صنعاء 19C امطار خفيفة

اليمن بين فساد شرعية الدولة وتمرد المليشيات.. وعرقلة مساعي السلام؟

قبل الحديث عن عنوان المقال، لابد علينا أن نميز أولًا بين الدولة والتمرد.

الدولة:

هي منظومة متكاملة من مؤسسات وطنية، يُفترض أن تقوم على خدمة المجتمع بمبدأ المواطنة المتساوية والعدالة والحرية، وحماية الوطن وصون سيادته. غير أن هذه المنظومة تنهار حين تتسلل إليها قوى الفساد وتستحوذ على القرار السياسي والاقتصادي، محولةً مؤسسات هذه الدولة إلى أدوات لخدمة مصالحها الضيقة.

أما التمرد،

فهو خروج جماعات مليشاوية أو أفراد عن النظام والقانون، بدافع السلطة أو الثروة أو العصبية أو الدين. لكنه لا ينجح إلا في بيئة منهكة سلفًا بالفساد، غارقة في الفوضى، إذ تجد مؤسسات الدولة ضعيفة، فقدت تماسكها، عاجزة، مشلولة، غير قادرة على مواجهة المخاطر التي قد تهدد وجودها، وشعبًا فاقدًا للثقة.
وهنا تبرز الحقيقة الواضحة: الفساد هو الذي يفتح الأبواب أمام تمرد المليشيات ويمنحها فرص الانتشار والانقضاض على مؤسسات الدولة بجميع أشكالها.
وعلى الرغم من سقوط الدولة وانهيارها أمام التمرد، قد لا يكتفي الفاسدون بنهب خيرات الوطن لعقود طويلة، بل يستمرون في التحكم عبر الأحزاب والمؤسسات التي يتحكمون بمفاتيحها ليجعلوها أدوات لإعادة إنتاج فسادهم.
والأخطر أنهم يروّجون لعلاقات وارتباطات خارجية تموّلهم أو تستغلهم لتعطيل الإصلاح وعرقلة مساعي السلام المتوقع إعلانه، متوهمين بإمكانية العودة إلى السلطة أو المشاركة فيها، غير مبالين بما سببوه من خراب ومعاناة طيلة بقائهم على سدة الحكم والتحكم بمقدرات الشعب.
إن أخطر ما يواجه مشروع الإصلاح والسلام ليس السلاح وحده، بل النفوذ المتجذر للفاسدين داخل مؤسسات الدولة. فهم يعرفون أن الإصلاح الحقيقي يعني نهاية مكاسبهم، لذلك يقاومونه بكل الوسائل، ويستثمرون الفوضى لحماية مصالحهم.
لكنهم لم يدركوا أن إرادة الشعب قادرة على قلب المعادلة؛ فهناك جيل جديد يتعطش للحياة الحرة الكريمة، يرفض توريث منظومة الفساد والمحسوبية، ويحلم بدولة عادلة شفافة قادرة على مواجهة التمرد والدفاع عن الوطن.
وعلينا كشعب معرفة الحقيقة التي لا أحد يستطيع إنكارها: أن التصدي والرفض لدعوات السلام الشامل والمستدام لأي بلد يعاني من الفساد والتمرد، لابد أن له أسبابًا ودوافع وحسابات خاصة لدى الطرفين، تجعلهم يقفون أمام دعوات السلام والاستعداد للحرب والقتال بلا نهاية لحربهم، غير آبهين بأضرارها الكارثية على الوطن والشعب.
ومن هذه الدوافع الآتي:

أولًا: دوافع الفاسدين في عرقلة المصالحة الوطنية والسلام

الفاسدون غالبًا هم النخب السياسية أو الاقتصادية التي نهبت ثروات الدولة واستغلت مؤسساتها لعقود، لتلبية رغبات وأهواء مصالحهم الشخصية، والتي تتعارض مع أي عملية إصلاح أو سلام حقيقي.
ومن أبرز دوافعهم:
1. الخوف من المحاسبة: أي سلام حقيقي أو مصالحة جادة تعني فتح ملفات الفساد ومساءلة المتورطين. الفاسدون يعرفون أن عودة الدولة القوية تعني نهايتهم السياسية وربما محاكمتهم.
2. حماية الثروات المنهوبة: الفاسدون يملكون أموالًا وعقارات داخل وخارج البلاد، والسلام قد يفرض رقابة مالية وتشريعات تسترد بعض هذه الأموال، لذلك يفضلون استمرار الفوضى التي تمنحهم غطاءً للتهرب.
3. التحكم في الأحزاب والمؤسسات: كثير من الفاسدين ما زالوا يسيطرون على أحزاب سياسية أو واجهات إعلامية، والسلام يعني إعادة توزيع السلطة وفتح المجال لقوى جديدة، وهذا يهدد نفوذهم ويستبعد وجودهم.
4. الارتهان للخارج: بعض الفاسدين ارتبطت مصالحهم بجهات إقليمية أو دولية تمولهم وتستغلهم كأدوات نفوذ، وهذه الأطراف لا تريد سلامًا يرسخ سيادة الدولة، بل استمرار الفوضى التي تتيح لها التدخل.
5. وهم العودة للسلطة: يظن الفاسدون أن بإمكانهم العودة للمشهد السياسي إذا فشلت أي مبادرة للسلام، لذلك يسعون لإفشالها أو إضعافها بانتظار لحظة الانقضاض.

ثانيًا: دوافع المتمردين في عرقلة المصالحة الوطنية والسلام

المتمردون عادةً قوى مسلحة أو جماعات مليشاوية سياسية خارج سلطة الدولة، هم بدورهم لا يجدون مصلحتهم في سلام يعيد للدولة هيبتها، لأنهم استفادوا من غياب القانون، وغالبًا ما تكون الفوضى خيارهم للعبث بمقدرات الشعب والوطن.

دوافعهم الرئيسية:

1. الطموح للسلطة: المتمردون غالبًا يرون أنفسهم بديلًا للنظام القائم، ويعتبرون السلام تسوية تُعيدهم إلى الهامش بدلًا من أن توصلهم للحكم.
2. المكاسب الاقتصادية غير المشروعة: خلال الفوضى، يسيطر المتمردون على مناطق وموارد وطرق تجارة غير قانونية، وضرائب محلية أو تهريب، وغير ذلك من الأعمال غير المشروعة، لذلك فإن السلام يعني فقدان هذه المكاسب.
3. الأيديولوجيا والعقائد: بعض التمردات مرتبطة بفكر متطرف أو مشروع سياسي راديكالي (ديني، عرقي، جهوي)، وأي سلام قائم على التعايش ينسف خطابهم ويضعف قدرتهم على التجنيد.
4. الدعم الخارجي: لا يختلف المتمردون عن الفاسدين، فكثير من حركات التمرد مرتبطة بجهات خارجية تسعى لإضعاف الدولة، واستمرار الصراع يضمن بقاء قنوات التمويل والسلاح.
5. الخوف من التهميش أو الانتقام: بعض المتمردين يخشون أن ينتهي بهم السلام إلى السجون أو إلى التصفية السياسية، لذلك يفضلون استمرار التوتر.
لذلك نخلص إلى القول:
إن الفاسدين يعرقلون السلام لأنهم يخافون من الإصلاح الذي يفضحهم ويصادر امتيازاتهم، والمتمردين يعرقلون السلام لأنهم يخشون فقدان نفوذهم ومكاسبهم التي وفرتها الفوضى.
وفي النهاية، يلتقي الطرفان، رغم العداء الظاهر، عند نقطة مشتركة: كلاهما يرى في استمرار الفوضى واللااستقرار فرصة لحماية مصالحه الخاصة، ولو كان الثمن خراب الوطن.
وللوصول إلى السلام، فإن الحل بيد الشعب، وعليه أن يكون غصن الزيتون وحمامة السلام، يرفض الحرب ويدعم السلام لتعود له الحياة.
فلنكن مع دعاة السلام والمصالحة الوطنية، ولنعمل معًا على البحث عن حلول سياسية واجتماعية واقتصادية تقضي على جذور التمرد والفساد.
لا نجابه انهيار الوطن بالحرب التي قد تدمر ما تبقى من خيراته ومؤسساته، بل نختار طريقًا مدنيًا وسلميًا، حمامة تحمل غصن الزيتون لا سيفًا يقطّع أوصال الوطن.
بمشاركة المواطنين، ومحاسبة الفاسدين، وتقوية مؤسسات الدولة، نستعيد الأمن والاستقرار، ونبني مستقبلًا يستحقه أبناء هذا الوطن.

الكلمات الدلالية