النقيب
كان من دواعي فخرنا واعتزازنا أن ينضم إلينا في الوسط الصحفي والإعلامي الأستاذ فضل النقيب.. بعد تعليمه الأول في معلامة القرية انتقل للدراسة في مدرسة بازرعة والمعهد العلمي الإسلامي، وسافر بعدها لمواصلة دراسته في مصر، فدرس الثانوية في مدرسة الخديوي إسماعيل الثانوية، وحصل منها على شهادة الثانوية العامة، ثم واصل في جامعة القاهرة كلية الآداب، فنال بامتياز ماجستير الأدب والصحافة، وعاد إلينا ليعمل مدرسًا في كلية عدن من 1970م إلى 1973م، وفي الأثناء اشتغل في الإذاعة والتلفزيون كنائب مدير ومدير قسم الأخبار، وفي التلفزيون اشتهرت مساهماته البرامجية الثقافية، وأبرزها برنامجه الذي لا ينسى "فنجان شاي" الذي كان لي شرف الظهور في إحدى حلقاته مع الأستاذ أحمد محفوظ عمر، رائد القصة اليمنية..
ولأن النقيب لم يكن من البخلاء وزع نشاطاته الثقافية والإعلامية بين كل وسائل الإعلام بين الإذاعة والتلفزيون، ومعنا في جريدة "14 أكتوبر".
خلال تلك الفترة زارت عدن الأديبة اللبنانية/ السورية غادة السمان، فوقع الاختيار على فضل النقيب ليكون مرافقًا لها خلال رحلتها، وكان ذلك الاختيار موفقًا، فقد استحسنه غادة، وقالت: إن الحظ لا يسعد الإنسان كثيرًا لمرافقة أديب مبدع مثل النقيب! وبعد زيارتها، وفي نفس العام، نشرت قصة قصيرة عن زيارتها لعدن، عنوانها "الساعتان والغراب".

ملأت الأسماع والأبصار نشاطات النقيب الإبداعية، مع أن مكوثه معنا لم يتجاوز في سنواته عدد أصابع اليد الواحدة، ذلك أنه اختير في وفد للسفر إلى صنعاء مع الأستاذ الشاعر محمود الحاج، ومع شاعر اليمن الكبير محمد سعيد جرادة.. ورجع الجرادة وحده.. ولما سئل عن زميليه قال عبارته الشهيرة: التقدميون تقدموا والرجعي رجع!
ومن صنعاء انتقل فضل النقيب إلى بغداد، وعمل خمس سنوات هناك في الصحافة والإعلام.. ثم انتقل سنة في السعودية، ومنها رحل إلى أبوظبي ليستقر في دولة الإمارات، ويعمل في "الاتحاد" جريدتها الرئيسية التي كان له فيها عمود يومي شهير بعنوان "دفاتر الأيام". وكانت تلك محطته الأخيرة، زار خلالها عدن مرة واحدة بعد الوحدة، كان لي معه خلالها لقاء لا ينسى.
أقامت إمارة الشارقة مهرجانًا للمسرح، وجهت لي دعوة بواسطة الأستاذ الدكتور عمر عبدالعزيز، فحضرته، ولما علم فضل النقيب بوجودي هناك، كلف نفسه الانتقال من أبوظبي إلى الشارقة، للقائي هناك.. وأشفقت عليه لأن المسافة بين الإمارتين كانت طويلة.. لكنه كرم فضل النقيب الذي لا يبارى!

وبمناسبة الكرم تجدر الإشارة إلى نفحة غنية من سجاياه.. فقد كان من عاداته في كل رمضان كل سنة، أن يتذكر شلة أصحابه في عدن، ويبعث إليهم بإكرامية سخية في حواله مالية اختارني مشكورًا لأقوم بتوزيعها عليهم حسب قائمة يبعثها بأسمائهم.. وكنت أسعد بلعب دور بابا نويل أو فاذر كريسميس!
رحم الله فضل النقيب، فلم أعرف في حياتي أكرم منه ولا أسعد حضورًا.. لقد فقدته أبوظبي مثلما فقدناه قبلها.