صنعاء 19C امطار خفيفة

الأخلاق أولًا… قبل الدولة

قبل أن نستغرق في الحديث عن استعادة الدولة التي أفلتت من بين أيدينا في غفلة من التاريخ، لا بد أن نواجه سؤالًا أكثر جوهرية وعمقًا: هل ما زالت لدينا المنظومة الأخلاقية التي تُبنى عليها الدول أصلاً؟

منذ ما يقارب الأربعين عامًا، بدأ التصدع يتسلل إلى قيم المجتمع اليمني، ليس من بوابة الفقر ولا من بوابة الصراعات وحدها، بل من الاندفاع المحموم نحو السلطة؛ ذلك الاندفاع الذي جعل كثيرين يرون في الدولة غنيمة لا مسؤولية، وفي المنصب وسيلة لا خدمة، وفي الخصومة السياسية ذريعة لسقوط المعايير والضمائر.
لقد دفع اليمنيون ثمنًا باهظًا لهذا الانهيار الأخلاقي:
انقسموا سياسيًا، تشرذموا اجتماعيًا، وتعمّقت بينهم فجوات الريبة والخوف، حتى أصبح من الصعب الحديث عن مشروع وطني جامع داخل بيئة فقدت القدرة على التمييز بين الحق والمصلحة، وبين الخلاف والعداء، وبين المبدأ والمكسب.
وما نغفل عنه اليوم هو أن الدولة ليست مجرد حدود ومبانٍ ومؤسسات.
الدولة قبل ذلك ـ وربما فوق ذلك ـ هي ثقافة عامة وقواعد أخلاقية يتوافق عليها الناس بصمتٍ ودون قانون مكتوب:
ثقافة احترام القانون، احترام الإنسان، احترام المال العام، احترام الحقيقة، واحترام الاختلاف.
هذه القيم حين تتفكك، تصبح الدولة، أيّ دولة، مجرد شكلٍ بلا روح، وبنية بلا استقرار.
لقد وقف التاريخ مرارًا شاهدًا على أن الأمم التي تفرّط بقيمها الإنسانية تفقد دولها في النهاية، حتى وإن امتلكت السلاح والثروات والحلفاء.
بينما الأمم التي صانت أخلاقها بقيت دولها، ولو شحّت مواردها.
فالأخلاق ليست ترفًا اجتماعيًا؛ إنها شرط وجود وركيزة سيادة.
من هنا، فإن استعادة الدولة اليمنية لا يمكن أن تكون مجرد عملية سياسية أو تفاهمات بين القوى المتصارعة.
إنها عملية مجتمعية وأخلاقية تبدأ من إعادة بناء الضمير العام، من استعادة الثقة بين الناس، ومن الإيمان بأن الوطن ليس ساحة صراع بل إطار حياة مشتركة.
لقد سقطت الدولة حين سقطت الأخلاق.
وستعود الدولة فقط حين نعيد الاعتبار للمعنى الأخلاقي للسياسة وللوطن وللإنسان.
ذلك هو الطريق الوحيد، مهما بدا شاقًا، ومهما طالت العواصف التي تعصف ببلدنا منذ عقود.

الكلمات الدلالية