هذا الضياع.. إلى متى؟!
منذ الجمهورية والاستقلال - باستثناء فترة حكم الشهيد إبراهيم الحمدي - تعاقبت على حكم اليمن نُخب افتقرت إلى الحد الأدنى من القدرة على إدارة الدولة الحديثة...
وظلت سِمات الحكم تتكرر:
غياب لمشروع وطني واضح المعالم، تكر يس العشوائية والارتجال في إدارة الدولة، والاستخفاف بالمناهج العلمية في العمل، الاعتماد على دائرة ضيقة من الأرزقية والولاءات الحزبية والمناطقية، وتهميش لدور الكفاءات. والنتيجة هي سلسلة الإخفاقات الكبرى التي رافقت مسيرة البلاد حتى اليوم. وكان لافتاً أن يستمر هذا النهج الكارثي حتى عندما وصل إلى سدة الحكم أستاذ في علم الاجتماع السياسي؟!
عند تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في إبريل 2022 فُتِحت أمام بلادنا فرصة تاريخية كان يمكن أن تكون بداية الخلاص. كانت الخطوات المطلوبة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وهي:
- إيجاد عاصمة حقيقية مؤقتة للبلاد تمارس فيها الدولة سلطاتها كاملة. عاصمة لكل اليمنيين، تحتضن كل مؤسساتها ونخبها السياسية. وتحمي هذه العاصمة قوات مسلحة وطنية محترفة تملك القدرة على تأمين العاصمة ومنشآتها، وتمتثل بصورة كاملة لسلطة الدولة.
ـ تقديم نموذج للدولة المنشودة، دولة مدنية مؤسسية حديثة تحترم الحقوق والحريات، وتجسد الروح الوطنية الجامعة، وفق ما اتفق عليه اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
- إنشاء نواة لجيش وطني محترف ومؤسسة أمنية تجسد قِيَم الجمهورية اليمنية بالمعايير التي حددها اليمنيون جميعاً وصِيغت بصورة دقيقة في مسوّدة الدستور الجديد.
- وضع مشروع وطني جامع يحقق الحد الأدنى من التوافق بين سلطات الأمر الواقع، ويمهّد لاستعادة الدولة سلماً أو حرباً، ويضع ملامح إعادة بنائها بعد ذلك.
كانت هذه الرؤية متاحة بوضوح أمام فخامة الرئيس، وكان في مقدوره أن يخطو أولى خطواتها… لكنه لم يفعل، بل اختار المنهج الأثير لمن سبقوه، وهو السير بلا منهج، بلا هدف، بلا أدوات مناسبة، وبلا إرادة، مكتفياً بحفنة من كذابي الزفة بجواره. وكانت النتيجة الوصول إلى ما نحن عليه اليوم.
يتحمل فخامة الرئيس المسئولية عما حدث وسيحدث. لكن النصيب الأكبر من المسئولية يقع على النخب السياسية كافة التي آثرت حياة التّرف خارج البلاد بعيداً عن التزاماتها الوطنية، تقتات سحتاً على آلام ومعاناة اليمنيين، وتمسك ببلاهة وبلا خجل بسكين تُحركّها إرادة غادرة لتمزيق هذه البلاد وإهانة شعبها العظيم.
هذا التباكي والتعاطي الأرعن من قِبل السلطة والنخب السياسية مع ما يحدث اليوم ليس سوى استمرار للمنهج البائس ذاته.
طريق الخلاص واضح وجلي، يدركه أي مواطن يمني بسيط.. ومع ذلك سيستمر الجميع في السلطة والنخب السياسية في استقراء الطالع وانتظار إشارة من الإقليم أو سفراء الرباعية والدول الراعية، وكتابة بيانات تافهة، دون أدنى تفكير في عمل شيء يقتضيه واجبها. ثم.. يستمرون في العيش بلا كرامة، تطاردهم لعنات شعبهم، وحكم التاريخ الذي لا يرحم.