صنعاء 19C امطار خفيفة

المندهشون

كعادة العاجز وخائب الرجاء، تسابقت الأقلام، وانطلقت التصريحات والتحليلات، جلّها مما ضخه الإعلام الأمريكي، ذلك يؤرّخ لمسيرته وسيرته، وبين أصوله الهندية وتغرّبه بين منافي المهجر، بين جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا التي أجهزت تاريخياً على الأبارتهايد ورسّخت قيم التآخي والإنسانية على أنقاض عنصريةٍ، مرحلةٍ استعماريةٍ رأسمالية، ثم مهاجراً إلى كينيا، أسرةٌ توالدت وانتقلت إلى بلد الحلم الجديد: أمريكا، أرض الأحلام.

كعادة العرب، نغوص في بحار وهموم الغير تحليلاً ونقداً، نقفز على عجزنا المؤبّد، نبحث عن منقذٍ يأتينا من غيب، الفراغات إذ تطحننا، الصراعات الجانبية بجذورها المتخلفة، نرتطم دوماً بواقعنا المأزوم، نفرّغ همومنا تحليلاً، نقداً وتشريحاً لما جرى ويجري خارج بلادنا التي ما رأت يوماً حراكاً.
قد اكتفينا بلهيب ثورة القاعدة الشعبية 11 فبراير، وحراك الجنوب، وبعدها أخذنا سباتاً طويلاً، ويا فرحة التائه وجدنا بممداني، وما أدراك ما ممداني! لنُجعل من البحر طحينة كما يقولون، والكل استلّ قلمه لينهل من معين ممداني بأمريكا، وميعاد نيويورك مع حلمها الجديد المتمثل بفوز برنامج ممداني عبر قاعدة تصويتٍ قلبت الطاولة رأساً على عقب، على خارطةٍ رأسماليةٍ في الطور الأغرب من أطوار رأسمالية ما بعد رؤوس هيدرا، رأس المال، رأس الوجود، رأس السلطة، رأس الحسم عبر قدرات التأويل لأي نوع من حملات الشراء والبيع لكل شيء.
كل شيء بات وفق المفهوم الترامبي مجرد صفقةٍ، يفوز بها من يجيد اللعب على كل الحبال، على كل المتناقضات. هنا فشلت رهانات ترامب، وهزمته رهانات وصراعات الواقع الأمريكي الذي يبحث عن مخارج للأزمة التي تحاصر كيان أمريكا ككل، سواء تمثّلت بالإغلاق الحكومي أو تحوّل دولة الحلم إلى دولة الكابوس الذي يقوده ترامب.
تبارت لدينا أقلام كأنها تشارك في حرب "عاصفة الصحراء" تحليلاً ونقداً لواقعٍ وشخصٍ وعالمٍ صلتنا به صلةُ مملكة المنصات وشيطنة الإعلام، ونحن القادرون العاجزون، فما نعيشه من واقع وما أحالنا إلى مجرد كائناتٍ تلهث وراء ما يُقال، ونعيد تكرار ما يُقال، هنا يصير تأثيرنا صفراً على الشمال، وعلى اليمين الفساد ينخر جسدنا ونحن صامتون، كياننا يتلاشى ويضيع، ونخبنا تتباهى بإصدار منشورٍ هنا ومنشورٍ هناك، وأحزاب الظل والضلال لا صوت ولا حراك لها بالميدان، لا تأثير، لا وجود، وواقعنا من تدهورٍ لحالاتٍ تصعب على الكافر.
ومن يُفترض بأن بيدهم القرار، تقول الأيام والوقائع: كذبت أساطير الأولين، ليس بيدهم غير جوازات سفر الذهاب والإياب، وترامي الاتهام والتهم.
لم تحظَ ثورة النساء ببلادنا، حين نزلن الميدان يتحدين المحال، فلا حزب تحرّك، ولا مجتمع مدني ناصر بالنزول المزلزل الذي يعطي مفعولاً كمفعول ممداني الذي تحرّك بوعيٍ وإدراكٍ وتنظيمٍ وخطط ميدانٍ حرّكت الشارع وغيّرت ممالك التصويت عبر لعبة التمويل، التي كان المال المدنس يفعل هناك ما يفعله شيطان المال المدنس في بلادنا من شراء الذمم وسكونٍ مميت تموت معه كل أصوات وقوى الرفض.
ينبغي على من يدّعي صلةً بالشارع أن يبادر بالحركة، بالقول: هذا الفرس وهذا الميدان، عندها فقط تكون لكتاباتنا عن ممداني ذات معنى، يسجلها التاريخ، ولها صدى يدركه ويستشعره واقعنا المأزوم.
وأختم بفاجعة قد يصعق لهولها المندهشون، من أبهرهم فوز ممداني الساحق على لعبة الأواني المستطرقة الرأسمالية، التي ترمي بلحظةٍ ما فائض مائها لتروي حقول هيمنتها بما يخدم بالأساس جوهرها، لذا آمل ألا يتفاجأ المندهشون حين يجدون ممداني المسلم اليساري يحتضن ويدعم حقوق المثليين، وقادم الأيام سيكون خير برهان، ولا عزاء للمندهشين.

الكلمات الدلالية