في حضرة الأدب والثقافة:
عباس محمود العقاد (3)
للعقاد العديد من المؤلفات والكتب القيّمة الأخرى، وكلها تعكس موقفه القوي من قضايا الفكر والأدب والإنسانية والحرية وحقوق الإنسان، وتؤكد على أهمية احترام الجميع لهذه الحقوق.
لم يروق نهجه ومنهجه للإخوان ولا للسلفيين. قال عنه بعض خصومه من الإسلاميين إنه لم يكن متدينًا لأنه لم يصاحب أحدًا منهم، ولأن المسيحيين يشيدون بما كتبه عن السيد المسيح، ولأنه -حسب زعمهم- كان لا يصلي الجمعة... ربما في مرحلة معينة من مراحل حياته، وأنه كان يتعمد أن يعقد صالونه الأدبي يوم الجمعة، وتحديدًا وقت الخطبة وأداء الصلاة، وله مواقف معهم.
مع انه أبدع أيما إبداع في كتابته "عبقرياته"، غير انه اتهم كذلك بتطاوله على بعض الصحابة رضوان الله عليهم، وبأنه يعتقد بنبوة غاندي، وقيل إن له رؤية غريبة للتوحيد والوحي، ولأنه وصف المهاتما غاندي بقوله انه: "قديس القرن العشرين. وقال : إن ذلك الرجل المسالم البسيط استطاع أن يجمع الهند على كلمة واحدة رغم تعدد ثقافاتها واختلاف ملل أبنائها، .." زعم بعض من خصومه انه عد المهاتما غاندي نبياً، بالمقابل، فالعقاد -برأي كبار العلماء- قدم خدمة كبيرة للفكر الإسلامي، حتى إن الشيخ أحمد الباقوري قال عنه: "الأستاذ العقاد مجاهد صادق، بعيد النظر، غيور على الإسلام غيرة عاقلة". وقال عنه الشيخ الغزالي: "الأستاذ العقاد خير من كتب عن العقيدة والدين بوعي وإيمان، وأنه صاحب أكبر عدد من المؤلفات الإسلامية الجادة."
ولهذا، ورغم كثرة كتاباته عن الإسلام وشخوصه، وجمال وجمالية ما كتبه عن الله في كتابه الموسوم بـ"الله"، فلم يؤطره كل النقاد في إطار إسلامي، إنما أطره بعضهم وبعضهم أطره في إطار إنساني لأنه كان يدافع عن الجمال والفن بمفهومهما العلماني المعاصر.
مما قاله العقاد عن الله تعالى في كتابه آنف الذكر، مستهدفًا بيان عظمة الله تعالى بمنظور عقلي فلسفي عميق، قوله: "فكانت فكرة الله في الإسلام هي الفكرة المتممة لأفكار كثيرة موزعة في هذه العقائد الدينية وفي المذاهب الفلسفية التي تدور عليها. ولهذا بلغت المثل الأعلى في صفات الذات الإلهية، وتضمنت تصحيحًا للضمائر وتصحيحًا للعقول في تقرير ما ينبغي لكمال الله، بقسطاس الإيمان وقسطاس النظر والقياس".
وبالمناسبة، فمن أهم جوانب عظمة فكر وثقافة وأدب وكتابات العقاد أنها كثيرًا ما كانت تثير الجدل في الأوساط الأدبية والفكرية والدينية لعمق دلالات ما كان يطرحه فيها من المواضيع الفلسفية والدينية والاجتماعية.
يتبع