صنعاء 19C امطار خفيفة

"صوت الدولة".. إنشاء مجلس استشاري لإنقاذ اليمن

تعيش اليمن اليوم واحدة من أكثر لحظاتها التاريخية تعقيدًا، ليس فقط بسبب الحرب والانقسام السياسي، ولكن بسبب الفراغ الإداري الذي خلّفته سنوات طويلة من الاستنزاف. فالفئة الإدارية التي كانت تمثل العمود الفقري لإدارة الدولة أصبحت بين التقاعد، والإقصاء، والهجرة، أو خارج دائرة التأثير، بينما فئة الشباب، رغم حماسها، تاهت في دوامة الانهيار الاقتصادي وفقدت شروط التدريب البنيوي الذي تحتاجه أي دولة حديثة. وفي ظل هذا الواقع، تظهر الحاجة الماسة إلى نموذج إنقاذي يتجاوز الانقسامات ويعيد للدولة عقلها المؤسسي، وهو ما يمكن أن يتحقق عبر مجلس استشاري أعلى تتشكل منه القيادة الفكرية للدولة في مرحلة ما بعد الحرب.

هذا النموذج ليس غريبًا عن التجارب العالمية؛ الولايات المتحدة نفسها خرجت من الحرب الأهلية بفضل مجالس حكماء أعادت صياغة قواعد الحكم، وكذلك ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تولّت لجان استشارية عليا وضع خطوط إعادة البناء الإداري والدستوري، لتنهض الدولة من جديد بأقل قدر ممكن من الصراع السياسي. والدول التي نجحت لم تفعل ذلك عبر القوى العسكرية أو التنفيذية، بل عبر عقول تمتلك الخبرة والرصانة والكفاءة.
وفي اليمن، مازالت هناك أسماء سياسية وإدارية واقتصادية قادرة على أداء هذا الدور إذا أُعيد ترتيب أدوات الدولة حولها. من بين هذه الأسماء الدكتور أحمد عبيد بن دغر الذي يمتلك خبرة واسعة في إدارة الدولة وصياغة المبادرات السياسية، وكذلك محمد سالم باسندوة صاحب التجربة السياسية العميقة ورؤية الإدارة المتوازنة. وتبرز أيضًا شخصيات ذات ثقل فكري وسياسي مثل أمة العليم السوسوة بما تملكه من خبرة دبلوماسية وإعلامية واسعة، إضافة إلى شخصيات إدارية وسياسية ممن يمثلون شريحة من الخبراء القادرين على تقديم رؤية مستقلة وعملية.
وعلى المستوى الاقتصادي، يشكل شوقي هائل سعيد أنعم أحد أهم الأسماء التي يمكن أن ترفد المجلس بخبرة اقتصادية واقعية؛ فهو ينتمي لمدرسة اقتصادية عملية لها دور تاريخي في بناء القطاع الخاص ودعم التنمية. وفي الجانب العلمي والاجتماعي، يبرز اسم الأكاديمي الدكتور محمد علي زيد، الذي يمثل بعدًا فكريًا وبحثيًا مهمًا في قراءة البنية الاجتماعية اليمنية وتحليل تحولات المجتمع والدولة. ويمكن أيضًا إضافة أسماء وطنية مؤثرة مثل ياسين سعيد نعمان الذي يجمع بين التجربة السياسية والخبرة الدبلوماسية، ويشكّل عنصر توازن في أي مجلس وطني مستقبلي.
يقوم النموذج المقترح على إنشاء هيئة استشارية عليا من عشرين شخصية وطنية، تتوزع بين السياسة والإدارة والاقتصاد والقانون والبحث الاجتماعي، وتُعطى صلاحيات واسعة في مراقبة القرار السياسي والإداري للدولة. ليس من مهامها أن تكون سلطة تنفيذية، بل أن تكون سلطة "مكابح وتوجيه"؛ جهازًا يراجع القرارات الكبرى، ويضبط علاقة السلطات ببعضها، ويراقب أداء المؤسسات، ويمنع الانحرافات التي قد تسبب انهيارًا جديدًا. وهذا المجلس، بصيغته المحايدة، يصبح الضمانة الحقيقية لاستقرار الدولة، لأنه لا يتغير بتغير الحكومات، بل يمثل العقل الدائم للدولة.
إن إنشاء مثل هذا الكيان سيمنح اليمن فرصة فريدة للخروج من دورة الفشل، لأنه يضع الخبرة فوق الولاء، والكفاءة فوق الصراع، والمصلحة الوطنية فوق الحسابات الحزبية. إن اليمن تحتاج اليوم إلى جهة عليا تشرف على إعادة بناء القوانين، وإعادة ترميم المؤسسات، وصياغة رؤية اقتصادية وإدارية واجتماعية متماسكة. وهيئـة استشارية عليا بهذا الشكل قد تكون بداية الطريق نحو دولة مستقرة، دستورية، قادرة على استعادة توازنها ضمن حركة وتحول العالم اليوم.

الكلمات الدلالية