صنعاء 19C امطار خفيفة

اعتقال رسل السلام

لقد شكّل المشهد المؤلم المتمثل في اعتقال سلطة الأمر الواقع لثلاثة من رموز التحالف المدني للسلم والمصالحة الوطنية: المفكر الدكتور حمود العودي، والمهندس المثقف عبدالرحمن العلفي، والناشط أنور شعب، صدمة عميقة في وجدان اليمنيين على امتداد الجغرافيا، أفرادًا ومكونات ومنظمات وأحزابًا. لم يكن ذلك الاعتقال مجرد إجراء أمني عابر، بل كان استهدافًا مباشرًا لثلاث شخصيات نذرت نفسها للدفاع عن سيادة الوطن وكرامة شعبه المنهك، ووقفت في مواجهة الضغوط الخارجية التي غذّت تناقضات الداخل واستثمرت في معاناة اليمنيين.

فالدكتور العودي فكرًا ووعيًا، والمهندس العلفي رؤيةً وتنظيمًا، والناشط أنور شعب التزامًا وفداءً؛ هم نماذج حية لتيار مدني وطني أدرك مبكرًا أن استمرار الحرب هو انتحار جماعي، وأن استعادة الدولة، وبناء السلام، وترسيخ المواطنة المتساوية، وتحقيق التنمية المتوازنة هي السبيل الوحيد لإنقاذ اليمن وانتشاله مما يقبع فيه. ولذلك كان وقع اعتقالهم قاسيًا، ليس على أسرهم ومحيطهم فحسب، بل على اليمنيين الذين ينتظرون بارقة أمل في هذا الظلام الممتد.
لقد تحرك هؤلاء استجابة لواجب وطني خالص، وبدافع ضمير حي حملهم على إعلاء شأن الحرية وكرامة الإنسان اليمني بشجاعة نادرة، بينما تراجع غيرهم أمام آلة البطش وسطوة الجبر. اجترحوا فعل العمل المدني دفاعًا عن الحق وقيم الدولة، فيما انكفأ غيرهم في دائرة ضيقة حبكها الخارج ونسجتها خيوط الداخل.
ليست المشكلة في الأشخاص الذين جرى اعتقالهم، بل في الأفكار التي يحملونها، والطروحات التي يقدمونها، والوعي الذي يخشى معتقلوهم تمدده.
إن التحالف المدني للسلم والمصالحة الوطنية، بما يطرحه من رؤى وطنية جامعة، يمثل تيارًا عريضًا ينشد استعادة الدولة، لا استبدال نسخة من الاستبداد بغيرها. إنه مشروع يلتف حول ثوابت وطنية يجمع عليها اليمنيون، ولذلك يصطدم بشكل مباشر مع منهج سلطة الأمر الواقع في صنعاء التي لا ترى إلا ما تراه، ولا تريد لصنعاء أن تتحدث إلا بصوت واحد ينسجم مع رؤيتها الضيقة. وهذا التباين الجذري بين مشروع الدولة ومشروع الجماعة هو ما يؤخر قيام حوار وطني حقيقي، حوار يفضي إلى حل شامل، لا اجتماع شكلي يكرّس الأزمة ويطيل أمدها.
إن السلام، والحوار، والمصالحة الوطنية ليست ترفًا سياسيًا، بل هي الطريق الوحيد نحو يمن جديد يتسع لكل أبنائه دون إقصاء أو تمييز. ومع كل اعتقال، ومع كل قيد، ومع كل محاولة لإخماد صوت حر، يزداد إصرار اليمنيين على أن مشروع الدولة العادلة أقوى من السجون، وأن اليمن أكبر من أن يُختزل في جماعة أو جغرافيا أو لون واحد.
* دبلوماسي وبرلماني سابق

الكلمات الدلالية