صنعاء 19C امطار خفيفة

رائدات في ظروف غير مواتية 12 - خطابات التنمية اليمنية

ينتقل هذا الفصل من السياق اليمني العام إلى دراسة حالة معمقة ومحددة، متخذاً من "مشروع الرعاية الصحية الأولية الحضرية بالحديدة" نموذجاً لتحليل سياسات التنمية وتطبيقها على أرض الواقع. يبدأ الفصل بتفكيك خطابات التنمية الهولندية، متتبعاً تطورها من التركيز على البنية التحتية إلى تبني مفاهيم "المرأة في التنمية" ثم "الجندر"، وكيف انعكست هذه التحولات على سياسات الرعاية الصحية. ومن خلال سرد تاريخ المشروع عبر مراحله الثلاث الممتدة لخمسة عشر عاماً، يكشف الفصل عن الفجوة بين السياسات المرسومة في العواصم الأوروبية والواقع المعقد للتنفيذ المحلي، موضحاً كيف أن مسار المشروع لم يتأثر فقط بالتوجهات الرسمية، بل تشكّل بشكل أكبر بفعل الديناميكيات المحلية، وشخصيات الفاعلين الرئيسيين (يمنيين وأجانب)، والأحداث غير المتوقعة مثل أزمة الخليج.


الفصل الرابع: مشروع هولندي يمني

تصدرت غلاف عدد يونيو 2001 من مجلة "التعاون الدولي"[82] التي تصدرها وزارة الخارجية اليمنية الهولندية، لقطة مقربة لامرأتين يمنيتين منقبتين بعينين سوداوين جميلين، يشير لون ملابسهن البيضاء بأنهن عاملات في الرعاية الصحية، لكن ذلك لا يعرفه إلا من يعرف اليمن من "الداخل".

رئدات في ظروف غير مواتية صورة الغلافالعبارة المكتوبة بخط كبير أسفل الصورة تقرأ " اليمن لؤلؤة الشرق الأوسط الغارقة في الفقر". تصفحت المجلة بسرعة متطلعة إلى مقال حول المرأة والرعاية الصحية في اليمن وخاب أملي حيث أن المقالات الثلاث عن اليمن كانت عن الديمقراطية ونقص المياه وبرنامج توزيع الأدوية الأساسية وحتى في هذا المقال الأخير لم ترد أية إشارة للنساء العاملات في الرعاية الصحية في اليمن.

لقد استُخدمت النساء في صورة الغلاف كرمز لليمن بجلاء وبالتالي كمثال واضح للوظيفة الرمزية الغامضة للنساء اليمنيات، فمن جهة هن لآلئ غامضة وجذابة ومؤكدات للمفاهيم الاستشراقية عن النساء العربيات وتم تقديمهن محجبات لا تبدين إلا عيونهن السوداء الجميلة. ومن جهة أخرى فان النساء خاصة بحجابهن يرمزن إلى بلد تقليدي وهذه صورة استشراقية نمطية أيضاً.

إن استخدام هذه الصور في مجلة تعنى بالعون التنموي الهولندي تثير أيضاً أسئلة حول خطابات التنمية الهولندية خاصة فيما يتعلق بالنساء والرعاية الصحية في اليمن. كيف يتم تقديم النساء اليمنيات في خطابات التنمية الخاصة بالحكومة الهولندية؟ ما هي السياسات التي وضعت للتركيز على قضية النساء والرعاية الصحية؟ وكيف ضمنت هذه السياسات في مشروع الرعاية الصحية الأولية الحضرية بالحديدة.

في هذه الفصل سأقدم أولاً عرضا موجزاً للعلاقات التنموية اليمنية الهولندية والسياسات الهولندية حول المرأة والتنمية وتنمية الرعاية الصحية، أقدم بعدها وصفاً مفصلاً للمراحل الثلاث لمشروع الرعاية الصحية الأولية الحضرية بالحديدة الذي يمثل نموذجا نمطياً لمشروع تنموي تموله هولندا في اليمن. أسس هذا المشروع كمشروع تجريبي وكان من المفترض أن يعمم استخدام خبرتها ونتائجها لمشروعات وسياسات أخرى في اليمن. وسأوضح ضعف ارتباطه بالسياسات التنموية الهولندية وكيف أن مسار المشروع قد أثرت عليه بالدرجة الأولى الأدوار التي لعبها أشخاص محددون إضافة إلى عمليات التغيير الاجتماعي في اليمن.

4.1- خطابات التنمية اليمنية

خلال العقود الثلاثة الماضية أصبحت هولندا واحدة من أكبر المانحين الأجانب في اليمن[83]. أنفقت هولندا 37 مليون و980 ألف دولار أمريكي على التعاون التنموي في اليمن في عام 1996 وارتفع هذا الرقم عام 2002 إلى 50 مليون يورو لمساعدة اليمن في مكافحة الإرهاب ومكافحة الفقر في المحافظات الستة الأكثر فقرا اليمن. مول العون التنموي الهولندي العديد من المشاريع والبرامج في اليمن في مجالات الرعاية الصحية، الزراعة، المياه والصرف الصحي، التعليم، الصناعة والمشروعات الصغيرة والبنيات الأساسية.

بالرغم من أن هولندا بدأت صلتها التنموية باليمن منذ تأسيس الجمهورية العربية اليمنية عام 1975 إلا أن العلاقات التنموية الرسمية بين البلدين بدأت عام 1978 حيث تم في ذلك العام تصنيف اليمن كـ "بلد مستهدف"[84] بالعون التنموي الهولندي استناداً على انخفاض نصيب الفرد من الدخل القومي (90 دولار) والتوجهات الاجتماعية للحكومة اليمنية (إدارة التعاون التنموي الدولي الهولندي (DGIS 1975: 49) كان هنالك عامل سياسي آخر حفز الحكومة الهولندية على ضم اليمن لأولوياتها إذ أنها اكتشفت أن علاقاتها بالدول العربية في الشرق الأوسط ضعيفة جداً أثناء الأزمة النفطية 1973 وكان تأسيس علاقة تنموية باليمن واحدة من السبل التي سلكتها الحكومة الهولندية لتعزيز وضعها في شبه الجزيرة العربية إضافة إلى أن العون التنموي لليمن قُدم كوسيلة لتشجيع عملية السلام في الشرق الأوسط وتعزيز الاستقرار الإقليمي.

وقعت حكومتا هولندا واليمن "اتفاقية التعاون الفني" عام 1978 التي حددت أسس العلاقات التنموية بين البلدين، وقد نصت الاتفاقية على أن يقدم الدعم التنموي الهولندي لليمن كمنح وليس كقروض حتى لا تتزايد المديونية الأجنبية لليمن على أن تكون المنح في شكل مشروعات واستثمارات رأسمالية ومساعدات فنية في شكل مشاريع تنمية صناعية تنفذها منظمات هولندية أو شركات استشارية أخرى بالتعاون مع الوزارات اليمنية. وركزت المشروعات التي نفذت بموجب هذه الاتفاقية على التنمية الريفية فيما دعمت بعض المشاريع في المناطق الحضرية على نطاق محدود (DGIS 1988: 6). تركز العون التنموي الهولندي على محافظات ذمار، البيضاء والحديدة (تهامة) في السنوات الأولى للعون التنموي الهولندي وشكل تطوير البنيات الأساسية الجزء الرئيسي من أنشطة التنمية.

في النصف الثاني من السبعينات بدأت المشروعات ذات المضمون الاجتماعي في الظهور حيث أنشأت مشروعات التنمية الريفية المتكاملة التي تصاحب فيها تحسين البنيات الأساسية تقديم خدمات الإرشاد الزراعي وكان مشروع رداع للتنمية الريفية المتكاملة الذي وصفته في المقدمة مثالا لمثل هذه الاتجاه. بعد مؤتمر المرأة الدولي الأول عام 1975 بدأت قضايا المرأة في اكتساب مزيد من الأهمية في سياسات التنمية الهولندية. وكان إدماج المرأة في أنشطة التنمية والاعتراف بأهمية دور المرأة الاقتصادي هو الهدف الرئيسي للتوجه الذي تم تطويره في ذلك الوقت باسم "المرأة في التنمية".

بينما عملت نظريات التحديث التي سادت في الخمسينيات والستينيات على تدعيم الدور المنزلي للمرأة، اُعتبر عمل المرأة في السبعينيات من مظاهر التنمية. يعزى هذا التحول جزئيا إلى اتضاح حقيقة أن مجموعات كبيرة من الناس خصوصا النساء لم يستفيدوا من التحديث. حيث كان التعامل مع النساء في العالم الثالث يتم في إطار دورهن الإنجابي كأمهات وزوجات واستدخلت أشكال معينة من الأدوار الأسرية استنادا على مفاهيم الحداثة الغربية. اقتصرت مشروعات التنمية التي تستهدف النساء على برامج لرعاية الأمومة والطفولة، وأنشطة تنظيم الأسرة، وبرامج التغذية ثم جمعت مع بعضها فيما بعد وسميت بـ"مقاربة الرعاية"[85]. فيما بعد أصبحت مقاربة "المرأة في التنمية" أيضا جزءاً من سياسات التنمية الهولندية. صدرت أول "مذكرة سياسات" حول المرأة والتنمية عام 1980 حددت أهدافها في زيادة تأثير ومساهمة المرأة في إعداد وتنفيذ سياسات التنمية؛ تعزيز الاستقلال الاقتصادي للمرأة وتقوية التنظيمات النسوية في البلدان النامية (AIV 2002: 10). في عام 1985 عينت المتخصصات في "المرأة في التنمية" في السفارات الهولندية في عدد من الدول لتولي مسئولية إقامة مشاريع نسوية وإدماج قضايا المرأة في المشاريع القائمة أصلا.

في عام 1986 زار اليمن فريق من خبراء التنمية الهولنديين لبحث إمكانية دعم أنشطة المرأة والتنمية (DGIS 1987). وقد لاحظ الفريق الهولندي أن هنالك اهتماما ببعض قضايا المرأة في المشاريع التي تمولها هولندا في مجالات الصحة والتعليم وبعض المشروعات الريفية المتكاملة لكنهم لاحظوا أيضاً أن هنالك حاجة واضحة للمزيد من الدعم لأنشطة المرأة. بعد مناقشات مطولة مع يمنيين ويمنيات داخل وخارج الحكومة وخبراء التنمية الهولنديين والأجانب العاملين في اليمن تم تحديد المجالات الآتية كمجالات أولوية في المساعدات التنموية: التعليم، التوعية الصحية، الإرشاد الزراعي، الاهتمام بديناميات الأسرة، إدخال أنشطة مدرة للدخل وتشجيع الادخار وإجراءات توفير قوة العمل وتطوير قدرات صنع القرار اليمنية فيما يتعلق بالمرأة.

كان تعيين اختصاصية في "المرأة في التنمية" في السفارة الهولندية في اليمن واحدة من النتائج المباشرة لتلك الزيارة وكانت مهمتها الرئيسية هي متابعة توصيات فريق الخبراء[86]. اُعد تقرير تضمن عرضاً لوضع المرأة في اليمن وحدد الأنشطة التي يمكن تنفيذها وموضوعات البحوث التي يمكن إجراؤها (Buringa 1988a) واُستخدم هذا التقرير كأساس لصياغة سياسات تنموية تركز على أوضاع المرأة في اليمن وكان على الاستراتيجية المقترحة أن تركز على سبل تخفيف أعباء العمل اليومي الواقعة على المرأة الريفية حتى يبقى لديها وقت للاهتمام بالإرشاد الزراعي والتوعية الصحية والأنشطة المدرة للدخل وكانت هنالك توصية ثانية حول ضرورة تدريب النساء اليمنيات في مواقع صنع القرار في نظريات "المرأة في التنمية" ومناهج البحث. وكان دعم جمعية المرأة اليمنية اليمني واحدة من مشروعات التنمية التي بدأت في منتصف الثمانينيات.

بعد مؤتمر المرأة الدولي الثاني الذي عقد في نيروبي عام 1985 أصبحت كلمة "الاستقلالية "autonomy" مفهوماً مفتاحياً في سياسات التنمية الهولندية وتعني الاستقلالية حق المرأة في تقرير مصيرها اقتصادياً وسياسيا وثقافيا وجسدياً. كانت هنالك اعتراضات على مفهوم الاستقلالية منذ البداية وطرحت استفسارات عنه حتى في البرلمان الهولندي كما كانت قابلية تطبيق مفهوم الاستقلالية على المرأة في العالم الإسلامي بشكل خاص مثيراً للجدل ونتج عن ذلك إعداد دراسة خاصة حول إمكانية تطبيق هذا المفهوم في البلدان الإسلامية وكيفية ذلك (Jansen et al. 1993). خضعت عدد من مشاريع التنمية في اليمن لهذه الدراسة التي تلخصت واحدة من أهم استنتاجاتها في الآتي "هنالك حد معقول لتحسين فرص النساء للحصول والسيطرة على الموارد الاقتصادية والسياسية والثقافية والجسدية أما كيفية تطبيق ذلك فيعتمد إلى حد كبير على الظروف والسياقات المحددة" (مصدر سابق 127) وبالرغم من أن إدارة التعاون التنموي الدولي الهولندية قد عملت على ترويج مقاربة الاستقلالية إلى أنها لم يكن لها تأثير مهم على مشاريع التنمية، على الأقل في اليمن.

تتأسس مقاربة الجندر والتنمية على الإقرار بأن النساء لا يمكن التعامل معهن كقطاع واحد منسجم وأن هنالك فروق كثيرة بين النساء تعتمد على الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية حتى وان كن من معتنقات دين واحد على سبيل المثال. وتقر هذه المقاربة "أن خبرة النساء بالقمع تتباين وفقاً للأصول العرقية والطبقية والتاريخ الاستعماري والموقع الحالي في النظام الاقتصادي الدولي" (Moser 1989: 17). تنظر مقاربة الجندر في التنمية إلى المرأة كوسيط وعامل في التغيير وليس كمستقبل سلبي للعون التنموي (Rathgeber 1990: 495, 494) وأصبح إدماج الجندر في السياسات الرئيسية واحدا من أولويات مقاربة الجندر والتنمية لأن مقاربة المرأة في التنمية أدت إلى تغيرات طفيفة فقط في السياسات التنموية. وفي اليمن على سبيل المثال كانت 15% من مشاريع التنمية التي تمولها هولندا منسجمة مع معايير (المرأة في التنمية) المطبقة في مشاريع التنمية الهولندية (Jansen et al. 1993: 112). بعد نقاش دولي واسع حول الجندر والتنمية أدرجت توجهات الجندر والتنمية في سياسات العون التنموي واكتسبت أهمية في اليمن.

أما فيما يتعلق بالخطابات الهولندية حول تنمية الرعاية الصحية فقط حدث تحول أيضاً من تشييد البنيات الأساسية ودعم أنشطة المستشفيات وتقديم الأجهزة الطبية والأدوية ودعم البرامج الرأسية إلى الرعاية الصحية نتيجة للمؤتمر الدولي لمنظمة الصحة العالمية حول الرعاية الصحية الأولية في عام 1978 وكما سبق أن أوضحنا في الفصل الثاني أولت مقاربة الرعاية الصحية الأولية عناية كبرى للتوزيع العادل والصحة الوقائية والمشاركة المجتمعية والتكنولوجيا الملائمة والتنسيق عبر القطاعي. تم اعتماد مقاربة الرعاية الصحية الأولية رسمياً عام 1986 في ورقة سياسات العون التنموي الهولندي في مجال الرعاية الصحية (DGIS 1989: 4). شددت الوثيقة على ضرورة إيلاء أهمية خاصة للاحتياجات الصحية للمرأة وفي عام 1989 تم اعتماد ورقة قطاعية خاصة حول المرأة والصحة "لأن التجربة العملية أثبتت صعوبة إدماج مساهمات ومنظور المرأة وظروفها الخاصة في إعداد وتنفيذ البرامج الصحية" (مصدر سابق) وانتقدت هذه الورقة تعامل مشاريع الرعاية الصحية مع المرأة كأم فقط وكمستقبل سلبي أكثر منها مشارك فعال. واستهدفت الورقة رفع الوعي بالاحتياجات الصحية الخاصة بالمرأة ودور المرأة كمقدمة للخدمات الصحية وكعاملة في المجال الصحي ولتوفير إطار يتم فيه تحديد المشكلات وجمع المعلومات ذات العلاقة وتطبيق تلك المعلومات في المراحل المختلفة من دورة المشروع (مصدر سابق).

أصدرت إدارة التعاون التنموي الدولي الهولندي وثيقة هامة كان لها أثر كبير باسم "عالم من الاختلافات" عام 1990 فصلت فيها رؤاها حول الرعاية الصحية الأولية والدور الهام للمرأة في تقديم تأمين الرعاية الصحية. تم تأسيس مشاريع للرعاية الصحية الأولية في رداع وذمار في النصف الأول من الثمانينيات. وتركز الاهتمام في هذه المشروعات على توفير خدمات صحة الطفولة والأمومة لمواجهة ارتفاع معدلات وفيات الأطفال والأمهات في اليمن. وكان تدريب كادر صحي نسوي والإشراف عليهن من أولويات المشروع أيضا كما أن نشاطات التوعية الصحية قد أضيفت إلى مشروعات المياه والصرف الصحي. في عام 1987 أنشأ مشروع الرعاية الصحية الأولية الحضرية بالحديدة كأول مشروع للرعاية الصحية الحضرية في اليمن

قد أدت الآثار المحدودة لمشروعات الرعاية الصحية الأولية على نطاق العالم تدريجيا إلى الوعي بأن الصحة الوقائية لا يمكن أن تنجح إلا إذا صحبتها خدمات صحية علاجية جيدة (Hardon et al. 2002: 11). إضافة إلى اكتساب موضوعي تنظيم مشروعات الرعاية الصحية وتمويلها أهمية كبيرة (مصدر سابق). في التسعينيات تغيرت أولويات تنمية الرعاية الصحية لإقامة نظم الرعاية الصحية على امتداد منطقة بأكملهما بدلا من مشروعات الرعاية الصحية الأولية المنعزلة وإدخال نظام استعادة التكلفة وإعادة هيكلة قطاع الصحة العامة وقد تزامنت هذه الأولويات الجديدة مع التحول من دعم المشروعات إلى دعم البرامج بهدف تحسين إمكانيات استدامة أنشطة التنمية، إذ أصبح من الواضح كما ذكرنا في الفصل الثاني، أن العديد من المشروعات لم تتمكن من الاستمرار عقب توقف التمويل الأجنبي. لذلك ترسخت قناعة بأن دعم المشروعات الحكومية بدلا من إقامة مشاريع جديدة يوفر ضمانا لاستدامة المشروعات. وكان للمؤتمر الدولي الثاني حول السكان والتنمية في القاهرة عام 1994 أثر كبير على سياسات التنمية الهولندية في مجالي المرأة والرعاية الصحية.

أصبحت الحقوق الإنجابية مفهوما رئيسيا وتم إدماجها في سياسات التنمية الهولندية بسرعة. بينما كانت الأنشطة السكانية في السابق مقتصرة على تنظيم الأسرة وخدمات صحة الطفولة والأمومة اتسمت مقاربة الصحة الإنجابية التي حلت محلها بالشمولية التي تضع في اعتبارها كل المجتمع إضافة إلى أن هذه المقاربة تدعم فرص المرأة في التعليم وترعى حقوقها القانونية وتعمل على الحد من الفقر بين النساء حيث أن هدفها النهائي هو تمكين الناس بتمليكهم القدرة على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم. أصبحت الصحة الإنجابية وتدريب النساء كعاملات صحيات ونظام استعادة التكلفة والمشاركة المجتمعية والبرامج التي تغطى المناطق كلها جزءاً من برنامج إصلاح القطاع الصحي في اليمن (وزارة الصحة العامة (1999). ضمنت نفس المعايير في المشروعات الصحية التي تمولها هولندا في اليمن ودعمت هولندا إعداد مشروع إصلاح القطاع الصحي في اليمن ومولت على الأقل مشروعين حكوميين في هذا المجال[87].

منذ عام 1998 ووفقا لتوصيات البنك الدولي تبنت السياسات التنموية الهولندية في اليمن منحى قطاعيًا بمعنى دعم القطاعات الحكومية فنيا وماليا لتشجيع الإحساس بالملكية وضمان الاستدامة ضمن المقاربة القائمة على نطاق القطاع بأكمله واستخدمت مقاربة جديدة سميت (خافيم)[88] لضمان دمج عوامل الحكم الرشيد Good Governance"، الحد من الفقر، المرأة والتنمية، التطوير المؤسسي والبيئة في كل السياسات (AIV 2002: 12).. في عام 1988 قررت الحكومة الهولندية تركيز مشروعاتها التنموية في تسعة عشر دولة نامية فقط وفقا لثلاثة معايير هي تدنى معدل نصيب الفرد من إجمالي الناتج القومي عن 825 دولارا في العام، والتاريخ الجيد من السياسات الاقتصادية ذات المضمون الاجتماعي والحكم الرشيد[89]. واختيرت اليمن ضمن هذه الدول التسعة عشرة بالرغم من الجدال الساخن الذي دار حول ما إذا كانت اليمن تحظى بحكم جيد فعلا[90]. ومنذ عام 1999 تقرر دعم ثلاث قطاعات حكومية هي قطاع المياه والتصريف الصحي، قطاع الرعاية الصحية وقطاع الزراعة أضيف لها التعليم عام 2000 كقطاع رابع وبقيت البيئة والجندر والحكم الرشيد موضوعات ذات أهمية خاصة.

استمر مشروع الرعاية الصحية الأولية الحضرية بالحديدة لخمسة عشر عاما من عام 1984 إلى عام 1999. هذه الفترة الطويلة نسبيا للمشروع يجعل تحليل تاريخ المشروع مدخلا سليماً لفهم الآثار الفعلية لتحول سياسات وخطابات التنمية الهولندية، والي أي حد تم موائمة أنشطة المشروع مع هذه التحولات؟ وكيف أدمجت المقاربات المختلفة لموضوع المرأة والتنمية في المشروع؟ ما هو موقع تدريب المرأة اليمنية وتوظيفها كمرشدة من المقاربات المختلفة للمرأة والتنمية؟ سيجيب الاستعراض العام لتاريخ المشروع عن هذه الأسئلة.

ℹ️

عن المؤلفة

الدكتورة مارينا دي ريخت هي باحثة وأنثروبولوجية هولندية متخصصة في قضايا النوع الاجتماعي، والعمل، والهجرة في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي، مع تركيز خاص وعميق على اليمن. بدأت علاقتها باليمن في أوائل التسعينيات، حيث عملت لسنوات في مشاريع تنموية بمدينة الحديدة، وهو ما أتاح لها فهماً ميدانياً وشخصياً للسياق الاجتماعي والثقافي.لأغراض التحليل.
*

مراجع وهوامش

[82] [82] Internationale Samenwerking, vol. 6, June 2001 انترناشيونال سامن فيركن العدد 6 يونيو 2001

[83] قدمت هولندا اليمن 40% من إجمالي العون الأجنبي الذي حصلت عليه اليمن عام 1996 على أساس ثنائي وجاءت ألمانيا في المرتبة الثانية 29% واليابان في المرتبة الثالثة بـ 17% وفرنسا في المرتبة الرابعة 5% (UNICEF 1998: 15).

[84] تم تصنيف البلدان المستهدفة على أساس " درجة الفقر، احتياجات العون المحددة غير المغطاة (وهي تختلف عن احتياجات توسيع فرص التجارة) ومدى توفر بنيات اقتصادية واجتماعية تساعد برامج وسياسات التنمية في تحسين الأوضاع في البلاد وتوفير ضمانات بأن العون التنموي سيفيد كل المجتمع مع اهتمام خاص بأوضاع حقوق الإنسان (DGIS 1975: 45).

[85] حدد موسرMoser (1989) المقاربات المختلفة لموضوع المرأة والتنمية منذ الخمسينيات بمقاربة الرعاية الاجتماعية، مقاربة المساواة، مقاربة مكافحة الفقر، مقاربة الكفاءة ومقاربة التمكين.

[86]تمهيدا لقدوم "اختصاصي القطاع" في مجال المرأة والتنمية، عينت سيدة أخرى بصفة مؤقتة في الفترة من 1987- 1988. وصلت الاختصاصية الرسمية في عام 1989. منذ ذلك الحين عملت ثلاث اختصاصيات المرأة والتنمية في هولندا وستتسلم الرابعة عملها في أوائل 2003.

[87] برنامج الأدوية في اليمن وتدريب قابلات المجتمع مثالين للمشروعات التي مولتها هولندا في هذا الإطار.

[88] خافيم تتشكل من الحروف الأولى من كلمات " الحكم الراشد، الحد من الفقر، المرأة والتنمية، التطوير المؤسسي والبيئة باللغة الهولندية Goed governance, Armoede, Vrouwen, Institutionele Ontwikkeling en Milieu.

[89] الحكم الراشد تعني ضمن ما تعني، الشفافية حول الإنفاق الحكومي، قلة أو انعدام الفساد، كفالة حرية التنظيم، حرية الصحافة، واحترام حقوق الإنسان.

[90] انظر على سبيل المثال إلى صحيفة فولكس كرانت الهولندية الصادرة بتاريخ 31 أكتوبر 1988 و28 نوفمبر 1998

الكلمات الدلالية