46 عامًا على "تسكع" بدأ في تعز
في عالم فرانك مرمييه ومدنه المتنازعة
أيام تعز
لم يكن الشاب الفرنسي فرانك مرمييه المولود في فرنسا في ديسمبر 1958، يعلم أنه سيولد ثانية بمدينة تعز اليمنية التي وصل إليها في ديسمبر 1979، حين "كان جزء كبير من "التعزيين" إن جاز القول، في بداية ثمانينيات القرن الماضي، لايزال يعيش على ذكرى الرئيس إبراهيم الحمدي الذي كان نشاطه من أجل الوحدة مع الجنوب ومن أجل تعزيز سلطة الدولة على حساب سلطة المشايخ، سببًا في اغتياله"*.
كانت تعز بالنسبة لعالم الأنثروبولوجيا فرانك ميرمييه محطة انطلاقته في مشوار "التسكع المنهجي" الطويل والحافل بالإنجاز، وفيها تقرر مصيره، وتحدد مساره المستقبلي، كما تشكلت الملامح الأولى لهويته الأكاديمية والفكرية في تلك المرحلة المبكرة من حياته المهنية التي انعقد فيها ارتباطه الوثيق والعميق باليمن عبر تمكنه من لمس نبض المجتمع من أول وهلة، إلى أن صار من أبرز علماء الأنثروبولوجيا المتخصصين في دراسة المدن العربية، الأسواق، العمران، الكتاب والنشر، جامعًا بين العمل الميداني المكثف والتحليل النظري العميق.
لقد بدأ الأمر بالمصادفة، فبعد أن أكمل البكالوريا، وحصل على دبلوم اللغة العربية من معهد اللغات والحضارات الشرقية بباريس (76-77)، وقف على إعلان عن وظيفة لدى معهد اللغات لمترجم لدى البعثة الطبية الفرنسية في تعز، يشترط أن تكون لدى المتقدم معرفة باللغة العربية، وخبرة إدارية، ورخصة قيادة سيارة، وكان يتمتع بكل تلك الشروط، وفاز بالوظيفة التي اندرجت حينها في إطار ما كان يسمى في فرنسا بالخدمة المدنية التطوعية.

كانت البعثة الطبية الفرنسية العاملة في المستشفى الجمهوري بتعز، إحدى أبرز مبادرات التعاون الصحي التي جاءت لتسد فراغًا في الخدمات الطبية، ولتقدم خدمات علاجية مجانية، ولتخلق مساحة للتبادل الثقافي والتفاعل الإنساني بين اليمنيين والفرنسيين.
داخل مبنى البعثة الطبية كانت صباحات مرمييه تبدأ بلغة مزدوجة، أوامر الأطباء بالفرنسية، استفسارات المرضى بالعربية، وبين اللغتين يقف مرمييه جسرًا حيًا، لم تكن اللغة بالنسبة له مجرد كلمات، بل محاولة لفهم الصمت، وما وراء الكلمات وما بينها، الصمت في عيون النساء اللاتي جئن بأطفالهن، صمت الكرامة التي يخفيها الفلاحون وهم يمدون أذرعهم للفحص، ومن بؤرة ذلك التماس بين الجسد واللغة، تفتحت أمامه فكرة أن الثقافة ليست نصوصًا مجردة، بل تفاصيل يومية تخطها خطى البشر، وتكتب بأجسادهم وأقدامهم.
لم ينحصر عمل البعثة الفرنسية على المساعدة في سد نقص الخدمات الطبية، بقدر ما أسهم في إدخال مفاهيم حديثة في الممارسة الطبية، لعبت دورًا هامًا في تعزيز التواصل الثقافي والعلمي بين فرنسا واليمن.

في الأثناء لم يكن المترجم مجرد جسر حي بين الأطباء والمرضى، فقد فتحت له المدينة قلبها وروحها، وكانت بمثابة كتاب مفتوح لا يحتاج إلا لمن يقرؤه بأطراف أصابعه وحواسه كلها.
وهكذا، لم تكن تعز محطة عمل فحسب، بل كانت نصًا مكثفًا من الأسواق، الأزقة والطرقات الملتوية، الباعة الذين يفترشون الأرصفة، ويفرشون فيها بضاعتهم، الأسرار التي تختبئ هنا وهناك، روائح البن والريحان والتوابل والتمباك، جلسات المقيل التي كان يدعى إليها ويستضاف فيها بترحاب من قبل أعيان المدينة وأهاليها الذين يتسابقون لاستضافته، أغاني المطربين الشعبيين الذين كانوا يسجلون حضورًا لافتًا في بعض تلك الجلسات و...
هنا لمس مرمييه كيف أن المدن ليست مجرد عمران، بل نسيج اجتماعي وثقافي، وحدس بأن الترجمة لا تنحصر على الكلمات، بل تتصل بفتح القلب والوجدان على تفاصيل الآخرين، وفي هذه الأجواء تولدت لديه أسئلة سترافقه طوال مسيرته: كيف يعيش الناس في مدينتهم؟ العلاقة بين الريف والمدينة ونقاط التقاطع والتناقض؟ كيف تنظم الأسواق وعلاقات الناس فيها؟ وكيف تعبر المبادلات عن تحولات مجتمع بكامله؟
وانفسح نطاق المساحة الحميمية في مجرى علاقته بالمدينة وناسها، ودخلت علاقات المرضى والأطباء في نطاق تلك المساحة، حيث أصبح بسطاء الناس يدخلون العيادة محملين بأوجاع الجسد وأثقال الحياة، يفشون ما في دواخلهم لحملة العلم القادمين من بعيد، عبر المترجم الذي كانت تنهمر عليه، يوميًا، عشرات القصص.
هنا كان عليه أن يمسك بالكلمة ليصوغها مفتاحًا للتواصل، وأن يكتشف أن الترجمة تستلزم الإنصات لتفاصيل الناس والمدينة، ولما لا يقال أكثر من ذلك الذي يقال.
وكان ينصت ويحدق ويحوم بطلاقة في أرجاء المدينة، يحدق بإمعان عاشق، وتعطش فنان لالتقاط واختزان صور لا تبارح الذاكرة، لتفتح في قادم الأيام والأعوام أبواب جديدة للكتابة.
لقد كبر الشاب الذي وصل إلى تعز وهو في الحادية والعشرين من عمره، كثيرًا، وشهدت حياته انعطافة حادة، تولدت خلالها أسئلة كثيرة وحادة، أيضًا، وتخلق فيه الأنثروبولوجي المديني بالانطلاق من نقطة إدراكه بأن المدينة هي كائن نابض بحيوات وحكايات الناس وخفاياهم، همومهم الشخصية وأحاديث السياسة، الخطى والملابس الزاهية والغبار الوقور، وكل ما قاده لأن يعي بعمق أن المدينة لا ترى في كتب التاريخ، بل تعاش وتسمع من لحظة إشراقة الشمس، ومع نداءات الديكة واختلاط أصوات المؤذنين بالدلالين بضوضاء تغسل بقايا النعاس من عيون مدينة مستلقية بأريحية على الذراع الحانية لجبل صبر.

فيما كان الأطباء يستخدمون أدوات الفحص والتشخيص السريري لمرضاهم، فقد كان مرمييه ينصت ويحدق بعينه الداخلية الثالثة، الفاحصة للخلجات والسرائر الإنسانية، ليبدأ مشوار استنطاق واستبطان عوالم الإنسان والمدينة، استكشاف خرائط الحب والخوف، الحنين والآمال، وقد أفضى به الاستماع إلى الأغاني الشعبية إلى الانهجاس بالشعر الحميني، وحين عاد إلى باريس في مارس1981، قرر أن يكمل دراسة اللغة العربية، واختار موضوع ماجستير متعلقًا باللهجات اليمنية، وبمساعدة صديق يمني ترجم بعض الأغاني الشعبية اليمنية، ودخل في متاهات الشعر الحميني، وفي إطار الماجستير اختار موضوعًا متعلقًا بسيرة حياة العالم الكبير محمد الحسن الهمداني، وبفضل هذه الدراسة -كما يقول-أصبح أكثر وعيًا برهانات التاريخ اليمني الذي ماتزال آثاره فاعلة إلى اليوم في الصراعات السياسية وتحديد الهوية الوطنية.
خلال أقل من عام ونصف تمكن من زيارة العديد من المدن اليمنية، بما فيها صنعاء والحديدة، وتعرف على معالم وأعلام هذه المدن، واتسعت دائرة شغفه وعشقه لليمن لتسكن كيانه.
لقد كانت تعز بمثابة البوابة التي توجه منها للتركيز على الوسط الحضري، المدينة بما هي المجال والموقع المفضل لملاحظة التحولات الاجتماعية والثقافية والمتخيل السياسي.

وفي وقت لاحق كانت في انتظاره مصادفة أخرى ذات أهمية خاصة، فائقة وفاصلة في منحى تعميق المساحة الحميمية التي ربطته باليمن التي كانت محطة لتعارفه واقترانه بالمرأة التي تشاركه الوله اليمني، ونفس الهوى والشغف، أستاذة الآثار د. نهى صادق -هي الأخرى تحتاج لوقفة خاصة- الضليعة بتاريخ الدولة الرسولية، وقد كانت رسالتها للدكتوراه في جامعة تورنتو الكندية، 1990، حول "الرعاية والتمويل، والعمارة في العهد الرسولي"، ولم تنقطع عن متابعة كل التفاصيل المتصلة بآثار ومعالم اليمن خلال سنوات الحرب التي مازالت رحاها تطحن البلاد، وفي أتونها تعرضت الآثار اليمنية لأكبر عملية نهب وتخريب وتهريب، طالما أصاب هذه المرأة العظيمة بالغم والألم والتوتر والقلق من هكذا كارثة أحاقت بالبلد الذي تعشق.
الحاصل أن مرمييه قبل أن يصبح يمنيًا كان فرنسيًا ولبنانيًا من أمه اللبنانية المارونية، وبالمثل كان حال د. نهى صادق، فقبل أن تصبح يمنية كانت مصرية، كندية، فرنسية... يا لهما من عالم كبير وكثير، واحد ومتعدد، حالم وملهم، حالة كوزموبوليتانية فريدة في بيت واحد.
ذات يوم كتب:
"اليمن لا يمثل بالنسبة لي بلدًا غريبًا، فهو جزء لا يتجزأ من حياتي، مترسخ في نفسي كأنه وطن آخر".
رحّالة
ينتمي فرانك مرمييه إلى تلك الفصيلة النادرة من الرحالة المغامرين الذين يمتلكون قدرة مدهشة على التخالط والتفاعل مع أنواع شتى من البشر، على اختلاف المراتب والمشارب، التقلبات والتطيرات، الأطوار والغرابات، وقد كان ومازال يخوض في المادة الحية للتاريخ بكامل فخامته الإنسانية، وهو كاتب سخي يمدك بالدفء والضوء حين تقرأ كتاباته التي تثير لديك الكثير من الأسئلة، الكثير من ذكريات الحياة السابقة، ذكريات المرور العابر بأمكنة صارت ذات مغزى بعد أن أعدت قراءته أو قرأت له المزيد لتستعيد معه موهبة الرؤية والتأويل، وتشتعل لديك جذوة حماسة العودة -ليس العود النيتشوي- إلى تلك "المدن المتنازعة"، متأبطًا كتابها ليعينك على أن تهتدي إلى سبل معرفة مضافة بالأمكنة التي كنت تحسب أنك قد عرفتها في بيروت وصنعاء وعدن، إلا أنك في هذا الكتاب ستتوفر على ما يقنعك أنك بإزاء مختص بتوسيع أفق المعنى المشترك، وستعثر على دليلك اليك، وإلى معرفتك بذواتك السابقة، وأنت تعود إلى تلك المدن، إلى تخوم الأسى والحنين، وفساد الأمكنة والخراب، للأبنية المتهالكة، لأيام السلا والسلام، والصداقات الأعمق، وتلك الأيام التي لم تعشها قبل!

حين قرأت الفصل الخاص بعدن، أحسست بقدر كبير من الرهبة والخوف، واقتربت من إدراك ذاتي بطريقة غير متوقعة، واقتنعت بأهمية المراجعة والتوسعة والإضافة لكتابي "أطياف عدن".
لكن، قبل أن تخطفنا متاهة "المدن المتنازعة"، لا بد من سفر..!
لا بد من صنعاء
كان اللقاء الأول غير مباشر، فقد تعرفت على فرانك مرمييه قبل عشرين عامًا، عبر كتابه المكرس للتاريخ الخاص بمدينة صنعاء القديمة "تحولات التنظيم التقليدي لأسواق صنعاء ومجتمعها المديني". وقد أثار إعجابي واندهاشي ذلك الإصدار المهم، واحتفيت به من خلال تحية قصيرة للكتاب والكاتب والمركز الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية، ودوره في تظهير كنوز التاريخ اليمني، وإنتاج معرفة جديدة بهذا التاريخ وأحوال المجتمع اليمني، وقد نشرت تلك التحية في صحيفة "النداء" اليمنية في 1 فبراير 2006:
"لم يسبق لصنعاء أن حظيت بعرض لأبعادها وأحوال مجتمعها وأسواقها وحدودها التي تمتد إلى خارج أسوارها بجملة حداثية عميقة، رشيقة، وحاذقة، كما حصل في هذا الإصدار المبهر، وبالأحرى في كتاب "شيخ الليل -أسواق صنعاء ومجتمعها"، للباحث الفرنسي فرانك مرمييه الذي أبحر في العوالم الداخلية لصنعاء، مهتديًا بالقول: "من أجل الدخول إلى قلب مدينة، من أجل الإمساك بأكثر أسرارها دقة، ينبغي العمل بأقل قدر من الحنان، وكذلك بصبر يدفع أحيانًا إلى فقدان الأمل، وعلى المرء أن يلامسها من دون مراءاة، أن يداعبها من دون كثير من الأفكار المسبقة".
ما حدث هو أنه قبل فترة من مغادرته تعز إلى باريس، قرر اختيار موضوع أسواق صنعاء والمجتمع الحضري كعنوان لرسالة الدكتوراه، وبذلك العنوان صدح بتغريدة خروجه المميز عن جل الباحثين الأنجلوسكسون والفرنسيين الذين تركز اهتمامهم -غالبًا- على القبيلة في هضاب شمال اليمن، وعن الإسلام السياسي، إذ كانت للقبيلة مكانة مركزية في النظريات الأنثروبولوجية، أما مرمييه فقد قرر أن يشق طريقًا غير مطروق انطلاقًا من قناعته من أن المدن وأسواقها تعتبر مرصدًا للتحولات الاجتماعية والاقتصادية، وتعكس نوعًا من الصراع بين نظام اجتماعي قديم مازال يؤثر في الروابط والتبادلات الاجتماعية، ونظام جديد متأثر بذلك، ويفسح المجال لفرص جديدة، تهيأت بفضل انتشار التعليم والهجرة إلى الدول المجاورة.

لقد استحوذته مسألة الترابية الاجتماعية لدى اليمنيين، وأثارت اهتمامه، ونظرًا لمركزية هذه المسألة، فقد انخرط في عمل ميداني بأسواق صنعاء، فالسوق، بالنسبة له، كان عتبة الدخول إلى المدينة، بوابتها الداخلية، ومن هذه البوابة دخل ليبحث في العلاقة بين المهن والحرف، والتراتبية، ومسألة الحراك الاجتماعي.
خلال فترة إقامته الثانية في اليمن (1983-1986) حسم أمره في أن يكون باحثًا أنثروبولوجيًا، يستمع إلى حكايات الناس، ويتعرف بصورة أكثر وأعمق إلى طبيعة العلاقات الاجتماعية في مدينة كانت تعيش تحولات مهمة بتوسعها وتدفق النازحين إليها من الأرياف والمدن الأخرى.
ومع إقامته بمقر المركز الفرنسي للدراسات اليمنية بصنعاء، كان يشتري الإصدارات اليمنية الجديدة لمكتبة المركز، ويتعرف أكثر فأكثر على الثقافة المكتوبة، إلى جانب تعرفه على الثقافة الشفاهية الغنية، وتزايد اهتمامه بالتنوع الثقافي في اليمن، ولفته أن جزءًا كبيرًا من التراث لايزال حيًا يتجلى بصورة إبداعية عبر الزوامل القبلية، وفي الشعر الحميني، مرورًا بالفن المعماري وزخارفه، والطقوس المعبرة عن الروابط الاجتماعية والعائلية.

في هذه الأثناء انغمس في بيئة يغلب عليها الطابع الصنعاني، وكما كان يدعى ويستضاف لدى أهالي المدينة العتيقة في البيوت الصنعانية، فقد كان يتردد على الكثير من الحرفيين، ويتنقل بين الحوانيت، وأصبح السوق مكتبه ومكتبته، ومنه تعرف على النمط الاجتماعي الخاص بالمدينة، وأهل صنعاء، ملاحظًا أنهم كانوا يشددون على هذه النقطة، أي يفتخرون بانتمائهم لصنعاء وبثقافتهم الخاصة.
لقد أصبح متخصصًا في أنثروبولوجيا المدن بعد أن أنجز مشروعه البحثي عن "أسواق صنعاء ومجتمعها الحضري".
بعد انقضاء أكثر من عقدين على صدور رسالة الدكتوراه في كتاب أنشده الباحث والكاتب اليمني التنويري والجمهوري الأهم د. علي محمد زيد، إلى الكتاب، وإلى بعض القصور في ترجمة النسخة الأولى، وما يتصل بخصوصيات المدينة والأسماء، ومن القراءة الأولى للنص الأصلي باللغة الفرنسية شعر بأهمية ترجمته مرة أخرى تليق بالموضوع ومؤلفه.
وأوضح د. زيد: "أدهشني ما فيه -الكتاب- من جهد في البحث عن الحقائق والروايات والمعلومات التي استخدمها المؤلف من المراجع التاريخية، ومن العمل الميداني والعيش في صنعاء والاختلاط بسكانها، سواء من الحرفيين أم غيرهم من الفئات الاجتماعية، واستقصاء المعلومات عن موضوع لم يخطر على بال الجامعات اليمنية، وأولها جامعة صنعاء نفسها، مع أن أساتذتها وطلبتها يعيشون في المدينة، ويتعاملون كل يوم مع ما فيها من تراث وخصوصيات وظواهر"... ويضيف: "أدهشتني قراءته في نصه الفرنسي الأصلي، ووطدت رغبتي في إعادة ترجمته لأنه يدخل في مجال اهتمامي بتتبع حالات انتقال اليمن من الماضي المنغلق إلى العصر الجمهوري الحديث، وما ولد من نتائج، وما تلاه من تغييرات على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية" (من مقدمة المترجم للكتاب).

لقد كان هذا التدارك من قبل د. علي زيد حكيمًا ومسؤولًا، أسفر عن إنجاز حقيقي تمثل بصدور طبعة أولى موسعة لهذا الكتاب الاستثنائي هذا العام عن دار أروقة بالقاهرة.
إن هذا التقدير والاحتفاء من قبل د. زيد بالمنجز الذي اجترحه مرمييه، يؤشر إلى أن اليمن لا تخلو من الأفذاذ المتألقين بهذا القدر العالي من الامتنان والعرفان.
خلال إقامته الثالثة والأخيرة في اليمن (1991-1997) أصبح مديرًا للمركز الفرنسي للدراسات، وكرس جهوده لتطوير التعاون العلمي مع المؤسسات اليمنية، مثل الهيئة العامة للآثار، ودار الكتب، ومركز الدراسات والبحوث اليمني، والهيئة العامة للمحافظة على المدن اليمنية، وأتاح له هذا النشاط أن يشاهد ويعايش تحولات الحكم والإدارة في اليمن بعد الوحدة وبعد حرب 1994.

وتزامن ذلك مع استقباله للبعثات الأثرية والعلمية الفرنسية التي تكاثرت زياراتها، وتكثف حضورها في تلك الفترة، وقد أسهم في تنظيم أعمالها إلى جانب انشغالاته الكثيرة.
في الإقامة الأخيرة قام بزيارات لعدن وحضرموت، وتعرف وتصادق مع العديد من أبناء المحافظات الجنوبية، وقد أتيحت له في هذه الفترة الفرصة أن يلعب دور المشاهد المتميز لمرحلة مفصلية في تاريخ اليمن، ويتذكر في هذا المقام أنه كان يتجول في صنعاء لشراء الإصدارات الجديدة التي ظهرت بغزارة في التسعينيات، وقد وثقها المركز الفرنسي للدراسات... يتأسف مرمييه أنه لم يستطع مدير آخر للمركز، هو المؤرخ ميشال توشريه، أن يكمل رقمنتها، فقد اضطر لمغادرة صنعاء عام 2013.
وتظل تلك الصحف والإصدارات المتنوعة التي قام بجمعها كنزًا وثائقيًا ثمينًا للمؤرخين والباحثين الراغبين في معرفة التحولات التي شهدتها اليمن في أهم وأخطر حقبة في تاريخ اليمن المعاصر، ولفهم مقدمات ما يحدث إلى اليوم.
من خلال شهادته ومتابعاته في تلك الفترة توسعت آفاق اهتماماته الأنثروبولوجية، لا سيما في ما يخص الموروثات التاريخية والخصوصيات الإقليمية لليمن وتعقيدات بناء مجتمع الوحدة اليمنية.
في تلك الأثناء وبعدها شارك في الإشراف والترجمة لدراسات مميزة عن التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية صدرت بعد الوحدة لتنشر في كتاب "اليمن المعاصر" تحت إشرافه، وتلى ذلك كتاب جماعي آخر شارك فيه وأشرف عليه "يمن المنعطف الثوري"، وقد قام بعض الباحثين بترجمته إلى العربية.
مدن متنازعة
تبدأ فعاليات معرض عدن مرسيليا بمدينة مرسيليا الفرنسية في 21 نوفمبر 2025، وتستمر إلى 29 مارس 2026، في مركز لافيي شارتييه الذي يقع في قلب المدينة، وتحديدًا في حي لوبانييه، وهو أحد الأحياء الأقدم والأشهر في المدينة، حيث تحيط به المتاحف والمطاعم التراثية والميناء القديم الذي يبعد عن المركز 10 دقائق سيرًا على الأقدام.
يشكل معرض "مسار" هذا فرصة لاستعراض العلاقة بين المدينتين بما يتجاوز الجانب التجاري إلى الثقافي والإنساني، والعلاقات التاريخية بين الميناء المارسيلي والميناء اليمني، وعرض لقطع أثرية وفنية أهديت من اليمن لمرسيليا في مطلع القرن الـ20، بالإضافة إلى مجموعة مقتنيات معارضة من بعض المؤسسات الدولية، ومن المقرر أن تصاحب ذلك فعاليات ثقافية وفنية، ورش عمل ومحاضرات وموسيقى... الخ.
... إلى هنا يبدو هذا الخبر خارج سياق موضوعنا، ولكنه سيندرج في صميم السياق إذا ما أشرنا إلى أن هذا الحدث المرتقب هو ما أتاح لكاتب هذه السطور فرصة التواصل المباشر مع العزيز فرانك مرئيه ثم اللقاء معه في وقت لاحق.
لقد ارتأى مرمييه أن المعرض سيشكل فرصة ثمينة للتعريف ببعض أوجه الأدب اليمني المعاصر، وبخاصة المتصل بعدن، وخطر له أن يكون كتابي "أطياف عدن" ضمن عناوين جناح الكتب، وكانت المفاجأة السارة بالنسبة لي هي التواصل المباشر مع شخص تمنيت التعرف عليه منذ زمن بعيد بعد أن قرأت له بعض كتاباته، ومنها إطلالته على عدن بموضوع لافت حمل عنوان: "عدن في ظل النجمة الحمراء"، ولم يخطر على البال ولا الخيال أني سألتقي بذلك الكاتب*.
لقد وعدته بإرسال نسخة من كتابي، وتمنيت عليه موافاتي بجديده، وكانت الهدية الثمينة كتاب: "مدن متنازعة -بيروت، صنعاء وعدن".
أن يصلك كتاب ورقي وأنت في المنفى، فذلك أمر يشبه هطول المطر على أرض عطشى، فما بالك أن يكون من بين الكتب القليلة القادرة على انتزاعك من حالة الشعور الفاتر والكسل واللامبالاة، وأن يشكل حدثًا مهمًا في حياتك، ويحفزك على نسخ مقتطفات وشذرات طويلة، وكلمات فيها جرس متوهج تصدر عن كاتب مفعم بالحيوية، بالحياة والحلم، متقد بكتابة تشحذ الحساسية وترفع المستوى، توحي، تثير، تنعش وتشير، وتعمق من حبنا للأمكنة، تفتح شهية الترحال، تنعش الذاكرة وتعيد لها حيويتها وخصوبتها بصورة مدهشة، ومعها تستعيد منعطفات حادة من حياتك في الشباب وشبابك في الحياة.
ذلك ما كان عليه حالي مع "مدن متنازعة"، وبعد أن قرأت الفصل الأول عن بيروت حيث تمرأت عدن وتداعت صنعاء.
يقول مرمييه:
"الباحث في أنثروبولوجيا المدينة، متسكع منهجي، ونصير صدف السورياليين الموضوعية، ومنقب عن التيارات الخفية التي تحول الجموع المدنية إلى مشائين ملهمين، ما يجمع بين المدن الثلاث اقرب إلى تظاهرات العولمة منه إلى خصائص ثقافية مشتركة بينها، ولكن ضعف الصيغة المشتركة بينها لا ينفي أوجه الشبه بين هذه المدن".
لقد كان التسكع أداته وطريقته المنهجية لفهم المدينة، والتيارات الخفية للحياة الحضرية والعلاقات والعلامات والرموز، والاستخدامات اليومية للمكان، والتوتر بين المدينة والريف، بين الفضاءات العامة والخاصة، ولم يكن ذلك المتسكع التائه أو المتحرش، بل كان المشاهد المتأني، المتأمل للتفاعلات الاجتماعية، والهادف إلى سبر المدينة من خلال التجربة المعيشية، وفهم كيفية تفاوض الناس، كيف يتوزع النفوذ وترسم الحدود وتصاغ السلطة والهوية عبر الحركة في الشوارع.
... ومن واقع الملاحظة اشتبك مع أسئلة كثيرة متصلة بأحوال بيروت ما بعد الحرب -ذلك هو حال صنعاء وعدن إلى حد كبير- وكيف تخللت الحرب حياة الناس واخترمتها، وتغلغلت في بنية المكان نفسه، وكيف أصبحت العمارة أداة سياسية لإعادة توزيع السلطة، وغدت الشوارع والأحياء محكومة بـ"جغرافيا الخوف" و"ذاكرة الخطر"، وتأثير الحرب والنزاعات على منظور الحياة اليومية وما يدور في الأسواق، العلاقات العامة، الذاكرة الحضرية، نزاعات النفوذ والسيطرة على المساحات والأحياء، قصة المدينة ومن يحتكر سردها، الصيغ المعمارية التجارية التي بدأت تترسخ بعد الحرب هنا وهناك، نشوء عوالم مغلقة وأراضٍ متجاورة تفصل بينها حدود لامرئية، وتغلب عليها رموز تشير إلى انتماءات طائفية، سياسية، قبلية وجهوية، تشظي المدينة إلى جزر أمنية يجمع بينها الانفصال عن بعضها، ويكرسها "مدينة تنازعات" بما يعنيه ذلك من انتشار دبابات وكتل أسمنتية، أسلاك شائكة، أكياس رملية، وحواجز ترسم حدود السلطة السياسية والمتنازعين عليها.
وفيما الحديث يدور عن بيروت فهو يسري على عدن وصنعاء، أماكن مسورة ومحصنة وأراضٍ متنازع عليها وفيها.

ولئن كانت "بيروت يصح فيها المعطى الأنثروبولوجي القائل بأن العنف ينتهك نسيج المكان و"الإقليم" المادي والرمزي، والانتهاك هذا يبلغ ذروته فيها"، فذلك حال عدن وصنعاء.
و.. "صارت المدينة أرضًا متنازعة وعرضة لحروب أهلية صامتة بين أنماط عيش مختلفة".
عقب الحرب في بيروت، كما في غيرها، تغير المشهد الحضري رأسًا على عقب، وظهرت مراكز تجارية على شاكلة المليشيات لتعكس صورة تمزق المدينة التي لم تعد موحدة جغرافيًا ورمزيًا، بل شبكة من أراضٍ متجاورة تخضع لتنازع مذهبي وطائفي.
ذلك ما يصفه مرمييه بـ"الاستقالة الجماعية" من المدينة كمشروع ثقافي سياسي من قبل أكثرية تعيش في المدينة وتتفاخر بالانتماء إلى الطائفة أو القبيلة، الجهة أو القرية... الخ.
ثمة مفارقة أخرى يلفت إليها مرمييه تتعلق بالخطابات المتكررة لبعض المثقفين العرب حول "ترييف المدينة"، وهي عبارة تحمل على نحو مضمر أو صريح نقدًا للأنظمة التي كان قادتها يجمعون بين أصل ريفي أو جهوي وارتقاء اجتماعي وسياسي بواسطة الجيش، ويشير إلى أن الكلام عن "ترييف المدينة" يستبطن حنينًا إلى عالم متخيل أكثر مما هو ماضٍ آفل.
لقد صممت مادة كتاب "مدن متنازعة" من معايشة للمدن الثلاث خلال فترة بحث طويلة، حيث عمل الكاتب في صنعاء وبيروت، وأسهم في بناء رؤية عميقة للتكوين الحضري والسياسي للمدن العربية.
لقد قدم في هذا الكتاب تحليلًا أنثروبولوجيًا فريدًا لفهم ثلاث مدن، كمواقع تنامت فيها التوترات بين حداثة الحضر وتقاليد الريف، المدينة والطائفة، المدينة والقبيلة، الانفتاح والهوية،، السوق والدين، وخلص إلى أن المدن ليست مجرد فضاءات عمرانية، بل ساحات رمزية وأيديولوجية تتصارع فيها قوى متنافسة تعيش تشكيل فكرة المدينة عن نفسها، تلك المدينة التي كانت أمكنة التجارة فيها فضاءات للترحاب والتبادل يتبدى فيها طابع التعددية المدينية، ثم آلت إلى مناطق مغلقة على ذاتها تعبر عن الطابع الاستئثاري للسلطات التي فرضت هيمنتها وتنازعاتها على أحياء المدينة.
ويبقى كتاب "مدن متنازعة" حدثًا مهمًا بعرضه لأحوال وتحولات المكان في بيروت، صنعاء وعدن، ويحتاج إلى تناول أوسع وأعمق، واحتفاء يليق به.
إشارات
ابتداءً من عمله كمترجم في تعز، ثم فوزه بالدكتوراه من مدرسة العلوم الاجتماعية بباريس، ثم عودته للعمل في صنعاء، وبعدها عمله في بيروت كمدير علمي للدراسات المعاصرة في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في بيروت (2005-2009)، ثم عودته إلى باريس، والعمل كمدير أبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي، وغير ذلك... ظل مرمييه مخلصًا لأول درس تعلمه: أن المعرفة تبدأ بالإنصات للآخر والانفتاح عليه وعلى العالم، وظل حريصًا على أن يجعل من الأنثروبولوجيا حكاية إنسانية، ومن المدن العربية فضاءات حية تعكس مقاومة الإنسان وثقافته، تاركًا علامات خالدة في عالم الكتابة والبحث الذي لم ينقطع عنه بقدر ما ثابر على المضي فيه قدمًا بأفق إعادة اختراع تلك المدن حتى بعد أن سقط بعضها في حروب داخلية استدعت تدخلات خارجية، ما أدى إلى تدميرها وفتح شهية الجهاديين لتقويض ذاكرتها الثقافية والتاريخية، وتمزيق النسيج الاجتماعي لمجتمعات مدينة عديدة.
في الوقت نفسه، لاحظ أن الخسائر البشرية والنزوح السكاني، ورحيل النخب والطبقات الوسطى بسبب الحرب، أوجد وضعًا مدنيًا جديدًا يسمه تخريب الفضاءات العامة لتلك المناطق التي طالما عرفها كفضاء يكتنف التعددية والانفتاح بين مجموعات متعددة، ونموذجًا حضريًا يتعايش فيه المختلفون تحت سقف واحد.
ومن ناحية أخرى، ألمح إلى أن الفضاء العربي قد اتسع بسبب الأزمات والحروب، مشيرًا إلى ظهور العديد من المواقع الفكرية والثقافية والمجلات والمراكز في المنفى.
وفي السياق، عبر عن إعجابه بالتقدم الذي تحرزه حركة النشر العربي، و"الحيوية" التي تضخها دول الخليج في هذا المضمار عبر الجاذبية التي خلقتها في أوساط المثقفين العرب مع إطلاق جوائز أدبية وإنشاء مراكز البحث والترجمة.
وفي ما خص اليمن، فقد كان سؤاله ومازال يتمحور حول "يمن المنعطف الثوري"، وما بعد عشر سنوات من الحرب والخراب الذي عصف بالمدن، وتأثيره على الإنتاج الثقافي والفكري اليمني، وما يستوجبه ذلك من توجه لـ"بناء نظم تحليلية وسرديات جديدة لفهم الواقع المأسوي، ولاستعادة القدرة على تشكيل المعنى، ومواجهة تفكك الوطن"، واضمحلال الأمل بالاستناد إلى أن "هناك كثيرًا من المؤشرات التي تقودنا إلى الاعتقاد بوجود فضاء فكري وثقافي يمني يربط المنفى بالداخل، ويتجسد في كثير من المبادرات التي تسعى إلى توثيق الوقائع في ابداع ادبي يتناول مواضيع حساسة في حياة المجتمع اليمني"...: "على الباحث المهتم بالشأن اليمني أن يتعمق في حقل الإنتاج الفكري والثقافي، وأن يرصد ويدرس هذا الإنتاج وهذه النشاطات التي تبرهن على أن المجتمع يمارس حقه في الإبداع".
وعزز هذا الرأي باقتراح موجه للباحثين الفرنسيين، مشيرًا إلى أنه في الوضع الراهن، حيث لا يستطيع الكتاب والباحثون الفرنسيون المختصون والمهتمون بالشأن اليمني، السفر إلى اليمن لإعداد دراسات ميدانية، بسبب الحرب المدمرة، فإنه يمكن لهؤلاء الباحثين أن يستخدموا تجاربهم الحياتية المعرفية السابقة لمتابعة الإنتاج الثقافي والمعرفي اليمني، بخاصة في بلدان المنفى، ليوصلوا هذه الإصدارات إلى الفضاءات العامة في فرنسا وأوروبا، وإلى المجال الأكاديمي من خلال التعاون الجامعي.
ولا يكتفي مرمييه بعرض التصورات والاقتراحات، بل يعمل بكد على تجسيدها في مضمار الممارسة، ويواصل الترجمة والإشراف على ترجمة العديد من الكتب اليمنية إلى اللغة الفرنسية، ويعمل على إشراك مؤلفين يمنيين في مشاريع بحثية فرنسية، وعلى ترجمة كتب للباحثين فرنسيين والعكس، وعلى إنشاء سلسلة ترجمة، وعلى إدارة كتالوج افكار عربية... الخ.
كل هذا الجهد يسطع بعلامة مضافة ومضيئة أخرى في مسيرة مرمييه الحافلة بالإنجاز، وهو في طور انتقاله السلس من أسواق صنعاء إلى سوق الكتاب العربي والنشر، من تبادل السلع المادية إلى تبادل وتجارة الكتب والكلمات والأفكار، وتتوسع الجملة وفضاءات النشاط المديني -بالمناسبة يحضر حاليًا لإصدار كتاب عن الفضاء العربي- ويغتني باضطراد وإبداع.
لقد انعقد رهانه على المدينة من للوهلة الأولى لتمرده على قطيع الباحثين المتهافتين للتعريف والتأليف والدوران حول "الديناصور الملون": القبيلة، كما نأى بنفسه عن الانسياق وراء باحثين كثر استثمروا في مصكوكة "الإسلام السياسي".
في ما خص "الإسلام السياسي"، حاذر مرمييه من استعمال تعابير كهذه، وذلك بسبب الغموض والإبهام العالقين بها والناتجين منها... وينوه إلى أن "الإسلام السياسي" أصبح الشجرة التي تحجب الغابة، وأنه "تم الإقفال على هذه المجتمعات"...: "لن أغامر بتقديم تعريف لمفهوم "الإسلام السياسي"، فهذا مفهوم بحاجة إلى هدم".
إنه التمرد والاعتراض على احتجاز بلدان، بما في ذلك اليمن، في نطاق كليشيهات كهذه: حمل الجميع للسلاح، هيمنة الثقافة العشائرية، بينما اليمن، في حقيقته، زاخرة بطاقة من الحيويات ومن الطموحات التي من شأنها أن تجعله بلدًا ذا حداثة مميزة وبالأخص في المحيط الإقليمي.
أخيرًا، ليس بالإمكان ولا من السهل العرض لعالَم هذا العالِم المرموق بما يفيه حقه وقدره، فنحن بإزاء سيرة زاخرة بالعطاء، بالعناوين، بالفعل والفعاليات والأسفار والصداقات... وهو جدير بوقفة أخرى أوسع وأشمل، وجدير بالاحتفاء والتكريم من قبل المؤسسات الثقافية والأدبية والإبداعية والأكاديمية، وكل المراجع والمؤسسات اليمنية المعنية التي تعيش اليوم في حالة دوار حرب وانعدام وزن وبوصلة، ولسوف تكون معنية بالوقوف إجلالًا أمام قامة كهذه حين تستعيد أنفاسها ووعيها، وتمتلك مصيرها.
هوامش:
* العبارات المقوسة مقتبسة من كتابات ومقابلات متفرقة لفرانك مرمييه.
* "الديناصور الملون" عبارة المفكر أبو بكر السقاف، وهو صديق مرمييه بالمناسبة، أطلقها في معرض نقده التهكمي لتكالب الباحثين المحليين والأجانب على التهويل والتعظيم من دور القبيلة باعتبارها مبتدأ التاريخ ومنتهاه في اليمن، بحسب السقاف.
* تجدر الإشارة إلى أن ما كتبه مرمييه عن عدن ينطلق من معايشة ومعرفة وصداقة مع عدن حتى عندما عصف بها الانفجار الكبير في 13 يناير 1986، وذلك ما يحتاج إلى وقف أخرى مستقلة.