صنعاء 19C امطار خفيفة

للذكريات مقام مقال

للذكريات مقام مقال

تحية لأعياد نوفمبر، وتحية لأحد البسطاء من نوع نادر، تغنّى كثيرًا بمجد نوفمبر، أمجاد سبتمبر وأكتوبر… الراحل محمد المسّاح صاحب لمسة لحظة.

يا زمن…
رحل المسّاح عزيزًا.
عنه يكتب القلم،
نسائل الحروف
عن أيّام… درر.
نستهل القول
بالقول العطر:
يا زمنًا نناجيك، نكتب
للتاريخ فهمتَ ما لديك.
أروينا ماءً زلالًا،
أسقينا مطرًا.
نستهل القول
بالقول الحسن،
نستقيه من عبق الفكر،
علّنا نقضي من الدنيا وَطَرًا.
نبدأ القول باسم الذي
بالحق آمن ما كَفَر،
دعا لغيمة
ظلّلها المطر،
بليلةٍ دهماء
أحرقت بشرًا.
سالت دموع… تعالت،
صرخة تبكي… تنادى:
يا دمعةً تسمو
على الجراح.
يا زمنًا باقٍ من
رحلة العمر،
ما زال لنا قيد… أثر
بجدول الزمن.
كتبنا شعرنا… حفظنا
أبيات شعر لرفقةٍ
نِعِم نعم… بهية رحلة الزمن.
عديدون زاملونا،
بعضهم ما زال حيًا،
وبعضهم عنّا ترجل،
لكنهم باقون… تركوا على الأرض
أطيب الأثر.
اشهد يا زمن  أبدًا
أبدًا لست أكذب
عن محاسن من عنا
رحل… عنه
سوف أنقش الحجر.
وجهٌ ضحوك تلقاه
في كل منحدر،
صنف أصيل تراه،
تصادفه بكل معبر،
بسمته تغريدةٌ تصوغ
إجاباتٍ لأسئلةٍ استعصت
إجابتها.
يجيب الدهر
عنها فيما ندر
سل الزمن: من
كان السبب؟ من
عساه تَلَكَّأَ
في صياغة الحل… الخبر؟
ابحث أيّها
السائل، اسأل
راحلنا الذي عنا رحل.
كان – كما عهدته –
ما توارى عن الذكريات،
ما غاب… ما احتجب،
باقٍ على الأرض… أثر:
كتابات حرف، قلم،
لحظة يا زمن…
عمود من ذهب.
عن ابتهالات موج البحر…
حروفًا يكتبها
بمحاراتٍ من درر.
يكتب للبحر
أناشيد زمن،
تاركًا أثرًا… مغرّدًا،
ممسكًا قلمًا فوق
أهداب الحروف،
أغصان الشجر
مثلنا… مثل كل الكادحين،
منذ الصغر… عاش
الضنك… عاش
الفقر والعوز.
أمسك القلم،
عانق الحروف،
حال دون دفنها
مدافن سَقَر.
قال للزمن،
للناسوت،
للطاغوت:
قِفا… أمامكما بشر.
ضمّد للحرف الجراح،
رفع القلم… ما
أُنزل العلم.
ذاد بقوة الحرف عن
مكانة الوطن—
يمن التوحّد بالحق،
بالعلم، بالحرف، بالقلم.
دماء جرت بين
صنعاء وعدن،
تطلعات سادت
شوارعك يا عدن.
مثلما قطع الشوارع
راحلنا العتيد
مشيًا على الأقدام من
التواهي حتى المعلا
إلى كريتر عدن.
أبوه المكافح… حاملًا
ربطات تنباك،
يمخر أرجاء المدينة،
مدينة السحر عدن.
صورة من صور الكفاح،
لجدلية الحياة
يصنعها بشر.
أباه صلّى بمسجد البيحاني،
الابن تعلم مثلنا بمعهد البيحاني،
واستظل بظل مقهى طيب الذكر
الحاج فارع… إن شربت بمقاهيه
فنجان شايٍ محوّج
ظلّت ذكراه مدى العمر.
راحلنا تتلمذ مبكرًا… شبّ
فصيحًا يطلق الجمل.
رعى الله أستاذنا محمد المجذوب،
وأستاذنا باب الله،
كلاهما من سوداننا الأغر.
تشربنا على أياديهما
مشارب العلم،
تعلمنا صياغة الدرر.
ماذا أحدث؟
عن المروني،
عن عبد الباري قاسم،
عن جعفر علي عوض،
عن عبد الرحمن فخري،
عن أستاذ الأجيال علي محمد عبده…
كثيرون من كواكب الزمن
كانوا لنا منارات علم،
أبحرنا بعلمهم… نهزم المحن.
راحلنا جالس مثلنا
وأستاذنا الباذيب
جدلي، أممي،
كان مؤمنًا
بوحدة الوطن،
بوحدة البشر.
سار على خطى صديق عمرنا
أبو أزال عمر.
يا لها من رحلة لزمن
البدايات… كانت
في عدن.
جدل الحياة في تغير مستمر…
دارت الدنيا، والتقينا ثانيةً بعد
ردحٍ من الزمن.
أعاد الدهر رسم خطوطه
بقاهرة المعز،
كنانة أهل اليمن.
بالمنيل التقينا… لطفك يا زمن،
جميل أنت… تعيد رتق الحياة
ووصل ما انقطع
رحلة أخرى لها وهج،
ضحكت لنا فيها
تباشير القمر.
علمًا، ثقافة، سياسة،
تباينات… لكن أبدًا
ما أسقط القلب الوطن،
وما أسقطت
أيادينا القلم.
عقود عمرنا مرّت،
تُصارع الإخوة الأعداء.
كانتزاكيس… على هداه سرنا.
راحلنا بوهيـمي
يقتفي الأثر.
إخوة كنا… ظللنا على العهد،
لنا وطن شاء من شاء
ومن أبى.
لا سبيل غير حوار مستمر،
مثلما قالها راحلنا المسّاح:
لحظة يا زمن…
فلا حرف اعتَوَج،
ولا شريم بالحول
يلغي قوة الجدل.
كنا… وكان العمر… ومعنا
رفقة كبار أعزاء،
بعضهم رحل، ونحن مثلهم
ننتظر
حكم القدر.
رحلتنا معك يا
رفيق العمر
أحداثها كلها عجب،
سأتلُو بعضها،
نادرة تحتوي
كل العجب.
أذكر جيدًا… كنا في
مقتبل العمر،
بريعان الشباب،
يوم مشينا نختال
نجتاز شارع
الروضة بالمنيل،
نطلق الضحكات،
نردد آهات الغرام.
حين مرّت بجوارنا
حسناء… جمالها
يخطف النظر،
يفيق جلمود صخر
شكّله خالق الكون
ومن شاء اعتبر.
يا له من وجه ضحوك
صبوح كالقمر،
تثنّى… أشعل فينا
حرائق روما،
ما مثلها أشعل نيرون
قلب روما وافتتن.
أغدقنا لجمالها الغزل،
نسينا أن بالحي بشر.
هاجمتنا ذئاب أثقلت
كاهلنا… دفعنا
مقابلها ثمنًا
غالٍ. كان الثمن جمهرة،
هياج ولمة…
ما خرجنا من المأزق إلا
بأفدح الثمن.
سال دمٌ وانهمر…
يا لها معركة تركت ذكرى
ما زال لها أثر.
ردد الراحل بشأنها
أعذب الجمل،
بصموده واحترافه
فنون النزال… أذهلت
جموعًا من توافد
من بشر.
رعاك الله يا راحلًا…
تركت بالنفس
نفوس من أحببت
أطيب وأجمل الأثر.
اسألوا إن شئتم عمّنا
المكوجي جلال… أو زيدوا
واسألوا عمّنا البواب التعيس.
عمّنا جلال كان شاهد زور
يوم معركة دفعنا
من دمنا لها ثمنًا.
لكن ماذا أقول
يا راحلنا… يا من
عنا رحلت؟
هم قد غادروا قبلك…
لكن أجدني أقول لمن يرغب
سماع أجمل الجُمَل عن
راحلنا المسّاح:
رجاءً… اذهبوا
واسألوا ابن لحج
صديق عمرنا… صديق دراستنا
بعدن… بالمنيل… بقاهرة المعز،
صديق عمرنا العزيز
صالح يسلم عبد الرسول.
بالله اسألوه… فعنده عن
راحلنا الكثير من
أحاديث الدهر،
بتاتًا… ما انقرض.
وهل يخفى القمر؟
فعند جهينة
الخبر اليقين.
لك الرحمة
راحلنا المسّاح،
وابقاك ذخرًا لنا
ولكل الطيبين.
وسلامًا إليك من القلب
يا…
صالح
يسلم
عبد الرسول.
ألف تحية وسلام
يا ابن عبد الرسول.
مهما تقادمت بنا الأيام،
فأجمل الأشياء بالعمر
تركت بحقيبة التاريخ
أطيب الأثر.

الكلمات الدلالية