صنعاء 19C امطار خفيفة

خيارات من أجل المستقبل

في ظل الانقسام الحاد الذي يمر به اليمن، تبدو المواقف تجاه مستقبل الدولة بين الوحدة والانفصال أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى. فالكثيرون يخلطون بين رفض مشروع سياسي معين، وبين رفض القضية التي يحملها جزء من الشعب. وأنا لستُ مع المجلس الانتقالي الجنوبي، لكنني في الوقت نفسه لستُ ضد قضية الجنوب ولا ضد تطلعات الجنوبيين العادلة. هذه القناعة ـ التي أعبّر عنها بوضوح ـ كلّفتني خصومات مع رفاق أعزاء، لكنها بالنسبة لي موقف مبدئي لا يتغير.

وإذا وُضعتُ أمام خيارين أحلاهما مرّ: انفصال يقوده الانتقالي، أو وحدة تتحكم بها سلطة الحوثي، فلن أتردد في اختيار الانفصال. فمشروع الحوثي ليس مشروع دولة، بل منظومة مغلقة تتعارض مع مفهوم المواطنة وتقوم على فكرة فوقية لا يمكن أن تقود اليمن إلى الاستقرار أو التعايش.
غير أنّ الخيار المفضل لديّ، والأنفع لليمن مستقبلًا، يظل قيام دولة اتحادية عادلة، لأن اليمن ـ شمالًا وجنوبًا ـ سيكون أقوى موحدًا، حين تُبنى الوحدة على أسس سليمة تحفظ كرامة الإنسان وتضمن عدالة السلطة وثرواتها. فالوحدة التي تمت في 1990 لم تكن نموذجًا صالحًا، وقد ظلمت الشماليين والجنوبيين على حد سواء، وأسست لمرحلة من الاحتكاكات انتهت بحرب 1994 ثم بسلسلة من الإخفاقات السياسية والاقتصادية.
اليوم، وفي ظل مشهد يسيطر فيه أبناء الجنوب على أرضهم ومؤسساتهم، يبقى التحدي الحقيقي في الشمال المحكوم بقبضة الحوثي. فإذا تحرر إقليم الشمال من هذا المشروع، أو قبل الحوثي بأن يكون جزءًا من دولة المواطنة دون امتيازات سلالية أو دينية، فسيمتلك اليمن فرصة ذهبية للانتقال إلى دولة اتحادية من إقليمين، يحكم فيها كل إقليم نفسه ضمن دولة جامعة تحفظ المصالح المشتركة.
لكن استمرار الحوثي في تعنته، وتماهي بعض القوى الشمالية معه، سيدفع الكثير من الجنوبيين إلى التشبث بخيار الانفصال، وقد يجعل هذا الخيار ـ على قسوته ـ أكثر قبولًا حتى لدى جزء من أبناء الشمال الذين يكتوون بنيران حكم الحوثي ويبحثون عن طوق نجاة.
إن مستقبل اليمن اليوم مرتبط بشجاعة مواجهة الحقيقة: لا يمكن بناء دولة بوجود سلطة تقوم على الحق الإلهي، ولا يمكن بناء وحدة قسرية تُهدر فيها كرامة الإنسان. الخيار الواقعي هو دولة اتحادية عادلة… أو طريقان منفصلان يحفظ كلٌ منهما كرامة أبنائه. المهم ألا يُفرض على اليمني ما ينسف حريته أو ينتقص من مواطنته.

الكلمات الدلالية