أمين أحمد قاسم المناضل السياسي ورجل المال والأعمال
أمين أحمد قاسم
أمين أحمد قاسم رجل وُلد قائدًا سياسيًا كبيرًا، إنسان عصامي بنى نفسه من الصفر، من موظفٍ مجتهد يحب عمله مع "توني بس"، إلى رجل أعمال وطني كبير، نظيف، وجميل الروح، عرفته في بداية صعود نشاطه التجاري.
التحق بـ"حركة القوميين العرب" في بدايات الستينيات، وخاض مع رفاقه معترك الكفاح السياسي في قلب ثورتي 26 سبتمبر 1962م، و14 أكتوبر 1963م، وكان من ضمن المجاميع التي شاركت في التحول من الحركة القومية إلى الاشتراكية بعد تشكيل "الحزب الديمقراطي الثوري اليمني" والذي ساهم في تكوين لبناته الأولى في قلب العمل السياسي، ويحكي عنه بعض رفاق تلك الرحلة أنه كان من الفاعلين في الفكر وفي السياسة.
أمين أحمد قاسم شخصية ديناميكية، حركية، مثابرة، ودؤوبة، لا يُوجّه نصائح بل يتكلم بخطاب البحث عن حلول لهذه المسألة أو تلك القضية.
إنسان خلوق، خطابه الشخصي والسياسي متزن ورصين، يفكر كثيرًا قبل أن يتكلم، ويصمت حين لا يجد مبررًا فعليًا للكلام.
جمع في حياته بين العمل السياسي الحزبي الوطني، وبين نشاطه التجاري بصورة خلاقة، لم تجعله التجارة والمال يتخلى عن بداياته الكفاحية الوطنية، التي واصلها من المهد إلى اللحد. كان إصراره على ذلك الجمع بين السياسي/ الحزبي والنشاط التجاري مخاطرة كبيرة، ليس بالتجارة والمال بل وبالنفس والحياة، في ظل أوضاع سياسية وأمنية فاسدة وقاسية في عنف استبدادها تجاه النشاط السياسي العادي، فما بالكم بمن يريد الجمع بين الكفاح السياسي المدني الديمقراطي ضد الاستبداد وبين العمل التجاري والمالي. ولذلك السبب تعرض الأستاذ والصديق أمين أحمد قاسم -رحمه الله عليه- للاعتقال والتعذيب، وكان مثالًا للصمود السياسي في السجن، وقدوة للآخرين. وبعد حرب 1994م، تعرض ثانية للاعتقال لأكثر من سنة، وكان كذلك صورة حية للشخصية الوطنية اليمنية المكافحة والمدافعة عن الحريات والحقوق والدولة المدنية الحديثة.
تزاملنا في جامعة صنعاء في الأعوام 76/75/1974م، حين قرر الالتحاق لتأهيل نفسه بالدراسة التعليمية/ الأكاديمية، وهو في غنى عن ذلك، ولكنها حب المعرفة. التحق بالجامعة (منتسبًا منازل) مع حضور نادر حين يتاح له الوقت، وخلال هذه الرحلة التعليمية كوّن علاقات صداقة متميزة مع مجموعة من دكاترة الجامعة العرب، من المحسوبين على التيار التقدمي في كل التخصصات: الفلسفة والاجتماع والتاريخ والاقتصاد، موطدًا علاقته الشخصية بهم، حتى أنه كان يدعوهم إلى منزله للغداء والقات بهدف تبادل الرأي حول القضايا الوطنية والعربية العامة، دليل على عمق العلاقة الشخصية والإنسانية التي جمعته بهم. أكّد خلالها العزيز والكبير أمين، أنه شخصية اجتماعية مؤثرة. وشخصيًا حضرت العديد من هذه اللقاءات/ المقايل التي كان في الغالب يحضرها د. عبدالسلام نور الدين حماد (السودان) أستاذ الفلسفة، د. محمود عودة بروفيسور علم الاجتماع (مصر)، د. محمد أنيس أستاذ التاريخ (مصر) إلخ، وكانت من خلال هذه اللقاءات المتقطعة يحضرها بعض الأسماء الفكرية والثقافية والسياسية اليمنية: د. أبو بكر السقاف، الأستاذ عبده علي عثمان (أساتذة جامعة)، ومن الطلبة فاروق الحاج أطال الله في عمره، عبدالعزيز أبو بكر، عبده عثمان، وعبدالوارث عبده سيف، (يرحمهم الله)، وكان أمين من خلال هذه اللقاءات يوصل رؤيته عن الأوضاع السياسية وتفاصيل ما يجري في البلاد.
يمكنني القول إن أمين أحمد قاسم شخصية متحدية، معاندة، صلبة، وصبورة في نفس الوقت.
فقبل إعلان الوحدة اليمنية بأشهر قليلة كنا نجتمع في واحدة من البيوت الحزبية السرية في صنعاء، مجموعة من أعضاء اللجنة المركزية وكوادر الحزب العليا، لعدة اجتماعات متتالية كان حاضرًا فيها الأستاذ الصديق عبدالباري طاهر، والأستاذ المناضل محمد سالم الشيباني، وعدد من قيادات وكوادر الحزب العليا، بهدف بحث أوضاع الحزب وبلورة رؤية كيف ندخل إلى الوحدة. وقد أدار بعض هذه الاجتماعات، قادمًا من عدن، الرفيق القائد الفقيد سلطان أحمد عمر. وفي كل هذه الاجتماعات لم يغب أمين قاسم عن حضور أي اجتماع، كان حاضرًا فاعلًا ومناقشًا وبجدية حول كل شيء. وحينها كان خوفي على أمين قاسم كبيرًا بسبب وضعه كأحد رجال المال والأعمال، وخشية من انكشاف الأمر لأجهزة الأمن وتعرضه للأذى الشخصي. وسألته في إحدى هذه اللقاءات: أليس في ذلك خطورة عليك؟ فأجاب بما معناه: خطر الموت قتلًا أمر قائم في أية لحظة. إلى هذه الدرجة كانت شجاعته التي يمارسها فعلًا ولا يتقولها.
الأستاذ الصديق أمين أحمد قاسم طوال هذه الرحلة من الجمع الصعب والخلاق بين السياسة وإدارة المال والأعمال، لم يتوقف عن القراءة الفكرية والثقافية والسياسية، كان يتابع تفاصيل كل ذلك، ويتابع شراء كل جديد من إصدارات الكتب في الفكر والثقافة والسياسة.
أمين قاسم هو من طبع كتاب د. أبو بكر السقاف: "الجمهورية بين السلطة والقبيلة في شمال اليمن" في طبعته الأولى عام 1988م، وكذلك في طبعته الثانية 2020م، وغيرها من الكتب. إنه واحد من أبناء هذا الشعب لم ينسَ أصله الاجتماعي الفقير، ولذلك كان يقف بجانب الكثير ممن تعوزهم الحاجة إليه، كما أشار محقًا صديقنا المشترك الشاعر عبدالكريم الرازحي.
عاش أمين أحمد قاسم نظيفًا، شجاعًا، كريمًا، وغادرنا إنسانًا كبيرًا كما أحببناه.
الرحمة والخلود لروحك الطاهرة أخي وصديقي أمين أحمد قاسم، وإلى جنة الخلد إن شاء الله.