معارك القرارات الدولية
2025-11-17
القرار الدولي المدوي الحامل رقم 2216 الصادر قبل أكثر من عقد من الزمان، وما جرى له من تعرجات وما كان له من آثار مدمرة دمرت اليمن وشعبه، وبعد كل الذي جرى تعود نفس الجهة التي أصدرت القرار سالف الذكر، أي مجلس الأمن، مرة أخرى وبعد أن دفعت بلادنا أثماناً باهظة، تعود بنا الأمور ومصالح الأطراف الفاعلة التي أصدرت القرار المشار له مع ما ترافق معه من إصرار على تفعيل مندرجاته، ولكن دون جدوى، عدا زيارات مكوكية قام بها موفدو المجلس لمتابعة التنفيذ على الأرض دون أي نتائج تذكر. لاحظنا تغيير الموفدين وكثرة الإفادات الأسبوعية والشهرية والطارئة لمجلس الأمن، وظلت الأمور دواليك دون أن يلمس الواقع على الأرض جديداً يذكر، عدا أمور تستدعي الانتباه على النحو التالي:
أولاً: ظل التعامل مع الطرف الذي صدر القرار كي يشكل قيداً عليه، وظل يتأرجح بين تعارض وعدم توافق بين أطراف اللجنة الرباعية بشأن تصنيفه. وهكذا رأينا كيف تم التعامل مع الطرف المنقلب على ما تبقى من الدولة هشاً؛ بين تصنيفه كقوة إرهاب، وإن حدث ذلك سرعان ما تعود الأمور لخلاف ذلك.
ثانياً: طرف الشرعية الذي صدر القرار لشرعيته تمت إزاحته إن لم نقل الإطاحة به.
ثالثاً: البديل الذي أوكلت إليه مهمة إنجاز أهم عنوان للمرحلة الانتقالية، أي إنهاء الانقلاب، ظلت أمور مجلس الثمانية حبيسة خلافاتها البينية، عوضاً عن كونها آلية تم التوافق عليها بين الأطراف التي أصدرت القرار 2216. لكن على مدى سنوات تكوّن المجلس الرئاسي، لم نلمس ما يشي بثمة تحول يحمل في أحشائه جنين الحل، لكن لا شيء من ذلك حصل.
رابعاً: ظلت الأمور ضبابية بشأن آفاق حل أزمة بلادنا، وبين فترات مد وجزر تعكس توافقاً أو تبايناً بين أطراف اللعبة: اللجنة الرباعية، إيران، والوسيط المعتمد سلطنة عمان. لكن لا خارطة طريق رُسمت بما يعكس توافقات أطراف الصراع؛ أي الشرعية التي تستند إلى شرعية دولية، وطرف أنصار الله الحوثيون كطرف منقلب. والسؤال المستجد الباحث عن إجابة ذات دلالات: ماذا يحمل القرار الجديد الصادر عن مجلس الأمن، وما ضمانات نجاحه، خاصة وهو القرار الذي أُلغيت فيه جوهر الإشكال والخلاف الجوهري للقرار 2216 الذي تعرض في حينه لقراءات متباينة من جميع الفرقاء، حتى داخل اللجنة الرباعية؟
نلاحظ أن روسيا الاتحادية امتنعت عن التصويت حين صدر القرار الأول، كما تحفظت على قرار المجلس الجديد. ألا يشي ذلك بأن القرار الجديد لا يعكس موقفاً موحداً لأعضاء مجلس الأمن؟ وذلك يمثل نقطة ضعف لا يغفلها صاحب العقل الفطين. إن كان الأمر كذلك فنحن أمام احتمالات عدة:
الأول: أن الأمور قد نضجت، وعلى الأرض جملة توافقات بين أطراف اللعبة: اللجنة الرباعية، إيران، وبجهد مقبول من قبل سلطنة عمان.
الثاني: لن تقدم السلطنة على هكذا مهمة ما لم تتوافر لها عوامل النجاح، بمعنى أن أطراف الصراع أصحاب القضية ثمة ما يوحي بأن تواصلات قد ضيقت نقاط الخلاف. ونأمل أن يكون أهل القضية مشمولين لهكذا تفاهمات، مع ضرورة التأكيد على وجود ضمانات تحول دون العودة للوراء، كما تتضمن ضمانات لحسم الخلافات الجوهرية بين الشرعية وطرف أنصار الله. إذ نلاحظ في مندرجات قرار مجلس الأمن الجديد ما تضمنه من بنود تحل إشكالاً لهذا الطرف وبنوداً للطرف الثاني على النحو التالي:
أولاً: تغييب المرجعيات الثلاث يتطلب بديلاً لها يعكس توافقات تفضي لمسارات أكثر جدوى بديلاً عن ساحة الحرب. نقول ذلك لأن ثمة تباينات جوهرية عن ماهية الثوابت الوطنية التي يمكن التوافق عليها، إذ نرى أن بعض الأطراف في هذه المسألة يغني كل طرف على ليلاه.
وأخيراً وليس آخراً: ما الآليات التي جرى التفاهم حولها بشأن حصر كافة أنواع الأسلحة وأدوات القوة بيد دولة موحدة قادرة؟
في كل الأحوال، أن تتحرك المياه الراكدة أفضل ألف مرة من البقاء في برك المياه الآسنة، وكل طرف يزيدها تلوثاً بغية تمرير مشروعه الخاص بعيداً عن المطلب الوطني الكلي المبني على الحوار والتفاهم وعدم فرض الحلول المنفردة بالقوة، أو محاولات الهروب خارج المصالح العليا التي ينبغي، بل يجب، أن تتاح لها كل الظروف والإمكانات كي تكون بديلاً لحالة الحرب المدمرة والهدن الميتة والخراب الاقتصادي المرهق للبلد وشعبه، وصولاً لاستقرار أمني حقيقي يسمح بمرور ما كان ممنوعاً مروره من قبل. أوضاع خلقت على الأرض قوى لها مصالح متعارضة على المستوى الاستراتيجي، كما كان لها ولا يزال مصلحة باستمرار وبقاء الحال على ما هو عليه.
أخيراً وليس آخراً: إن كانت هناك أمور ما تزال غامضة لم يعالجها قرار مجلس الأمن الأخير، وإن كان ثمة ما وراء الأكمة وراءها، فقط لنسأل: ما الضمانات التي ألغت قراراً وأنتجت قراراً جديداً؟ نسأل: ما ضمانات نجاحه على الأرض؟ مربط الفرس عند من أصدر القرار. لن نقول على الدنيا السلام، لكن لنا أمل، لكنه أمل محفوف بالمخاطر اعتماداً على تمدد سنوات حرب طالت عقداً ونيفاً وما تزال الكثير من أسبابها قائمة. هنا مربط الفرس، وعلى من أرخى لجامه مدّنا بزاد مفيد، ونحن لمنتظرون.
