اختلاط التهديد بالابتزاز والصمت القسري، حيث يتخذ العنف الرقمي طيفاً واسعاً من الممارسات: كالابتزاز الإلكتروني عبر صور شخصية أو بيانات حساسة، او التشهير من خلال حملات منظمة تستهدف السمعة والكرامة، بالإضافة إلى خطاب الكراهية الذي يخنق حضورها ويحول تفاعلها إلى مكان مؤذٍ.
وتجمع هذه الممارسات سمة واحدة: العنف الرقمي. فالضحية وحدها تدفع الثمن … والمجتمع يراها مذنبة، ففي العديد من السياقات الاجتماعية، لا يواجه العنف الرقمي بالردع، بل يُقابل بمنطق لوم الضحية، هنا يصبح صمت المرأة حلاً، وانسحابها من الفضاء الرقمي خيار آمن. وبدلاً من محاسبة المعتدي، يطلب من المرأة إلغاء حضورها في العالم الرقمي، هذه التناقضات تعيد إنتاج دائرة القهر وتمنح المعتدي مساحة أوسع للاستمرار.
لتمثل الخسارات غير المرئية: حياة تُختطف دون صوت، فالعنف الرقمي لا يسرق الأمان فقط، بل يسرق الحياة الاجتماعية والمهنية. نساء كثيرات يفقدن وظائفهن بسبب تسريبات مفبركة، وأخريات ينقطعن عن التعليم خوفاً من انتشار صور أو رسائل. بعضهن تصادر جرأتهن في التعبير، وأخريات يُهجرن افتراضياً، بل وواقعياً. إنها خسارات لا تُدوَن في سجلات المستشفيات، لكنها تسجل في حياة مشوهة على المدى الطويل.
لتظل حياة النساء مهدورة بين القانون الغائب والتكنولوجيا التي لا ترحم، بالرغم أن الجريمة رقمية، إلا أن كثيراً من الدول لا تزال تتعامل معها بأدوات قانونية تقليدية غير فعالة كحالة اليمن. حيث لا يوجد قانون يختص بالاعتداءات الإلكترونية، فالبلاغات لا تُفهم حين تقيدها، والنساء يواجهن طريقاً صعباً لإثبات الضرر. هنا تتحول التكنولوجيا إلى سلاح بلا رادع، وتتحول الضحية إلى مستهدفة بلا حماية.
لذا فالحاجة إلى استعادة الفضاء الرقمي: حماية، ووعي، ومسؤولية، كون مواجهة العنف الرقمي ليست مهمة فردية تقوم بها النساء وحدهن، بل هي مسؤولية مجتمعية تشمل: تطوير تشريعات واضحة وصارمة تجرم كل أشكال العنف الرقمي، وحملات توعية تكسر ثقافة اللوم وتعيد تعريف المسؤولية، لتعزيز الأمن الرقمي للنساء عبر التدريب والدعم الفني.
والأهم محاسبة المنصات الرقمية على دورها في إتاحة هذا العنف دون رقابة فعالة، فالمعركة هنا ليست مع التكنولوجيا، بل مع العقلية التي تُخضع النساء أينما وجدن، حتى عندما تختفي الحدود ويصبح الجسد مجرد بيانات.
نختم مقالنا بلفتة بسيطة إن العنف الرقمي ليس مجرد أذى إلكتروني، بل هو امتداد حديث لمنظومة تاريخية من السيطرة، يتغذى على الصمت ويكبر بالوصم. إنه العنف الذي لا يُسمع لكنه يقتل، وما لم يُعاد تعريف الحماية والحرية في الفضاء الرقمي، ستظل النساء يواجهن هذا القاتل الخفي بمفردهن.
كلمات مفتاحية: العنف الرقمي للنساء، الابتزاز الإلكتروني، الهيمنة الرقمية، القاتل الخفي.

الكلمات الدلالية