إلى معلم الفلسفة عدنان أحمد سيف: الفلسفة لا تعلمنا كيف نحيا بل أيضًا كيف نموت!
صباح أمس الأربعاء، معلم وموجه الفلسفة في التعليم الثانوي الصديق عدنان أحمد سيف، وهو يمشي ذاهبًا تجاه مقر عمله، يغمى عليه ويسقط على الأرض؛ وذلك لسوء وفقر التغذية.
فنصف الراتب الذي يتقاضاه كل ثلاثة أشهر لا يسمن ولا يغني معلمًا جائعًا؛ بل يميته ببطء.
فما بالك بمعلم فلسفة يسقط أو يموت جائعًا؟!
إنه حدث بامتياز؛ فسقوط أو موت معلم فلسفة من الجوع، حدث فلسفي بامتياز. فالفلسفة حدث في الفكر؛ وكذلك موت فيلسوف أو معلم فلسفة، حدث مضاعف لأن نفكر فيه فلسفيًا.
جرت الصداقة بيني وبين معلم الفلسفة عدنان أحمد سيف، من أيام الجامعة، على إثر اقتسام مجموعة من طلاب الجامعة الغداء مع الشاعر مختار الضبيري، وذلك بعد الخروج من ساحة كلية الآداب في جامعة صنعاء، لتناول الغداء في أحد الشوارع المجانبة لموقع الكلية.
حيث بعد تناول الغداء مع الشاعر، ذهبنا ثلة من الطلاب لتناول الشاي معه في مقهي الشيباني المجاور للكلية أيضًا.
وحينها قرأ مختار الضبيري علينا قصيدته الجديدة -حينها- "جميلة؟"، ذات الخمس الصفحات، كمقابل مشاركته لنا في دفع حساب وجبة الغذاء.
ومن إعجاب وحب معلم الفلسفة عدنان أحمد سيف للقصيدة، طلب متسائلًا من الشاعر إمكانية نسخ صورة من أوراق القصيدة للاحتفاظ بها كذكرى لقاء مع شاعر.
وعندها طلبت من الصديق معلم الفلسفة أن ينسخ لي أيضًا نسخة أخرى.
وبعد وداع الشاعر أخذت أقدامنا في المشي والحديث حول الشاعر وقصيدته. فأبدى حينها معلم الفلسفة تثمينه بحرارة لحرية قصيدة "جميلة؟"؛ فقد كانت من قصائد التفعيلة المحررة من نظام الوزن؛ والمائلة أكثر نحو قصيدة النثر.
ومن جهتي؛ قصيدة "جميلة!" للضبيري ذات سيلان متدفق، وتقرأ على نفس واحد.
دفع الشاعر مختار الضبيري بقصيدته بلا قصد نحو صداقتي لمعلم الفلسفة عدنان أحمد سيف إلى اليوم.
معلم الفلسفة عدنان أحمد سيف ليس فقط "معلمًا حقيقيًا" لمادة الفلسفة في التعليم الثانوي؛ بل أيضًا مشاكس عنيد وناقد جاد على المستويين العملي والاجتماعي.
وهذا روح الفلسفة.
فالفلسفة قوية ومشاكسة ومحاربة أيضًا. ومعلم الفلسفة صعب المراس؛ وهذا ما يميز معلم الفلسفة عدنان أحمد سيف عن أقرانه من معلمي الفلسفة القليلين في تعليمنا الثانوي.
وتتضح هذه الميزة (الاختلاف) عنده على مستوى النقاش؛ من التحديد والدقة للغة والمفاهيم أثناء النقاش.
وكذلك يحسب له جرأته في فتح نقاش لقضايا تكاد تكون ممنوعة النقاش اجتماعيًا وتعليميًا.
فمعلم الفلسفة الحقيقي ليس عنده ممنوع؛ لأنه ليس هناك من ممنوع على الفلسفة مناقشته أو الخوض فيه.
ومن هنا معلم الفلسفة الصديق عدنان أحمد سيف دومًا ما يتعرض إلى سوء فهم مناقشيه أو محاوريه.
وهذا سوء الفهم أو الاختلاف لا يقدر عند مثقفينا.. أو معلمينا.
لذلك في عام 2009 تقريبًا تعرض معلم الفلسفة عدنان أحمد سيف للتكفير في المدرسة التي كان يعلم بها، من قبل معلم مادة القرآن.
وكاد وقتها أن يصبح ذلك قضية إعلامية سياسية؛ غير أن معلم الفلسفة عدنان أحمد سيف لم يدفع بذلك نحو التسييس؛ بل تحدث أنه اختلف في الحوار والنقاش مع معلم القرآن فقط.
أي أن عدنان رفض السقوط في الزمن، أو بتعبير سيوراني فاتته فرصة السقوط في الزمن؛ كي يصبح لاسمه قضية تذاع على الإعلام، ويصبح من وفي وسط المجتمع الثقافي المشهورين.
في عام 2021 اقترحت على نبيل قاسم أن يدرج معلم الفلسفة عدنان أحمد سيف في نشاطات وفعاليات "البيسمنت"، وذلك من أجل أن يقدم ورقة حول تعليم الفلسفة في اليمن.
كذلك عندما أقيمت فعاليات خاصة بالذكرى الأولى لوفاة أبي بكر السقاف، اقترحت أيضًا أنه لا فعالية تحيي ذكرى متفلسفنا السقاف بلا معلم الفلسفة عدنان أحمد سيف.
وذلك ليس فقط لأن عدنان من خريجي الفلسفة؛ بل لأنه من متابعي ومحبي كتابات السقاف المتعددة.
كذلك عدنان من المهتمين الكبار بفكر جورج طرابيشي ونصر حامد أبو زيد وغيرهما من مفكري الحداثة العربية المعاصرة. إنه مثقف خجول.
لكن المناضلين والمثقفين الحزبيين الأيديولوجيين المتحكمين في الوسط الثقافي اليمني؛ مهتمون بالذاكرة، لا بالحياة وقضايا الناس الحيوية المختلفة والمتعددة.
أي عكس ما تهتم به الفلسفة المعاصرة والمتورطة في الحياة؛ حيث الفلسفة المعاصرة حيوية: قضاياها من أجل الحياة.
السكن.. الراتب.. التعليم... البيئة.. الفن.. قيمة الدين. كل ذلك عند الفلسفة ومعلم الفلسفة من أجل الحياة..
حتى الموت فمعلم الفلسفة هو من يعلمنا كيف نموت..